على رغم صعود نجم الدراما السورية في السنوات الأخيرة ووصولها إلى منافسة الدراما المصرية، إلا أنّ المحروسة تبقى البوابة الأكثر اتساعاً لانتشار الفنّان عربياً. وهذا ما يعرفه الفنانون السوريون جيداً. لذلك لم يكتفوا بنجوميتهم "السورية" بل سعوا إلى الدخول عبر هذه البوابة ولو على حساب نجوميتهم كفناني صف أول في بلدهم الأم رغم تقديمهم أعمالاً مميزة في الدراما السورية.

بدأت الهجرة الفنية إلى مصر منذ ثلاث سنوات تقريباً دشّنها الممثل جمال سليمان واستطاع أن ينجح في مسلسل "حدائق الشيطان"، وكذلك تيم حسن في "الملك فاروق"، وسلاف فواخرجي في "أسمهان" حيث حقّقت نجاحاً لا بأس به، خصوصاً أنّ المطربة الراحلة كانت من أصول سورية. 

وكان الدور يتطلّب أن تتكلم سلاف لهجة أهل جبل الدروز في سوريا التي أتقنتها، لكنّها لم تستطع أن تحجز لنفسها مقعداً بين نجوم الموسم الرمضاني في مصر.

أما "تطعيم" الأعمال المصرية بالفنانات السوريات، فليس أمراً جديداً. تعتبر رغدة من أبرز السوريات اللواتي هاجرن إلى مصر وانطلقن منها، سواء من خلال الأعمال التلفزيونية أو السينمائية. لكنّ تجربة رغدة مختلفة تماماً عن تجارب السوريات، فقد بدأت من مصر وباللهجة المصرية، وألفها الجمهور وهي تتحدث المصرية بطلاقة. وهي لم تبدأ من سوريا، ولم تكن يوماً نجمة أعمال سورية باستثناء فيلم وحيد مع دريد لحام. لذلك، استطاعت أن تنجح مصرياً ويتقبّلها الجمهور كونها لم تترسّخ في ذهن المشاهد في أدوار تتحدث فيها باللهجة السورية. لم يستغربها الجمهور بلهجتها المصرية، بل إنّ العكس كان يحصل، وكان المشاهد يستغرب لدى رؤيتها تتحدث بلهجتها السورية في المقابلات التلفزيونية.

بينما حصل العكس تماماً مع الفنانين السوريين "الوافدين" على الدراما المصرية حديثاً. هم دخلوها بعدما أصبحوا نجوماً من الصف الأول في سوريا، وقدموا أدواراً بارزة رسّختهم في ذهن المشاهد نجوماً كبار وبلهجة سورية مطبوعة في ذهن المشاهد. لكنّ هذا الأمر وضعهم أمام مأزق حقيقي لدى الجمهور الذي استغرب لهجتهم المصرية، وانكشف أمامه ضعفهم في إجادة اللهجة المصرية وافتقارهم إلى الروح المصرية. هكذا، أتى حضورهم في الأعمال المصرية في رمضان مجازفةً كبيرة، وتنازلاً عن جزء من نجومية الصف الأول. وهذا ما حصل هذا العام مع عابد فهد الذي يعتبر من الممثلين أصحاب الأداء المختلف لكل الشخصيات التي قدمها وجعلته من نجوم الصف الأول في سوريا. الممثل المميز سقط هذا العام في إغراءات العمل في مصر، إذ يشارك الممثلة ليلى علوي في الحكاية الأولى" كابتن عفت" من مسلسل "حكايات بنعيشها". وعلى رغم احتفاء صنّاع المسلسل بعابد في التتر، وكتابة عبارة "النجم عابد فهد"، إلا أنّ ذلك لم يكن كافياً ليجعله نجماً رمضانياً "مصرياً" ولم يقنع المشاهد بأنّه مواطن مصري صعيدي بامتياز، إضافةً إلى انتقادات طالت عدم إتقانه للهجة المصرية، فبدا فهد أحد نجوم سوريا الكبار كأنه ممثل مبتدئ يقف لأول مرة أمام نجمة كبيرة بحجم ليلى علوي لتدعم مسيرته الفنية. 

