تبدو تجربة المذيع السعودي في الفضائيات مغايرةً تماماً لما شهده الإعلام العربي من قفزة نوعية مع بداية البث الفضائي، وخروج التلفزيونات العربية من إطار المحلية إلى حيز الفضاء والتواصل مع العالم، وبروز أسماء إعلاميّة عربية في الفضائيات من تونس، ومصر ولبنان لتصبح من مشاهير العالم العربي في عالم الإعلام. وفي وقت استطاع المذيع اللبناني، أو المصري، أو التونسي أن يكون مذيعاً عربياً يخاطب كل الجمهور العربي، بدت تجربة المذيع السعودي مختلفة تماماً، خصوصاً في القنوات ذات رأس المال السعودي أو التي تحرص على "إرضاء" الجمهور السعودي، وقد وضعت في أولوياتها إطلاق أسماء سعودية عبر شاشتها. لكن يبدو أنّ المذيع السعودي وقع في فخ "الاستهلاك المحلي"، بما أنّ السعودية سوق مفتوح يستقطب المعلنين، ناهيك بأن الكثير من البرامج التي قدّمها المذيعون السعوديون كانت موجّهة إلى السعوديين أولاً. وهو الأمر الذي حصر المذيع السعودي في إطار المحلية رغم "الكرافات" والبذلة، وعجز عن منافسة زميله المصري، أو اللبناني، أو التونسي الذي كان يتوجه ببرامجه إلى كل المشاهدين العرب.

 

سعود الدوسري "مشفراً"
يعتبر المذيع السعودي سعود الدوسري من أوّل الوجوه السعودية التي أطلت عبر الفضائيات وإن سبقه صوته عبر الإذاعة، قبل أن يتحوّل مذيعاً تلفزيونياً عبر أثير إذاعة "أم. بي. سي أف أم". واستطاع أن يأسر قلوب "المستمعات" بصوته، وخصوصاً عند قراءة الأشعار، وحقّق شعبيةً كبيرة في السعودية والخليج. بعد ذلك، انتقل إلى التلفزيون حيث قدّم على شاشة "أم. بي. سي" برنامج "صباح الخير يا عرب"، قبل أن ينتقل إلى قناة "أوربت" التي حدّت كثيراً من شهرته في العالم العربي، كون المحطة مشفّرة، لا تلقى رواجاً كبيراً في لبنان ومصر. وعلى رغم أنّ الدوسري قدّم برامج المنوعات التي تكرّس عادةً نجومية المذيع كما حصل مع طوني خليفة ونيشان، إلا أنّه لم يستطع الخروج من إطار المحلية. ومنذ سنة، عاد إلى شاشة "أم. بي. سي" حيث قدّم برنامج "نقطة تحول" الذي لم يحظَ أيضاً باهتمام الصحافة العربية. وعلى رغم عدم خبرتها في التقديم، استطاعت المغنية أروى أن تتفوّق عليه. وقد حصد برنامجها "آخر من يعلم" نجاحاً عربياً بسبب ضيوف الحلقات ، على عكس سعود الذي بقي مضمون برنامجه يحاكي الجمهور السعودي على رغم تنوّع ضيوفه.
ومع أنّ الدوسري يتمتّع بإطلالة جذابة على الشاشة وبصوت قوي كمذيع، إلا أنّه بقي مذيعاً سعودياً موجّهاً إلى جمهور محلي من دون استغلال "أدواته" كالوسامة، وجمال صوته بهدف التحوّل إلى مذيع عربي من الطراز الأول.

 

علي العلياني "لبنانياً"!

على رغم أنّ تجربته أقصر من تجربة سعود، يبدو المذيع علي العلياني أوفر حظاً في انتقاله من إطار المحلية إلى الحيز اللبناني. مع توجه كثير من القنوات إلى غزو السوق السعودي، تم تخصيص برامج موجهة إلى الجمهور السعودي مع "نكهة" عربية أو لبنانية إذا شئنا قول ذلك. هذه البرامج كانت تبث من لبنان، وفي مقدمة هذه القنوات الفضائية اللبنانية، محطة LBC التي بثت برنامج "عيشوا معنا" واختارت له ثلاثة سعوديين هم: علي العلياني، ومنى سراج وغادة مصلي. وقد أطلّ العلياني في البرنامج على الجمهور السعودي من فضائية لبنانية تزامناً مع نشوب حرب تموز. فتوقّف البرنامج، ثم قدم العلياني برنامج "كلام في الحرب" الذي يعتمد على اتصالات المشاهدين. وكان البرنامج فرصةً كي "ينفّس" العرب عن غضبهم، فحقّق العلياني تواجداً عربياً بعض الشيء.
بعد ذلك، استطاع أن يجذب شريحةً من الجمهور اللبناني في برنامج "عيشوا معنا". لكن ذلك لم يستمر بعد انتقاله إلى قناة "روتانا خليجية"، وتقديمه برنامج "يا هلا"، وإنتقاله للعيش في دبي، وعودته لارتداء الزي السعودي. إذ أصبح مذيعاً محلياً بامتياز، وخرج من دائرة الانتشار العربي، وعاد إلى المحلية "الفضائية".

