ريما كيروز - تشير الإحصاءات إلى أن امرأة واحدة من بين كل 9 نساء تقريباً تصاب بمرض سرطان الثدي، ويشكل هذا المرض نسبة 28 في المئة من إجمالي حالات السرطان المكتشفة لدى الإناث في العالم. هذه الحقيقة، تقابلها حقيقة أخرى، تتجلّى في إمكان الانتصار على سرطان الثدي والتعافي منه. وهو ما تؤكده سيدات مصابات بهذا المرض، ولكنهنّ، من خلال أملهن في الحياة، وجدن الدواء الشافي الذي كوى المرض وخبثه. فما هو الدواء الذي استخدمنه في محاربتهن الداء الخبيث؟ وهل مازلن يتسلحن به علاجاً؟ أكدت دراسة لـ«معهد الأبحاث الطبية» في براغ مؤخراً، أن «مريضات سرطان الثدي، يمكن أن يتحدَّين المرض بالإرادة والعزيمة النفسية بنسبة وصلت إلى 78 في المئة، مقارنة بالنساء المحبَطات اللواتي وقعن فريسة للمرض من دون مقاومة». وبحسب الدراسة، فإنّ الإرادة القوية ساعدت في إطالة عمر المريضة بين 10 و12 سنة، قبل أن يعود المرض ليستفحل ويدخل مراحله الأخيرة. وأكدت الدراسة أن «العلاج وحده لا يكفي للتغلب على المرض، إنما لابد من تعاون المريضة نفسياًً مع وضعها الجديد، من أجل تكامُـل مراحل العلاج. وأنه يتوجَّـب على أهل المريضة مواصلة تشجيعها نفسياًً ومعنوياً، مثل تشجيعها على الاعتماد على نفسها وإبداء الإعجاب بقدرتها». في هذا التحقيق، شهادات لسيدات من مختلف الأعمار والثقافات والجنسيات، اجتمعن لمواجهة خطر واحد هو مرض سرطان الثدي، الذي انتصرن عليه وهزمنه.. كيـف؟ إليكم قصصهنّ في إرادة الحياة.

 


حب كبير
إيمان عطوة (مدرّسة لغة عربية، 48 عاماً)، ناجية أخرى من هذا المرض، تواظب على الظهور الإعلامي في مختلف وسائل الإعلام، لأن قناعتها تملي عليها أن «من واجب الناجيات التحدث عن تجربتهن مع المرض، ليعطين الأخريات الأمل». صاد الورم الخبيث إيمان منذ 8 أعوام، في أحد الثديين، فسارعت مع زوجها إلى الأطباء، الذين شخّصوا مرضها بأنه من الدرجة الثانية. وبعد استئصال كامل للثدي خضعت لعملية ثانية، أصيبت خلالها بجلطة في الأوردة العميقة للساق، ما أجبرها على الخضوع لعلاجين في آن معاً، واحد للسرطان وآخر للجلطة. تستعيد إيمان فترة العلاج التي خضعت لها على مدى 5 أعوام، وتحكي: «خضعت لعشرين جلسة من العلاج النووي، لكني أؤكد أن نفسيتي في تلك المرحلة كانت ممتازة ومعنوياتي عالية جداً. كنت أردد لنفسي أن هذا المرض مكتوب ومُقدَّر لي، وأنه يجب علـيَّ التعامل معه بقوة. بالتالـي، أنا لن أموت قبل أن يقرر الله لي ذلك».

 


رجاء

على المقلب الثاني، ثمة نساء يعانين بصمت متسلحات بإيمانهن وبوقوف فاعلي الخير إلى جانبهن، وهـنَّ لا يملكن في ذلك إلا الدعاء. هكذا هي حال كوثر زهران (50 عاماً)، التي تستسلم لقدرها صاغرة لمشيئة خالقها، وقد مضت 5 أعوام على إصابتها بسرطان الثدي، أجرت خلالها عمليه استئصال كامل للثدي، وخضعت لجلسات تقول إنها لم تعـد تذكر عددها من العلاج الكيميائي والنووي.


كوثر، التي تؤكد أنها تأبَى الاستسلام لهذا المرض، تقول بحسرة: «كنت سأكون أكثر سعادة لو أن عائلتي كانت تحيط بي، ولكن الموت غيَّـب زوجي وابنتي، وبقيَـت لي ابنة وحيدة تعيش مع زوجها في مصر». تضيف: «كنت لأجد نفسي وحيدة تماماً، لولا اهتمام «جمعية أصدقاء سرطان الثدي»، ولولا رعاية الدكتورة سوسن الماضي، الأمين العام للجمعية، لــي». تتابع كوثر كلامها معنا بصعوبة، لأنها كانت عائدة لتوّها من جلسة علاج في المستشفى، وتقول: «عندما استأصلوا ثديي شعرت باكتئاب شديد، ووجدت صعوبة كبيرة في التعامل مع المرض، ولكن إيماني بالله كبير وعليه أتوكل ليشفيني برحمته بإذنه تعالى». يتثاقل صوت كوثر من جديد، تحاول استجماع قواها لتكمل قائلة: «سبق لي أن أديت فريضة الحج منذ سنوات، لكني أتوق اليوم إلى القيام بالعمرة، لكن العين بصيرة واليد قصيرة. أنا إنسانة مؤمنة والحمد لله، وأحب الله وأرجوه أن يشفيني وأملي كبير في أن يستجيب لدعائي».