وهذه تعتبر سقطة في تاريخه الفني، وينبغي له مراجعة حساباته كثيراً قبل خوض "التجربة المصرية" مجدداً، والمحافظة على صورته كنجم محبوب وكبير في الأعمال السورية والتاريخية التي شارك فيها، وألا يكون ثمن دخوله مصر التضحية بمكانته الفنية والتحوّل إلى... "كومبارس".

كذلك وحتى الآن، تبدو مشاركة باسم ياخور في مسلسل "زهرة وأزواجها الخمسة" مشاركةً ثانويةً في دور لا يعتبر دور بطولة. ويمكن لأي ممثل مصري مبتدئ أن يؤدّيه ويبرع فيه. فظهوره كشاب سوري يعيش في مصر ويتحدث المصرية لا يضاهي ظهوره في الأعمال السورية وخفة ظله وهو يتحدث لهجته السورية.

سوزان نجم الدين دخول متأخر وفاشل

لا تختلف تجربة السورية سوزان نجم الدين كثيراً عن تجربة عابد فهد. إذ فشلت مشاركتها المتأخرة في الدراما المصرية، بسبب ضعف المسلسل بحد ذاته، عدا عن أنّ دورها عادي لا يستحق أن تغامر باسمها كنجمة من نجمات سوريا التي حققت النجاحات في مسلسلات سورية وتاريخية وأشهرها دورها في "الكواسر"، و"شجرة الدر" و"نهاية رجل شجاع". فالمسلسل لم يحظَ باحتفاء الصحافة التي لم تتوقف أبداً عند دور نجم الدين، فيما جاء تواجدها عبر صفحات الجرائد للحديث عن خلافاتها مع الراقصة لوسي التي تتقاسم معها البطولة وتعتبر نفسها بطلة المسلسل، في حين أنّ نجم الدين ترى أنّها هي البطلة الأولى. وتأتي تصريحات لوسي لتؤكد تحوّل نجوم سوريا إلى ممثلين مساعدين في الأعمال المصرية. إذ صرحت أنّها قرّرت وضع اسمها قبل اسم سوزان نجم الدين، وكان يمكن أن تتنازل إذا كانت الفنانة نيللي هي التي تشاركها البطولة. وأضافت "أنا أكبر وأهم من سوزان، ولن أضع نفسي في مقارنة معها".

أيضاً، تشارك الممثلة جومانا مراد في مسلسل "شاهد إثبات" وإن لم تكن هذه تجربتها الأولى. إذ سبقتها تجارب عدة في أعمال رمضانية وفي السينما، إلا أنّها لم تحقق نجاحاً يحسب لها ولا تزال فنانة من الصف الثاني سواء في سوريا أو مصر. كذلك، تشارك الممثلة كنده علوش في مسلسل "أهل كايرو" أمام الممثل خالد الصاوي، ويبدو حضورها باهتاً عدا عن أنّ علوش لم تحقق نجاحاً يذكر في سوريا. والأمر نفسه ينطبق على كندة حنا التي تشارك في مسلسل "بيت الباشا" مع الفنان صلاح السعدني.

في المحصلة، تعتبر مشاركة الممثلات السوريات في دراما رمضان المصرية خجولةً لم تحقق أي نجاح كما حصل مع الممثلة صفاء سلطان التي قدمت في رمضان الماضي شخصية الفنانة الراحلة ليلى مراد في "قلبي دليلي"، وتعرّضت لهجوم عنيف.

وسط كل هذا، لا يزال جمال سليمان السوري الوحيد الذي استطاع أن يحافظ على نجوميته في مصر ويدخلها نجماً لا "كومبارساً" أو ممثلا مساعداً كما حصل مع الفنانين السوريين الذين حاولوا "تمصير" أنفسهم عبر تقديم أدوار لا تضيف لهم شيئاً، بل على العكس تؤثر سلباً سواء لدى الجمهور المصري الذي يرى أنّهم لا يمثلون الشخصية المصرية وروحها، أو لدى جمهورهم السوري والعربي الذي يرى ظهورهم خالياً من البريق ويعتبره خطوةً إلى الوراء في مسيرتهم الفنية.