 

"في مرمى" بتال القوس
يعتبر تقديم البرامج الرياضية فرصةً جيدة للمذيع كي يبرز على الساحة الإعلامية العربية نظراً إلى كثرة عشاق الرياضة، وتحديداً كرة القدم. وسلّمت "قناة العربية" إدارة القسم الرياضي إلى المذيع السعودي بتال القوس الذي يحظى برنامجه "في المرمى" بشعبية كبيرة في الأوساط السعودية والخليجية. وعلى رغم حرفية بتال وشعبيته "سعودياً"، إلا أنه هو الآخر لم يستطع أن يحجز له مكاناً بين المذيعين الرياضيين في العالم العربي، وبقي معروفاً في السعودية والخليج، ولم يستطع أن ينافس مصطفى الأغا في "أم. بي. سي"، أو لطفي الزعبي في قناة "العربية"، أو أيمن جادة في قناة "الجزيرة". إذ يعتبر هؤلاء من نجوم الإعلام الرياضي في العالم العربي. ويعود السبب إلى أنّ برنامج القوس "في المرمى" يتناول الشأن الكروي السعودي فقط. لذلك، من البديهي أن يستقطب السعوديين فقط. أضف إلى ذلك أنّ مصطفى الآغا ولطفي الزعبي منحا قناتي "العربية "و"أم. بي. سي" نكهةً عائليةً للرياضة ممزوجةً بالتسلية. بينما اتبع بتال الأسلوب الرصين المتواجد في القنوات الأخرى، ومن الصعب أن يتم انتزاع إبتسامة صغيرة منه للمشاهدين. كما أنه لم يستطع أن يستثمر "المونديال" لينطلق عربياً عبر برنامجه "ملاعب جنوب إفريقيا" الذي كان يقدّم في وقت متأخر. وفي وقت استطاعت "الجزيرة" أن تسيطر على "الفضاء" خلال المونديال بضيوفها المتنوّعين، اكتفى القوس بثلاثة ضيوف خلال المونديال.



علي الظفيري خارج السرب

في وقت تحاول القنوات الفضائية السعودية إبراز العناصر السعودية فضائياً وعربياً، لم تستطع الخروج بالمذيع السعودي من دائرة المحلية. فيما يمكن اعتبار الإعلامي علي الظفيري من أبرز الأسماء السعودية المتواجدة على الساحة الإعلامية. وقد استطاع أن يحقّق نجاحاً عربياً أكثر من نجاحه "السعودي"، وان اتخذ لنفسه مكاناً بين الإعلاميين العرب كونه دخل في مجال الإعلام السياسي عبر قناة "الجزيرة" التي لا تزال حتى اليوم تحظى بنسبة مشاهدة عالية. أضف إلى ذلك أنّ الظفيري ظهر على "الجزيرة" كأول سعودي يطل عبر القناة القطرية . يومها، شكّل ظهوره حدثاً كبيراً، وخصوصاً أنّه يتمتع بـ "كاريزما" خاصة، وببراعةٍ في الحوار. فإذا به يخرج من سرب المذيعين السعوديين الذين يتوجهون إلى جمهور محلي، وخصوصاً في برنامجه "في العمق" الذي ناقش قضايا مثيرة للجدل سياسياً.
في المحصلة، تبقى تجربة المذيع السعودي "فضائياً" بحاجة إلى إعادة نظر من قبل القائمين على القنوات التي تحاول فقط "بثهم" سعودياً من دون أن يتاح لهم فرصة الإفادة من البث الفضائي، والتوجّه إلى الجمهور العربي من المحيط إلى الخليج.