 

رفيقة العمر
من جهته، يشير سمير عزّت (مدرس رياضيات) إلى أهمية الدور الذي لعبه إلى جانب زوجته إيمان عطوة، فيقول: «إيمان هي زوجتي وصديقتي وحبيبتي ورفيقة عمري. عندما أطلعنا طبيبها على مرضها، أصبت بصدمة شديدة وتملّكني خوف رهيب، لأنني أعرفها رقيقة جداً، وتوجّست من أنها ربما قد لا تحتمل الأمر». هذا التوجس لم يطل كثيراً، يعلق سمير ممازحاً: «لأنها بابتسامة عريضة وهدوء وسَكينة غريبين، تلقَّفت الخبر، فامتصت خوفي في لحظات». يرفض سمير استعادة تلك الذكريات الأليمة، ويمضي إلى القول: «تَفهُّم الزوج الحالة النفسية للزوجة المصابة بالمرض، مهم جداً وأساسي. لذلك قررت أن لا أستسلم، وانصرفت إلى الاهتمام بها وإحاطتها بحبي الكبير، وصرت أقرأ لها يومياً الرُّقَـى الشرعيّـة، وأصلي وأدعو لها رب العالمين، ومازلت إلى اليوم أفعل ذلك».


في المقابل، يذكر سمير جيداً أن «شخصية إيمان لم تتغير بعد المرض، وبقيت الزوجة الـمُـحبَّـة التي تعرف واجباتها جيداً تجاهي وتجاه بيتها. كما أنها ظلّت وفيّة لصديقاتها، وواظبَت في عملها نشيطة مثلماً عهدتها دائماً». يختـم قائلاً: «إنّ خضوع إيمان للعلاج وأملها في الحياة وحبها لي، من الأسباب التي عجّـلـت بشفائها، ولكن الشفاء التام لم يكن ليتحقق لها لولا إيمانها الكبير بالله تعالى».

 

 

قوة
انهماك مودة أحمد موسى في المذاكرة للتقديم للثانوية العامة، جعل والدتها سلوى عبدالرحمن أحمد، والعائلة، يَتكتَّمون على مرض والدتها بسرطان الثدي، إلا أنها تكشف أنها عرفت بأن والدتها مريضة، «لأني كنت ألاحظ سؤال الجميع عنها، ولكني لم أشك لحظة فـي أن يكون مرضها خبيثاً». تشرد مودة بُـرْهَــة، يغيب صوتها ليَعـود قائلة: «بعد انتهاء الامتحانات بأيام أخبرتني والدتي بالأمر، فانْهرت وبدأت أبكي». تضيف: «للوهلة الأولى وجدت نفسي أضعف من الصدمة». تسكت مودة مجدّداً لتُتابـع بتردد: «مازلت إلى اليوم لا أصدق ما يجري مع والدتي، وفي الأغلـب فإن فتاة في عمري لا تحتمل مثل هذه الظروف.

 

 لكن صمود أمي ومقاومتها المرض بقوة وصلابة، علّماني الكثير وجعلاني استمد قوتي من قوتها، لأقف إلى جانبها وأساندها عليه». «لا يمكن لأحد أن يصدق أن أمي مريضة». تُـكـمـل مودة قائلة: «هي تأخذ الأمر ببساطة وهدوء، وعلمتنا أن نفعل مثلها، وبذلك أدخلت الطمأنينة في قلوبنا. وأنا لا أملك إلاّ مبادلتها الحنان بالحنان والطاعة، فهي أعز الناس إلى قلبي».

 

 

دعم مادي ومعنوي
إلى جانب المصابات بسرطان الثدي، تقف «جمعية أصدقاء مرضى السرطان» في الشارقة، لتُـؤمّــن لهنَّ المساعدة والعون المطلوبَـيْـن، إضافة إلى أهداف كثيرة أخرى.


وتُـعـدّد د.الماضي أهداف الجمعية، لافتـةً إلى أنّها «تهدف إلى تقديم الدعم المعنوي والعملي والمادي، لأولئك الذين يعانون مرض السرطان. كما تهدف إلى نشر التوعية بهذا المرض، وطرق الوقاية منه لمختلف فئات المجتمع». وتعزيزاً لأهمية التوعية والكشف المبكر، قامت الجمعية بشراء جهاز «ماموغرام» حديث في فبراير/شباط 2007، وأهدته إلى «مركز الأمومة والطفولة» في الشارقة، ليتم الكشف بواسطته على السيدات مجّـانــاً».


ولأن مسيرة التوعية بمرض السرطان ومساعدة المرضى المحتاجين، مسيرة طويلة، بحسب الدكتورة الماضي: «تلتزم الجمعية بمساعدة المرضى وعوائلهم لتَخطي هذا المرض، والتغلب عليه بكل وسيلة ممكنة ومتاحة. وقد استطاعت الجمعية منذ انطلاقة مسيرتها الخيرية، مساعدة 500 مريض على مدى عشرة أعوام. وهي مصمِّمة على المضي قُـدماً بمساعدة أهـل الخيــر، والمؤسسات الخيرية والحكومية وغيرها، لنشر الأمل وتوعية المجتمع، كما أنه بات في الإمكان الشفاء من مرض السرطان تماماً، إذا تم اكتشاف المرض مبكراً وعلاجه بصورة صحيحة».


يمكن الاتصال بجمعية أصدقاء مرضى السرطان على الرقم«5065542-009716».

مواضيع ذات صلة:

غذاء للوقاية من سرطان الثدي