هي الآن رئيسة اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، وأنت حين تجلس مع الأستاذة المحامية أسمى خضر، فكأنك تجلس مع سجل وثقت فيه تاريخ القوانين والقضايا الجائرة ضد المرأة في الأردن: قتل الشرف، الطلاق، الحقوق المدنية وغيرها الكثير. ورغم أن الحياة حاولت أخذ خضر هنا وهنا بعيداً عن هذا المجال، ظلت مخلصة لحكاية النساء أينما حلّت وأياً كان منصبها.

فمن محامية مشاكسة إلى ناشطة في حقوق الإنسان توّلت منصب وزيرة الثقافة سنة 2006 ووليت أيضاً منصب الناطق الرسمي باسم الحكومة، وربما تكون أول امرأة عربية تقلدت مثل هذا المنصب شديد الحساسية. والذي قالت عنه وعن سواه مرةً "هناك حرب شرسة تمارس تحت السطح ضد النساء في المواقع العامة".

ولكن قصة أسمى خضر لم تجرِ بسلاسة نهر، فمن منا يتخيل أنها بدأت حياتها طالبة بالانتساب ثم اضطرت بعد أن ساءت حالة والدها الصحيّة للعمل بائعة في محل نوفوتيه لتوفر لها ولإخوتها مصاريف الحياة وقد كانت أكبر من في البيت. تركت دمشق حيث كانت تدرس الحقوق، وعادت إلى عمّان تفكر في حل لوضع عائلتها.

إننا في سنة 1976، كانت خضر تعبر أمام أحد الشوارع حين قرأت على بوابة إحدى المحال «للإيجار». آنذاك لمعت الفكرة في رأسها كالبرق سأفتح محل ملابس.

قوبلت هذه الفكرة باحتجاج من عائلتها فكيف يقدّر لهذه الصبية المحامية والتي عملت معلمة في الوقت نفسه أن تصبح بائعة؟! ولكن أمام عناد أسمى المعروف عنها رضخت العائلة بصمت لهذا القرار. فمن كان يتصوّر أن مشروعها الجريء الذي أطلقته بالدّين، سيفتح أبواب الفرج لأسرتها، ويتعلم من دخله أشقاؤها وشقيقاتها، بل تنخرط والدتها في الحياة العمليّة لتدير المتجر بنفسها.

لنستعرض الأعمال التي كدت فيها خضر قبل أن تصير إلى امرأة من صاحبات القرار في المواقع العليا في الدولة، عملت أسمى بائعة، معلمة، موظفة في محل ديكور، أعطت دروساً خصوصية، صارت صحافية. وبقيت مع كل هذا طالبة حقوق، تسافر إلى دمشق أثناء الامتحانات، ثم تعود لتقوم بالمهمات المفروضة عليها، وبتلك التي اختارتها طوعاً، إذ صارت عضواً في اتحاد المرأة الفلسطينية، ثم في الاتحاد النسائي الأردني.

وهكذا حتى أصبحت أسمى خضر سادس محامية في تاريخ الأردن، بل وأكثرهم مشاكسة فحين بدأت أسمى خضر التدرّب على المحاماة، كانت تميل إلى قضايا الحريات، وترافع من دون أجر. أصبحت رئيسة لجنة الحريات في نقابة المحامين، ثم رئيسة لجنة المرأة في اتحاد المحامين العرب. واشتهرت آنذاك بأكثر من قضية إشكالية، جعلت منها اسماً معروفاً في فترة قصيرة، وامتدت سنوات تألقها في مهنة المحاماة بين 1984 ــــ 1993.

وفي عام 1990 استدعيت الناشطة في «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» إلى القصر. طلب منها الملك الراحل الحسين بن طلال المشاركة في إعداد الميثاق الوطني. ومن هناك دخلت خضر بيت السياسة الذي سيصبح بيتها، حيث آمنت بضرورة العمل على تغيير القوانين من الداخل فيما، لاسيما يتعلق بالعمل على جرائم الشرف. وقد حققت بعض المكاسب الأساسيّة مثل تمديد فترة اعتقال مجرم الشرف من ستة أشهر إلى خمس سنوات.

وفي العام 2006، جاء تكليف خضر بحمل حقيبة وزارة الثقافة في فترة كانت من أكثر الفترات حرجاً في تاريخ هذه الوزارة، فقد كانت وزارة بلا ميزانية ولا مخصصات، ومع ذلك أعدّت مشروع «تفرغ المبدع» و«مدن الثقافة»، ورخصت المؤسسات الإعلامية المستقلة. ولم يمنع أثناء تسلمها مهمتها أي كتاب.

وهي وإن كانت من أشد الأصوات الحقوقية النسائية شراسة، لكن موقفها من الرجل هو ذلك الموقف الممتن لوجود رجال كالذين مرّوا في حياتها، الأب الصديق والشقيق الرائع والزوج الرفيق والابن الحنون. أنت لن تجد نفسك أمام نسوية حادة الطبع، على العكس أمام حقوقية من الطراز الأول، وحقوقية متألمة لواقع المرأة ومهمومة به، وهي كذلك المرأة الدافئة والأم لأربعة أبناء والجدة لحفيدين. وقبل كل هذا هي الابنة الممتنة دوماً للمرأة الأولى في عالمها، والدتها "لولا أمي لما صرت ما أنا عليه الآن".