يجيء صوتها متيقظاً وشاباً على الطرف الثاني في الهاتف، حتى أننا لنتساءل "عفواً هل هذه مضاوي الحسّون؟". فيأتي الرد بالإيجاب. ولكنك حين تقرأ السيرة الذاتية للحسّون تتوقع امرأة كبيرة في العمر بالنظر إلى إنجازاتها، لتفاجأ بأم وسيدة أعمال جميلة تتمتع بالذكاء والشباب بل والطموح لإنجازات مقبلة.


ليس ذلك مستغرباً إذا فكرنا بها كامرأةٍ سعودية انتزعت حريتها انتزاعاً في الوقت الذي كان فيه المجتمع السعودي قد بدأ للتو في تقبل تعلّم المرأة في الأساس. يوم كانت النظرة إلى المرأة العاملة "نظرة دونية، فلم تكن تعمل النساء في المملكة إلا إذا كن محتاجات مادياً. ولم يكن مطروحاَ أبداً أن تعمل المرأة من أجل تحقيق توازنات نفسية وكيان مستقل خارج حدود الأسرة والمنزل". كما تبين الحسّون. ربما لذلك أصرّت مضاوي على أن تتكلم في البداية عن أبيها. الذي لولاه لكانت الطريق أكثر مشقّة عليها ولتعثرت طموحاتها كثيراً.


والدي أعطانا بسخاء
لم يتلق والد مضاوي تعليمه أبداً، فقرر ذلك الرجل أن لا يحرم أبناءه وبناته من العلم، من دون أن يجد في نفسه سبباً يجعله يفّرق بين الذكور والإناث. على العكس فقد كان سنداً وداعماً لبناته، حتى أنه أرسل بمضاوي لتتم تعليمها في القاهرة ثم لتدرس علم النفس في أكسفورد وظل إلى جانبها يدفعها لإتمام دراساتها العليا في أميركا. "أعطانا والدي بسخاء ما كان قد حُرم منه". وهكذا نال أبناء هذه العائلة تعليماً عالياً ونوعياً ومن أهم الجامعات في العالم.


السعوديات والإصرار على التعلم
حين عادت مضاوي إلى الوطن، كانت الوحيدة في المملكة التي تخصصّت في "طرق التعلم الحديث" لم يكن هناك من فرص عمل للنساء سوى في سلك التعليم، فانخرطت الحسّون في العمل مدرسة لمدة ستة شهور، ثم تولّت إدارة إحدى المدارس فيها. تقول الحسّون "في المدرسة كانت الفتيات متزوجات وحوامل أيضاً ويثابرن على الحضور ويقدمن الامتحانات ويكن من المتفوقات أيضاً، وقد كانت هذه المسألة تؤثر بي كثيراً وتثير إعجابي بقوّة الفتيات السعوديات وإصرارهن على تلقي التعليم والحصول على الشهادة".

أول مديرة بنك نسائي
وبعد سنوات ظهر مجال جديد لأول مرة للنساء في السعودية، فقد كان ثمّة حاجة لتخصيص فروع للنساء في البنوك. وهكذا صارت مضاوي أول مديرة لفرع بنك نسائي في المملكة. وعن هذا تروي قائلةً "كنت أقوم بكل شيء وأنا أسعى للنجاح، فقد كان المجال جديداً على النساء والعيون تراقبنا وكأنّها تترقب فشلنا، وإذ فشلت سيكون ذلك انكساراً حقيقياً لكل النساء، وسيقال إننا كلنا قد فشلنا في مجالات هي حكرٌ على الرجال".


كانت هذه التجربة صعبة فعلاً على الحسّون، وكان عليها أن تثبت أنّها قادرة كإمرأة على تحسين إنتاجية العمل. فما كان منها إلا أن قامت بزيارة لجامعة الملك عبد العزيز وتعاقدت معهم على أن تصرف رواتب الفتيات فيها، وهكذا أصبح الفرع الذي كانت مضاوي مسؤولة عنه من أقوى الفروع التي شهدت إقبالاً عليها.


