«لا حياة مع اليأس» هذا ما تقوله سوسن حسين، التي توقفت عن الدراسة عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها بسبب الزواج، ولم تواصل تعليمها بعد ذلك بسبب تفرغها للاهتمام ببيتها وأولادها وعملها. غير أن حلم إكمال تعليمها ظل يراودها ليل نهار. ولم لا؟ فـ«العلم يرفع بيتاً لا عماد له والجهل يهدم بيت العز والشرف».

 

مشوار الألف ميل

في حديثها عن هذا الحدث الذي أثلج صدر زوجها وأبنائها والمحيطين، تقول سوسن، التي تعمل في وزارة الصحة في الإمارات العربية المتحدة منذ عام 1975: «لقد تزوجت في سن صغيرة، أنجبت خلالها أربعة أبناء (ثلاثة ذكور وبنتاً واحدة) أكمل ثلاثة منهم تعليمهم الجامعي. أما ابني الأصغر، وهو صاحب فكرة إكمال دراستي، فلا يزال في المرحلة الجامعية، حيث يتابع دراسته في الولايات المتحدة الأميركية».


ولأن «مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة»، تقول سوسن: «عندما كان ابني الأصغر يستعد لامتحان الشهادة الثانوية عام 2006، كنت أساعده في مراجعة دروسه، فأشار عليّ بالتسجيل لامتحان الثانوية العامة لنذاكر معاً، فاقتنعت بالفكرة، غير أنني كنت متوجسة لأني حصلت على الشهادة الثانوية عام 1983 ولم أجد الوقت الكافي للتفكير في هذا الموضوع، ولكن ابني ظل يشجعني ويدفعني إلى إكمال دراستي الجامعية بكل الوسائل، فوافقت على طلبه، وقررت تنفيذ رغبته التي كنت أعلم أنها ستحقق حلمي بالحصول إلى الشهادة الجامعية».

 

المفاجأة الكبرى

وإذ تواصل سوسن حديثها عن رحلة النجاح التي تكللت بحصولها على الشهادة الجامعية مع مرتبة الشرف، تقول: «تقدمت بطلب للمنطقة التعليمية في أبوظبي للتسجيل لتأدية امتحان الشهادة الثانوية، فقبل طلبي على الفور، كما تم تزويدي بالمنهج الدراسي والكتب لأدخل ساحة المعركة مع ابني، متسلحة بتشجيعه وبالتحدي أيضاً، ذلك أن ابني ظل يقف إلى جانبي بدلاً من وقوفي إلى جانبه حتى اللحظة الأخيرة، والحمد لله تكللت جهوده بنجاحي في امتحان الشهادة الثانوية العامة، ليشكل هذا النجاح مفاجأة كبرى لزوجي وأولادي وزملائي في العمل». وتضيف: «من هنا بدأت مرحلة جديدة في حياتي، رسمت ملامحها من خلال وقوف عائلتي معي ودعمهم لي، حيث قررت تسجيل اسمي ضمن طلاب «جامعة الحصن» في تخصص اللغة العربية والتربية الإسلامية، بعد أن نظمت وقتي بين البيت والعمل والدراسة».

 

إرادة وعزيمة

ورداً على سؤال حول كيفية تنظيم وقتها بين البيت والعمل والدراسة، تقول سوسن: «كنت أذهب إلى مكان عملي في الساعة السابعة والنصف صباحاً، ثم أغادره إلى الجامعة في الثانية عشرة ظهراً وحتى السادسة مساء، وذلك بتشجيع من زوجي الذي تحمل الكثير من الأعباء لكي يوفر لي الجو الملائم للدراسة، وأيضاً بدعم من أبنائي الذين اعتمدوا على أنفسهم، حتى يتيحوا لي أن أتفرغ للمذاكرة وأداء الامتحان».


ويبدو أن مقولة «العلم في الصغر كالنقش في الحجر» لا تسري على سوسن حسين، التي تؤكد أن «العلم لا علاقة له بالعمر، بل بالإرادة والعزيمة». وتقول: «كنت أستمع لهذه المقولة ولا أعيرها اهتماماً، لا بل كنت أحاول أن أثبت العكس. وها أنا اليوم أمامكم وقد أكملت دراستي الجامعية بتقدير امتياز بعد سن الخمسين، وهذا ما يؤكد أن التعليم لا يرتبط بزمن أو عمر، وأن الإنسان يتعلم كل يوم أشياء جديدة مادام هناك عزيمة وإصرار على المعرفة».

 

زميلة وأم

كيفما التفتت، تتحدث سوسن عن الدور الذي لعبه أصغر أبنائها في وصولها إلى هدفها، حيث تقول: «لقد كان ابني بمثابة الشمعة التي أضاءت طريقي لتحقيق أمنية غالية». وتضيف: «كنت أسير في نفق مظلم أضأته بنور العلم والمعرفة، ولا يسعني سوى تقديم الشكر لكل من وقف معي ومنحني وقتاً أو قدم لي معلومة مفيدة وعلى رأسهم أساتذة الجامعة الكرام، الذين لطالما شجعوني على الاستمرار ورفعوا معنوياتي من خلال ضرب الأمثلة للطالبات عن ظروفي وحرصي على التعليم في هذه السن».


حينما التحقت سوسن بالجامعة راودها شعور خفي بأنها عادت إلى مرحلة الشباب مرة أخرى، خصوصاً أن فرحتها بزملائها كانت لا توصف، كما أن سعادتها بالجلوس معهم على مقاعد الدراسة، كانت تمنحها شعوراً بأنها لا تزال طالبة في مقتبل العمر وهي تقول في هذا السياق: «بصراحة، لقد شعرت بأني أعيش مرحلة الشباب مرة أخرى. لذا، كنت نموذجاً مثالياً للانضباط والالتزام، كما تعرفت إلى عدد كبير من الطالبات اللواتي كن يعتقدن أني أستاذة أو دكتورة في الجامعة. ولكن، بمرور الوقت، أصحبنا أكثر من زميلات دراسة، حيث كنت بالنسبة إليهن بمثابة الأم والأخت الكبيرة التي تتبنى قضاياهن وتعرض مشاكلهن على المسؤولين في الجامعة، كما كنت المتحدث الرسمي باسمهن في كل المناسبات نظراً إلى تقارب السن بيني وبين الأساتذة. وقد تكللت جهودنا بالنجاح، حيث كنا الدفعة الأولى والمميزة في هذا التخصص، نظراً إلى الاهتمام الكبير الذي أولته لنا إدارة الجامعة والأساتذة».

 

حلم الدكتوراه

وفي ما يتعلق بالمعوقات التي واجهتها في بداية حياتها الدراسية والدور الذي لعبه المقربون منها لإزالة تلك العقبات، تقول سوسن: «واجهتني في البداية بعض الصعوبات، من بينها التوفيق بين العمل والدراسة، لكني استطعت التغلب على هذه المشكلة بموافقة معالي وزير الصحة على منحي إجازة للتفرغ للدراسة، وأنا أقدر تشجيع معاليه لي على ضرورة إكمالي التعليم الجامعي، فله مني كل الشكر والتقدير ذلك أني لن أنسى دوره الكبير ووقفته الكريمة معي في أصعب اللحظات». وتتابع: «أما الأشخاص المقربون وهم أفراد عائلتي وزملائي في العمل والدراسة، فقد كانوا نعم العون والسند، حيث أحاطوني بالتشجيع والتقدير والمساندة لأمضي قدماً في تحقيق أمنيتي. وقد أسهم هذا التشجيع في نجاحي بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى».


وفي نهاية حديثها، لا تنسى سوسن، التي تؤكد أنها ستواصل تعليمها حتى الحصول على شهادة الدكتوراه، توجيه جزيل الشكر لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة حفظه الله، الذي يشجع أبناء الإمارات على مواصلة تعليمهم ويقدم كل ما يسهم في حصولهم على شهادات عليا، وإلى سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، حفظها الله، لدعمها المرأة الإماراتية في المجالات كافة، لتصبح نموذجاً يحتذى به».