الوجه البريء، الشقاوة، وحسن الجميلات، الثياب التي تجعلها تبدو طفلة بثياب امرأة، والأغرب هو الرصانة التي تحلت بها رغم كل هذه الحالة الطفولية التي جسدّتها واحدة من أهمّ النساء التي مرّت في تاريخ السينما المصريّة..فاتن حمامة.
كنت أشعر بسعادة غامرة وزهوٍ غامض كلما عرض فيلم "موعد غرامي" لسبب واحد فقط، أن فاتن حمامة اسمها نوال في الفيلم. كان ذلك سبباً كافيا لتبادل الحديث عنها مع الفتيات لأجد أن كلهنّ يحاولن تقليد حركاتها، رغم أنّها تنتمي لجيل مختلف تماماً، فقد ظلت هذه الفاتن تؤثر في الأجيال المتلاحقة، وقلّة هنّ من فعلن ذلك.


في حي عابدين
هي فاتن أحمد حمامة ابنة حي عابدين في القاهرة التي ولدت سنة 1931 لعائلة تتكون منها وأشقائها منير وليلى ومظهر. كانت فاتن المدلّلة لدى والدها الأفندي الموظف في وزارة التربية والتعليم، الذي كان حماسه لها سبباً في مشاركتها في أول فيلم وهي طفلة لم تتجاوز الست سنوات.
والقصة كما ترويها فاتن في إحدى مقابلاتها كالتالي، فقد قرأ أحمد أفندي عن مسابقة أجمل طفلة في مصر. فأسرع واشترى فستاناً جميلاً لفاتن واصطحبها للمصور ليلتقط لها أجمل الصور ويرسلها إلى المسابقة. وفعلاً فازت الطفلة بالمسابقة لتجلب الفرح والسعادة إلى قلب والدها الذي كان ولأسباب غامضة يصر على القول دائماً أن هذه الصغيرة ستكون صاحبة شأن عظيم.
إحضر ومعك الطفلة
كان المخرج محمد كريم قد أعلن أنّه يبحث عن طفلة تشارك الموسيقار محمد عبدالوهاب التمثيل في فيلم "يوم سعيد"، وكالعادة كان أحمد أفندي مرة أخرى من المتحمسين لصغيرته، فأرسل صورتها وهي ترتدي زي ممرضة إلى كريم. الذي أرسل له بدوره رداً "إحضر ومعك الطفلة".
وفي استوديو التصوير طلب منها كريم وعبدالوهاب أن تلقي أنشودة أمامهم، لم تكن هذه الصغيرة لتتوقف أبداً فقد استمرت في الغناء حتى ألقت عشرة أناشيد جعلت محبتها تقع في قلب الجميع، حتى أن المخرج أصرّ على زيادة عدد المشاهد حتى تظهر حمامة بشكل أكبر. وبدلاً من أن يكون أجرها جنيه واحد كما كان مقرراً، أصبح عشرة جنيهات وكانت فاتن تتلقى طيلة التصوير الشوكلاتة والألعاب. كما وقع كريم مع والدها عقداً للتمثل في أعماله القادمة. وهكذا شاركت في "رصاصة في القلب" مع عبد الوهاب أيضاً. وفي "دنيا" أيضاً. وهكذا غيرت العائلة مسار حياتها كاملاً من أجل فاتن فنقل الأب عمله إلى القاهرة بعد أن كان في المنصورة، كي تلتحق بمعهد التمثيل سنة 1946.


كيف صارت "الغاء" راء
كبرت فاتن وتدربت في المعهد وهي تتلقى معاملة خاصة بعد أن ظهرت في أفلام يوسف وهبي "ملاك الرحمة" و "القناع الأحمر" وكتبت الصحافة عن هذه النجمة الصاعدة والموهوبة. وفي معهد التمثيل الذي افتتحه زكي طليمات ودربها بنفسه على التخلص من لدغتها في حرف الراء، إذ كانت تلفظها غيناً.
500 صورة و3000 عريس ولا وقت للحب
وبعد أن ذاع صيتها وأصبحت تظهر هذه الشابة بكامل أناقتها وجمالها انهالت عليها عروض الزواح، ومع كل رسالة من معجب يصلها عرضاً بالزواج حتى وصل عدد العرسان في سنة 1947 إلى 3000 عريس. فقام والدها شريك خطواتها الحقيقي باصطحابها للمصور، حيث التقط لها 500 صورة قائلاً: أرسلي لمعجبيك بعض الصور ولا تهملي رسائلهم.
وهكذا ظلت فاتن بين والدها وأمها وكأنها في حصن من الحب، وكلما أحبها أحدهم هرعت إليهما خائفة مرتبكة. خاصة بعد أن حذرتها والدتها من الوقوع في حبائل الشبان وساهمت في أن تخنق فاتن مشاعر حبها الأول نحو أحد الضباط خوفاً من أن يفسد ذلك حياتها.
ومع بداية الخمسينات، بدأت السينما المصريّة تتألق وتأخذ مكانتها الذهبية في السينما العربية والعالمية، ومن حسن حظ فاتن أنّها عاصرت هذا الزمن، فما أن ظهرت كممثلة ثانوية في أكثر من فيلم، استحقت بحضورها الجميل دور البطولة في فيلم "لك يوم يا ظالم" للمخرج صلاح أبو سيف. الذي عرض في مهرجان كان السينمائي. وتألقت في فيلم "صراع في الوادي" حيث شاركت في البطولة النجم عمر الشريف. وفي العام 1963 حصلت على جائزة أحسن ممثلة في الفيلم السياسي "لا وقت للحب".