ولم تكتف بذلك بل أقامت ورشة تدريبية للموظفات معها على طريقة التعامل مع العميلات وتحسين أدائهن في العمل، مدفوعةّ برغبة في تطوير نفسها وتطوير جو العمل وكذلك النساء العاملات معها.


أعمال حرة لامرأة حرة

ولكن طموح الحسّون لم يتوقف عند إدراة البنوك، فهي لم تجد نفسها كموظفة بل أرادت أن تحقق ذاتها في العمل الحر، وأن تربط بين اهتماماتها وهواياتها وطبيعة عملها. ولمّا كانت تحب الأنتيكات والتحف قامت بفتح محل لبيعها وحصلت على وكالة Genevieve Lethu الفرنسية. ولاهتمامها الشخصي بأزياء الأطفال افتتحت أيضاً متجراً لملابس الأطفال. وكانت أول من نظّم عروض أزياء للأطفال في السعودية. وحول ذلك تبين "اعتقدت في داخلي أن عروض أزياء الأطفال تدعم شخصية الطفل نفسه، الذي سيتربى على مجابهة الناس ومقابلة الجمهور بلا حرج". ثم افتتحت أيضاً صالونها الخاص للتجميل والذي حصلت من خلاله على وكالات علامات تجارية معروفة، وهكذا تعددت أنشطتها لتضيف إليها معرضاً للمفروشات.


ضياع الهوية والكيان والعنوان
بهذا الجهد وتراكم السنوات سعت أربعة سيدات أعمال إلى جانب الحسون إلى وضع دعائم مقر لسيدات العمال من خلال متطلبات كتبنها في ورقة بعنوان "ضياع الهوية والكيان والعنوان" قدمنها للراحل سمو الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز الذي كان له دور فاعل في تمكين وجود المرأة في هذا الموقع، وذلك عندما دفع بقيام مركز سيدات الأعمال. و بعد اجتماعه بهنّ قال لهنّ «اضبطن ساعاتكن، فمن اللحظة سينطلق عمل جديد للمرأة السعودية». وبالفعل، من بعد ذلك أصبح صوت سيدات الأعمال مسموعا، بل وأصبحن قريبات من الأحداث والفرص العالمية. تقول مضاوي "عملت انقلاباً" في الغرفة التجارية السعودية، فكانت أول سعودية تعلن ترشحها لمجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة في جدة، الأمر الذي تعده قد فتح لها أبوابا واسعة، وقربها من أصحاب القرار لتنتصر لوجهة نظر المرأة السعودية، وجعلها تضطلع بكل المستجدات الدولية في مختلف القطاعات.


جوائز وتكريم
حصلت الحسّون على جوائز عديدة وقدرت إنجازاتها في أكثر من محفل. فقد كرمت في العام 2008 من قبل الرئيس الأميركي جورج بوش كامرأة من رائدات العمل في المملكة العربية السعودية. وكذلك كرمت في دبي وحصلت على جائزة ويلفير سنة 2007. والكثير أيضاً من التكريمات والمشاركة في وفود لمؤتمرات دولية، حيث كانت الحسّون تمثل بها بلدها في المحافل العالمية.

 

الزوجة والأم والمرأة
كل هذه النجاحات هي جزء من نجاح الحسّون في حياتها العائلية، وهنا تتوقف كثيراً معبرة عن امتنانها لزوجها شريكاً أعطاها مساحتها الحقيقية وترك لها كامل الحرية في اختيار طريقة حياتها، وهي كذلك أم لشاب تخرج من جامعة بوسطن والتحق للعمل في أحد البنوك. وابنة تتم الآن دراساتها العليا في باريس متخصصة في الاتصال العالمي.
ولا تنس الحسّون المرأة في داخلها، فممارسة الرياضة أمر يومي مقدس. حيث تقضي أول ساعات يومها مع شريك حياتها في صالة الرياضة التي أسساها في المنزل.
وعن المرأة العربية تقول الحسّون إنها مبدعة ما لم توضع في وجهها العراقيل وتعاني من مقاومة المجتمع لها. وتضيف المرأة ذات الأحلام المقهور هي أم محطمة ومقهورة وحاقدة على كل ما يحيط بها بسبب خسارة كيانها. ونحن لا نريد مثل هذه الأم لعالمنا.