يحق للفنّان التفاعل مع القضايا المصيرية التي تحدث حوله، وأن يكون له رأي وطني يعبّر عنه، ويشارك فيه مع "نبض الشارع" الاجتماعي والسياسي وحتى الثقافي، وفي كل التحرّكات التي تمس المواطن العربي من المحيط إلى الخليج. كما يحقّ له أن يلعب دوراً فعالاً في المواقف المصيرية الكبرى، لكن من دون أن يكون ذلك وليد اللحظة، أو بحثاً عن التواجد الإعلامي، وتسليط الضوء عليه "استغلالاً" للحدث الوطني، أو القضية التي تكون حديث الشارع.
عرف الوطن العربي فنانين التزموا بخطّ فني محدد، تلازم مع إيمانهم بالقضايا الوطنية والقومية وغيرها، من بينهم مرسيل خليفة، وجوليا بطرس وغيرهم. لم تكن أعمالهم وليدة الصدفة، ولا مجاراةً للحدث كما حصل مع تامر حسني. "نجم الجيل" لا يكلّ ولا يملّ من البحث دوماً عن "بروباغندا" إعلامية تسبقه، وتسبق أعماله التي بقيت حتى الآن محصورةً بجيل "المراهقين".


يحاول حسني "التسلّق" على الكثير من القضايا، ليقول "أنا هنا"، ويلفت النظر إليه، خصوصاً مع توافر مكتب إعلامي يرسل عنه يومياً خبراً لا يختلف عن الآخر في شيء. منذ أشهر، شكّل خبر تحضير حسني لشريطٍ عن القضية الفلسطينية صدمةً لمن تابع أخبار هذا المغني. إذ ليس مصادفة أن يأتي على ذكر "القضية الفلسطينة" بالتزامن مع طرح فيلمه "نور عيني" في الصالات السينمائية، وهو يعلم تماماً مدى تأثر الشعب العربي بالفنانين الذين يطرحون هذه القضية في أعمالهم. وإلا فما الداعي ليُرفق تامر خبر كتابته فيلماً عن فلسطين في نفس خبر عرض فيلمه الجديد، سوى "استمالة" القلوب إليه وإلى مواقفه "البطولية".


تامر الذي يبدو أنّه "يلعبها صح"، وجد مؤخراً في خلاف الفنانة الكبيرة فيروز مع ورثة منصور الرحباني "باب ضوء" ينفذ منه. فقام بإصدار أغنية بعنوان" فيروز" تضامناً مع الوقفة التي تقام في لبنان ضد منع فيروز من الغناء. وفي وقت يعلم تامر أنّ هذه الأغنية لن تدوم، ولن تحقّق أي جماهيرية، إلا أنّه يفضّل "التسلّق" على هالة فيروز علها تأتي بثمارها. تامر الذي يُعتبر منذ سنوات إحدى ظواهر الغناء في مصر، وطُرح منافساً لعمرو دياب، بقي نجاحه مقتصراً على الجمهور المصري رغم "كثرة حالات" الإغماء التي ترافق حفلاته. ولم يصل الى الجمهور العربي كشيرين عبد الوهاب التي بدأت الغناء معه، وفاقته انتشاراً عربياً خصوصاً في لبنان والخليج. تامر حسني ـ وكما صرّحت إحدى الإعلاميات بعد مشاهدتها حفلته في بيروت منذ سنتين ـ يصلح ليكون نجماً لـ 15 دقيقة فقط من بداية الحفلة، وبعدها يهدأ الناس وينتهي الحماس، ويصبح مَن يغنّي على المسرح وحيداً، وجمهوره بعيداً.


لا تبتعد مي حريري الزوجة السابقة لملحم بركات، عن طريقة تفكير تامر حسني. على رغم كل محاولاتها لتثبيت قدميها في عالم الغناء، إلا أنّها لم تستطع أن تشكّل حالةً خاصة، ولا أن تحقّق تواجداً، على رغم سيطرة موجة "مغنّيات الفيديو كليب الراقص" التي تنتمي إليها. ولم تستطع أن تكون سوى زوجة سابقة للموسيقار اللبناني. وعلى رغم أنّها أدّت أغنيته الشهيرة "حبيبي أنت"، إلا أنّها كانت تحقّق تراجعاً ملحوظاً في تواجدها كمغنية على الساحة الفنية. وحاولت سابقاً أن تستغلّ أمورها الخاصة كقصّة طلاقها، ومنعها من دخول لبنان لرؤية ابنتها، ثم حصولها على حق الحضانة لتقوم بعقد مؤتمر صحافي بدا "فريداً" من نوعه. لم تكن الدعوة من أجل إطلاق ألبوم، بل من أجل الحديث عن الحكم بحق حضانتها لابنتها. وهو الأمر الذي يبدو مستغرباً. ففي وقت كانت الحريري تطالب فيه بعدم تدخّل الصحافة في حياتها الخاصة، ها هي تقيم مؤتمراً صحافياً تدعو إليه مختلف وسائل الإعلام للحديث عن أدق تفاصيل حياتها!

 مع ذلك، لم تشكّل مي و"حضانتها" أي حدث مميّز للصحافة، لتعود وتبحث عن "منفذ" يكون بوابة العبور لها و... "وجدته"! بعد الضجة الكبيرة التي أحدثها خبر الاعتداء على سفينة المساعدات التركية التي كانت تبحر نحو غزة، قررت مي حريري "استغلال الظرف"، فأعلنت عن نيتها المشاركة في السفينة "مريم" التي ستنقل المساعدات إلى القطاع. وما كان أحد ليحاسب حريري على نيتها أو يتّهمها بـ "الاستعراض" لو أنّها اكتفت بالمشاركة بصمت ومن دون إرسال بيانات صحافية "تبشّرنا" فيها بتقديم هذه الخدمة الإنسانية للشعب الفلسطيني، إضافة إلى إطلاق أغنية "لون الدم" تضامناً مع غزة. لكنّ الأغنية إياها لم يسمعها أحد، ولم تعلق في ذاكرة التاريخ، فيما بقي سؤال: أين كانت مي خلال حرب تموز! ولماذا لم تتحرّك "وطنيتها" حينها لتقديم أغنية للجنوب اللبناني الذي تنتمي إليه، عدا إطلاق تصريحات هنا وهناك عن أمنيتها في الاستشهاد وترك وصية!


لا يؤخذ على مي وتامر هذا "التمسّح" بالقضايا الوطنية فقط، بل إنّ هذا الأمر يطال العديد من الفنانين العرب الذين تغيب "وطنيتهم" طوال مسيرتهم، لتظهر فجأةً أغنية "طبخت سريعاً" كي تُطرح خلال حصول حدث عربي يستوجب "حفظ ماء الوجه" لا أكثر، ثم سرعان ما تموت. وتبقى أغنيات مرسيل خليفة، وجوليا بطرس، وفيروز أغاني القضايا الوطنية بامتياز التي لم ترَ النور مجاراةً لظرف آني ولا بحثاً عن ضوءٍ ونجومية!