الأستاذ والتلميذة
ومع كل هذا الكم من عروض الزواج، اختارت فاتن أن تتزوج المخرج عزت ذو الفقار. الذي التقته وهي تتردد مع والدها إلى نادي "بيت الفن" وهناك تلقت عرضاً بالعمل في فيلم "خلود". وبعد الانتهاء من الفيلم الذي يبدو أن قصة حب كانت تحيك خيوطها أثناء تصويره، ارتبط الاثنان بخطوبة حتى تنهي النجمة التي صارت بعد هذا الفيلم من نجمات الصف الأول دراستها. ولكن الحب قاد الاثنين إلى المأذون فعادا إلى الأهل متزوجين من دون أي ضجيج. ولكن الانفصال وقع بين حمامة وذو الفقار، بعد أن اكتشفت كما تقول في مقابلة مع مجلة "الجزيرة" أنها لم تكن تحبه، بل كانت علاقتها به علاقة انبهار التلميذة بالأستاذ.
الشريف وحمامة وغيرة الحب
منذ لقائها به أول مرة "تسمّرت" في مكانها، كان ممثلاُ مبتدئاً وهي قد أصبحت نجمة، رغم ذلك لم تتردد في أن يقف أمامها في فيلمها "صراع في الوادي" وبانتهاء الفيلم شعر الاثنان بانجذاب شديد نحو بعضهما، ولم يكن ذلك مجرد شعور عابر بل حباً جعلهما أشهر زوجين من النجوم في عالم السينما، مما جعل حياتها عرضة للشائعات والملاحقة من الصحافيين. ولا تنكر فاتن أيضاً غيرتها الشديدة عليه. مثّل الاثنان معاً في "أيامنا الحلوة" وطبعا شارك في هذا الفيلم عبد الحليم حافظ، و "سيدة القصر" و "صراع في الميناء" و "لا أنام". ومن الشريف أنجبت ابنها طارق. وكما بات معروفاً، فشل الاثنان في الاستمرار بزيجتهما، وحدث الانفصال.
قابلت فاتن الطبيب محمد عبد الوهاب محمود رئيس قسم الأشعة بكلية طب قصر العيني. وهو شريك حياتها حتى الآن ومنه أنجبت ابنتها نادية.


جمعية مقاطعة أفلام فاتن حمامة
بعد زواج فاتن من عمر الشريف، جن جنون معجبيها من الشبان الذين كانوا عشاقاً لها. هذا الإعجاب الذي تحوّل إلى تعلق كبير أثار غيرة الكثيرين وغضبهم. فقاموا بإنشاء جمعية اسمها "جمعية مقاطعة أفلام فاتن حمامة".
فيلم يغيّر القانون
بعد أن قدّمت حمامة فيلمها "أريد حلاً"، أثارت الصحافة ووسائل الإعلام قضية قانون حق الخلع، وساعد حضور هذا الفيلم وقوته ورد الفعل الذي أحدثه في إقرار القانون بعد مرور نحو 14 عاماً على تقديمه. بعد ذلك قدمت "لا عزاء للسيدات" و "أفواه وأرانب" الذي قدمت فيه قضايا اجتماعية حساسة لم تكن السينما قد تطرقت لها كثيراً.


سيدة وتكريم
سيدة الشاشة العربية هو لقبها، عاصرت العقود الطويلة من تاريخ السينما المصريّة. كرمّت في أكثر من مناسبة وتسّلمت جائزة الدكتوراة الفخرية من الجامعة الأميركية بالقاهرة. وفي عام 2000 منحت جائزة نجمة القرن من قبل منظمة الكتاب والنقاد المصريين، كما منحت وسام الأرز من لبنان ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب والجائزة الأولى للمرأة العربية عام 2001. وحصلت على الكثير من ميداليات الشرف من جمال عبدالناصر وأنور السادات ورفيق الحريري و إميل لحود والملك حسن الثاني.
أبله حكمت لها وجه القمر
بعد أن قدمت فاتن حمامة "ضمير أبله حكمت" سنة 1991، ولعبت فيه دور ناظرة المدرسة أمام النجم وصديقها أحمد مظهر، أطلّت النجمة المحبوبة في العام 2000 بوجهها القمر في مسلسل عرض على أكثر من 30 محطة عربية وكان بعنوان "وجه القمر" وقد صاحب عودتها للعمل الفني بعد غياب طويل ضجة إعلامية واختير المسلسل كأفضل مسلسل عربي عرض في ذلك الوقت.


تواضع وحتى لو دور صغير
وفي عام 2007، اختارت لجنة السينما للمجلس الأعلى للثقافة في القاهرة ثمانية من الأفلام التي ظهرت فيها فاتن حمامة فيها ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
ولدى سؤالها من قبل مجلة "الجزيرة" إن كانت ستعود إلى التمثيل، لم تتردد هذه المرأة صاحبة التاريخ الطويل في القول "أعود في دور مكتوب بطريقة جميلة حتى لو كان دوراً صغيراً".