لا يهمّ جمهورها الدخول في مضمون البيانات التي صدرت عن "الرحابنة الجدد"، ولا يهم عشّاقها أو "جمهور السميعة" الذين اعتادوا صوتها صباحاً حتى الإدمان، أن يعرفوا لمن هذه الأغنية أو تلك: منصور أم عاصي؟ ولا يعني عشّاقها الدخول في لعبة الأرقام والميراث وتقسيمه. ما يعنيهم شي واحد: استمرار هذا الصوت الذي صنع صباحاتهم ومساءاتهم.
لكن لم يدر في خلد الداعين إلى اعتصام سلمي مع فيروز أمس أن يكون الحضور هزيلاً إلى هذه الدرجة، لا يليق بالسيدة التي أصبح صوتها جزءاً من ذاكرة العرب عامة، واللبنانيين خاصة، فتربعت في وجدانهم، وصارت صوتاً لا يمكن إسكاته بقرار محكمة أو خلاف عائلي.


لذلك، لم يرق لكثيرين صدور قرار بمنع فيروز من الغناء. فانطلقت حملات المناصرة للصوت الذي حكم عليه بالصمت. وبدأت التحضيرات لتنظيم اعتصام سلمي قادته من لبنان الإعلامية نضال الأحمدية، وطالبت فيه بالاعتصام أمام ساحة المتحف في بيروت كي لا تسكت فيروز. كان الموعد أمس، وبدأ "تجييش" الشعب، وتعبئة الحشود لإظهار قيمة فيروز لبنانياً وعربياً ربما!
واشتعلت حمى التصريحات والمناصرات من كل حدب وصوب، إضافة إلى الحملات الكثيرة التي غصت بها صفحة الـ "فايسبوك"، حتى خال الجميع بأنّ الإعتصام سيملأ البر الذي يضيق بالمعتصمين. فالتجمّع يقام باسم السيدة فيروز وباسم صوتها. لكن يبدو أنّ الوضع ليس كبسة زر. من كان يجهز نفسه لحضور الاعتصام، ظنّ بأنه لن يستطيع الوصول إلى منطقة المتحف من شدة "الزحام" لإثبات "الوفاء" للصوت الفيروزي. لكن حركة السير كانت عادية جداً أمام المتحف، فيما عشاق فيروز أو الشعب اللبناني لم يعد يعنيهم مناصرة سفيرتهم، فاقتصر الحضور "الهزيل" على سبعة فنانين وحضور قوي للصحافة الأجنبية والعربية التي تعاني من الركود الفني الذي يسبق فترة رمضان فـ "تبحث عن جنازة لتشبع فيها لطماً"!


كان نصف الحضور من الصحافة، وغاب مثقفو لبنان الذين اكتفى بعضهم بكتابة مقالات لا تؤتي ثمارها، بينما الشعب اللبناني منصرفاً إلى همومه ومشاغله، وأصبحت فيروز آخر "همه" كأنّه لم يسمع بخلافات الرحابنة على الميراث.
السيارات القليلة التي تمر في منطقة المتحف تتساءل عن سبب هذا التجمع، فلا أحد علم شيئاً مما يحصل. في هذا الوقت، كانت المغنية رولا سعد تمسك صورة فيروز، وتبتسم لعدسات المصورين بإغراء، متناسية بأنّه إعتصام من أجل الصوت الفيروزي. وقد علّقت إحدى الصحافيات الحاضرات بأنّ رولا ربما تطمع بأن تعيد توزيع أغنية لفيروز كما فعلت بأغنيات صباح. فيما إلهام شاهين كانت محط اهتمام الصحافيين الذين يبحثون عن وجه معروف يطلق تصريحات في مناسبة غاب عنها فنانو لبنان لأسباب مجهولة أو ربما أرادوا البقاء على الحياد. الممثلة المصرية أكّدت أنها حضرت خصيصاً من مصر للمشاركة في الاعتصام، فيما تهامس بعضهم بأنّها جاءت بيروت منذ أسبوع لتصوير مسلسل جديد.


جوليا بطرس بدت هادئة، تعطي تصريحاتها باقتضاب حتى "لا تتورّط رحبانياً" بكلمة هنا أو كلمة هناك. رفضت المغنّية اللبنانية التعليق على سؤال "أنا زهرة" حول العدد القليل المشارك في الاعتصام لأنّها لا تحبّ التطرق إلى السلبيات كما قالت، وأضافت أنّه يكفي العدد المشارك من الناس حتى يثبتوا دعمهم لفيروز ولقضيتها المحقة. وأعربت عن أسفها لما يحصل من ممارسات ضد سيّدة تعتبر رمزاً من رموز لبنان، واصفة ما يحدث بـ "السخيف".
الفنان الشاب زياد برجي شجب ما يحصل، وكذلك الممثلة ليليان نمري. أما المخرجة وابنة فيروز ريما الرحباني فوصلت متأخرة، ولم ينتبه لها بدايةً الصحافييون الباحثون عن بعض المشاهير لأخذ تصريحاتهم وكتابة تقاريرهم.


ريما التي رفضت التصريح للصحافة، قالت لـ "أنا زهرة": "اليوم لا تصريحات. اليوم، يوم الصمت لسماع صوت فيروز". وعن الحضور القليل في الاعتصام، قالت ضاحكة: "أنا لم أتوقّع شيئاً. "حشروني" هنا في الزواية". وعن غياب زياد عن الإعلام طوال الفترة الماضية فيما هي التي تتكلم باسم فيروز، قالت: "زياد مشغول ولديه عمل".
ربما كان للمواطن اللبناني عذره بألا يلتفت "لنصرة" فيروز، لكن ماذا عن مثقفي لبنان الذين يغيبون في كل مناسبة مهمة مفضّلين الصمت. فقط الإعلامي اللبناني عبده وازن كان حاضراً. هذا الغياب المدوّي للمثقفين، جعل سيدة لبنانية تبدي إستياءها من الحضور الخجول، وتقول بأنّها حضرت وابنتها من لندن من أجل الاعتصام، وبأنّ العدد القليل سبّب لها صدمةً. ثم سألت عن مثقفي لبنان: أين هم؟ لكنّها سرعان ما أدارت ظهرها، مغادرةً الاعتصام الذي تراه لا يليق بالسيدة فيروز، ومطالبةً الصحافة بقول الحقيقة!