صاروا اليوم من أصحاب الثروات والجاه والغنى، فاستحقوا لقب "الطبقة المخملية" مع سبق الإصرار! سلوكهم الفني محسوب بدقة بعدما فتح لهم الإعلام العربي أبواب الشهرة والنجومية، وشغلوا الرأي العام بأخبارهم وجديدهم. على رأس هؤلاء النجوم، يأتي طبعاً محمد عبده "فنان العرب" بينما يتفاوت الآخرون في نجوميتهم تصاعداً وهبوطاً لكن ضمن المستوى نفسه، مثل راشد الماجد, وخالد عبد الرحمن, وعبد المجيد عبدالله, ورابح صقر وعبادي الجوهر. هؤلاء لقّبهم الجمهور بالسلطات الفنية الدسمة.
لكن لماذا تكتظ المواهب الفنية في الدول الأخرى وتقلّ في المملكة؟ وأين يكمن موطن الخلل؟ وهل يستحق محمد عبده تصدّر الهرم وتسيّده عن جدارة؟ أسئلة كثيرة طرحتها "أنا زهرة" على عدد من الموسيقيين والفنانين العرب. من اسطنبول، قال الملحن السعودي الشهير صالح الشهري في اتصال مع "أنا زهرة" "لا شك في أنّ محمد عبده يتسيّد الهرم الغنائي السعودي". لكن لماذا غياب للمواهب الجديدة في السعودية؟ يجيب الشهري: " بالعكس لدينا تركي, وابراهيم الحكمي, ومحمد الزيلعي, وراشد الفارس. لكن هؤلاء يحتاجون إلى قطع شوط طويل كي يراكموا السنين والخبرة ويصلوا الى شهرة سابقيهم".

زعل خالد عبد الرحمن من جمهوره
ما حدث خلال حفلة خالد عبد الرحمن في جدة، يشكّل جواباً شافياً لمن يريد التعرّف إلى الساحة الفنية السعودية. في تلك الحفلة، قام جمهور عبد الرحمن بإدارة ظهره للفنان السعودي الصاعد راكان لثنيه عن الغناء. فالنجوم هم النجوم ولا شيء يتبدّل في عجلة الزمن بالنسبة إلى هذا الجمهور. وقد سأل بعضهم: هل إنّ محمد عبده، وراشد الماجد, وخالد عبد الرحمن, وعبد المجيد عبد الله لا يرغبون في بروز فنانين صاعدين جدد؟ سؤال قد يدور في ذهن أي شخص عادي لا يلحظ أي تغيير في صفوف الفنانين السعوديين. هل هناك يدٌ خلف الكواليس تمنع الطامحين الجدد من اعتلاء الخشبة والشهرة والأضواء؟ لكنّ غضب خالد مما فعله الجمهور براكان، دليل على ثقته بنفسه ورغبته في نجاح الآخرين من فنانين صاعدين. وقد أكّد على ذلك حين توجّه إلى جمهوره قائلاً: لا أخلاقنا ولا تقاليدنا تسمح بما فعلتموه". لكن تلك الفعلة دلّت على أنّ ذلك الجمهور هو الرافض للشاب راكان وليس خالد. لكن مهلاً، دعونا نسأل أصحاب الإعلام والاختصاص الذين يعرفون أكثر ما يدور خلف الكواليس.

 

الهواة الجدد لا يبذلون مجهوداً
يجد الصحافي السعودي طاهر بخش أنّه لا حجة للفنانين الشباب أن يتهموا النجوم المكرّسين، وأضاف: "لم يسطع نجم راشد الماجد في يوم وليلة. لقد استغرق مشواره سنوات طويلة كي يحقّق ما حققه من تألق ونجاح". وتابع: "هناك مطربون حديثون يستعجلون الشهرة من دون استيفاء معايير الفنّ وأسسه. علماً بأن الساحة مكتظة بالوجوه والأصوات، ولم يعد الناس يتقبّلون مطربين جدداً لا يملكون ثقافة فنية". من جهته، ألمح بخش الى أن بعض الهواة الصاعدين يفتعلون أي حركة مثيرة وملفتة تؤدي الى الشهرة. وقال: "ألاحظ قيام البعض من أجل الشهرة، بالتهجم على المطربين الكبار فيدّعون أنّ هؤلاء المكرّسين يعيقون طريقهم، في الفن". وأضاف: "المشكلة أنّ الجدد لم يأتوا بجديد! ما يفعلونه هو تقمص شخصية فنان متواجد على الساحة للصعود بسرعة". وأضاف: "منذ عشر سنوات، لم تشهد الساحة الفنية بروز أي مطرب سعودي يتميّز بخط جديد. حين ظهر خالد عبد الرحمن، سار على درب الرحل حمد الطيار الفنان الشعبي ذي الجمهور الغفير. وحتى اليوم، ما زال خالد يسير على خطاه لكن بأسلوبه الخاص. كذلك، انتهج راشد الماجد أسلوب المطرب عيسى الأحسائي وبشر حمد شنان الذي يعد أقدم فنان شعبي. هذا على الرغم من اختلاف توجه راشد عنهما لجهة الكلمات المغناة". في المقابل، اعتبر بخش بأنّ الناس لا يرغبون بأن يقلد فنان مطرباً آخر على قيد الحياة، فالأصل ما زال موجوداً. وقال "حظي ألبوم راشد الماجد الأخير بنجاح كبير لا سيما بعدما أحسن الإختيار في أداء أغنيات للراحل فهد بن سعيد، فأحيى قديماً لكنّه لم يقلد جديداً".

 

سراج عمر: الخلل إعلامي!
من جهة أخرى، يقول الملحن السعودي المخضرم سراج عمر: "لا أستطيع لوم شركات الإنتاج على تحجيم دور الهواة الطامحين. كما هو معروف، فإنّ شركات الإنتاج قد أقفلت على نفسها، فكيف للصغار الظهور؟" ويتابع: "لا شك في أنّ السبب يكمن في خلل إعلامي، فالأضواء لا تركّز إلا على الكبار, لذا يجب أن تكون هناك رؤية شاملة للفنانين الجدد، وأخذ رأيهم في وسائل الإعلام". وعن محمد عبده، قال: "بالطبع، يتسيّد الهرم سواء هو أم الأهرام الخمسة الأخرى (في إشارة إلى عبد المجيد عبدالله, وخالد عبد الرحمن, وراشد الماجد, وعبادي الجوهر ورابح صقر). وهذا بالطبع يعود إلى أنّ الإعلام يركّز عليهم بشكل مكثف وقوي. ما يصرف النظر عن الآخرين". وقال منزعجاً "لا تتوافر مسارح تلفزيونية وشركات الإنتاج مقفلة". وفجأة انتقل إلى حديث آخر، قائلاً "لقد خدمت هؤلاء المطربين بما يكفي على مدار 50 عاماً. الآن، لن أعود إلى الساحة إلا مع من أؤمن بموهبته، أو من يشعر بأن سراج عمر سوف يقدم له الأفضل".


من جهته، قال الصحافي الفني السعودي حبيب علي: "قبل أن يرحل الفنان السعودي فوزي محسون، مهّد الطريق لمحمد عبده، وعلي عبد الكريم وسامي إحسان. لكن جيل الراحل طلال مداح، ومحمد عبده، وراشد الماجد لم يجهّزوا الفنانين الجدد لأي ظرف كان". وأضاف "لا أنكر بأن راشد وعبد المجيد ومحمد عبده أوصلوا الأغنية السعودية إلى العالمية. إذ أصبحت مسارح لندن وباريس مفتوحة لهم، وهذا انجاز حقيقي. لكن الساحة تضجّ بمواهب ضعيفة تحتل حيزاً كبيراً في وسائل الإعلام" وأضاف لــ أنا زهرة" أنّ شركات الإنتاج خرّبت كل شيء, وصار الاعتماد على المكسب كل شيء, انصرفت الأنظار عن الفنانين الكبار, وصاروا يتعاقدون مع المواهب الصغيرة على خمس سنوات، ولا ينفذون لهؤلاء الا البوماً واحداً ومن ثم يتجاهلوهم.


لكنّ الصحافة السعودية تؤكد على فضل راشد الماجد في إبراز موهوبين جدد أمثال محمد الزيلعي. وهنا يرفض الصحافي عماد الحكمي إتهام الفنانين المكرّسين بعدم مساعدة الجدد. إذ قال: "ليس صحيحاً ما يقال عن الكبار. فقد قدم راشد الماجد الكثير من المطربين عن طريق شركة "بلاتينيوم", في حين أنه كان يستطيع التفرّد بالجو، لكنّه فعل ما لم تحقّقه برامج مثل "ستار أكاديمي" و"سوبر ستار". وأضاف: "أبرز مافعله مؤخراً هو دعمه للفنان السعودي محمد الزيلعي الذي أصبح من أهم المشاركين في حفلات جدة، والأوبريت. وقد بلغ ما لم يبلغه غيره من الفناننين الكبار". وأضاف: "كذلك محمد عبده يوجه الشباب الصاعد". وتابع أنّ المشكلة تكمن في أنّ بعض الفنانين الجدد لا تهمّهم سوى الشهرة السريعة، وهم لا يمتلكون الثقافة التي تستطيع أن تنقلهم إلى صفوف هؤلاء الكبار".

المزيد على أنا زهرة: