اعتادت المرأة الخليجية أن تفرك جسدها بعد الاستحمام بالمسك وعطر الورد والزعفران. بينما تنحني لتعطير شعرها على المبخرة التي يتصاعد منها مزيج البخور المكون من خشب الجوز والعنبر أو الياسمين. العنق له رائحة النرجس أو العنبر، والصندل تحت الأبطين. أما الأذنين فتعطرهما بالمخمرية.

كانت القوافل المحملّة بالبخور تسير وتعطر طريقها إلى العالم، كأنّها العروس العربية التي تتهادى بعد أن دهنت جسدها الندي، وقد استحمت وتركت مساماتها ترتوي بالدخون وزيوت الورد المقطرة والبخور المختلف ألوانه وأشكاله.
ما أشبه طريق البخور بطريق العرس العربي الذي لا تكتمل أبهته بلا مباخر تسبق المحتقلين وتملأ سماء البهجة برائحة العود والند. وربما كان طريق البخور المعروف في التاريخ، سبب تعلق أهل الخليج العربي به وانتشاره كطقس أصيل بينهم.
يعود تاريخ طريق البخور إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد كان يبدأ من جنوب اليمن، حيث برع أهل حضرموت في استخدامه في الهياكل والمعابد. فأقبل التجار على هذه المنطقة يشترون البخور والعطور ويحملونها في قوافلهم إلى الجزيرة العربية.
ولأن تلك الزيوت المقطرة والعطور نافست في قيمتها الذهب. فقد كانت هذه البضاعة الثمينة محظية لدى الملوك والأثرياء وبها يقايضون لشراء الأرض والجواري والعبيد، وساهم ازدهار طريق تجارة البخور في تكون الممالك والحضارات التي استفادت من عبور القوافل مثل معن وسبأ وحمير.

المرأة والتفاصيل الصغيرة المعطرة

بائع البخور في إحدى المحلات الشهيرة يعزو غلاء البخور والعطور العربية إلى صعوبة الحصول عليها. ومن أشهر أنواع البخور وأثمنها خشب الأرز وخشب الصندل، والأوراق كالغرنوق والخزامى، ومن الجذور كالزنجبيل، إضافة إلى غزال المسك وحوت العنبر.
ووللمرأة الخليجية على وجه الخصوص علاقة خاصة جداً بالبخور، أكثر تطلباً وتعقيداً من الرجال، إذ تخصص المرأة لكل منطقة من جسدها رائحتها في طقوس رائعة تعبر عن تقدير المرأة لجسدها واهتمامها بتعطيره ومعرفتها بأنواع العطور المختلفة.
في الإمارات العربية مثلاً، اعتادت المرأة أن تفرك جسدها بعد الاستحمام بالمسك وعطر الورد والزعفران. بينما تنحني لتعطير شعرها على المبخرة التي يتصاعد منها مزيج البخور المكون من خشب الجوز والعنبر أو الياسمين المختلط بزيت السمسم. العنق له رائحة النرجس أو العنبر، والصندل تحت الأبطين. أما الأذنين فتعطرهما بالمخمرية. وحتى تلك لمنطقة تحت الأنف تدهنها المرأة بالعود، فلا تشم إلا عبقاً عطراً.


المخمرية والورس

وللمخمرية طقس خاص لصناعتها، ومكونات ثمينة بمقادير دقيقة ذات رائحة باهظة الفتنة. كما أن لها وعاء زجاجي خاص ذو غطاء محكم. وتقوم النساء وخاصة في الأعياد بالتعطر بالخمرية ويبخرن ثيابهن، وخاصة العباءة والشيلة (غطاء الرأس).
ولصنع المخمرية، تقول فاطمة (59 عاماً) إحدى السيدات التي قابلناها في إحدى أسواق أبو ظبي، تخلط 3 أعواد مطحونة من العود مع فنجان وربع من المسك
وملعقة زعفران وأخرى من دهن العود وثالثة من العنبر مع ربع ملعقة من زيت الورد الطائفي. ويوضع هذا المزيج في الوعاء الزجاجي ولا يفتح إلا بعد أربعين يوماً.
الشابات الإمارتيات أيضاً لا زلن يتمسكن بالبخور، رغم استعمال العطور الفاخرة. تقول ريم عن ذكريات عرسها " يحتفى بالعروس ففيحتفى بها بشكل خاص، وقبل دخول عريسها يبخر بيتها وغرفتها، ويبخر جسمها بأنواع العطورات ومن أشهرها الرشوش وهو عبارة عن خلطات عطرية ذات رائحة فواحة يفضلها العريس ولاتتوفر للفتاة إلا ليلة عرسها. وتتوقف العروس على المبخرة ليحتفظ جسمها بالرئحة الزكية". وتختلف طقوس الاحتفاء بالعرس من دولة عربية إلى أخرى. في عُمان مثلا تجلب امرأة متخصصة بخلطات البخور والعطور لتصنع ما يسمى بالجلو وهو أعشاب طبيعية تخلط مع الصندل واللوز وتترك في زجاجة لحين موعد العرس الذي تبدأ العروس قبل أسبوع منه بدهن جسمها بهذا العطر المصنوع خصيصاً لها وتظل جالسة في غرفة خاصة لا تغادرها ولا يرى وجهها أحد حتى ليلة عرسها.
وهناك من يضيف المسك وجوزة الطيب إلى "الزعفران" الذي يستخدم كبودرة وتدهن به الجبهة . أما "الورس" فمعروف في بلاد الخليج وهو نوع من ورق الشجر المطحون تخضب به العروس جسمها كله ولا تزيله إلا بعد أربعة أو خمسة أيام ، ليضفي على جسمها لوناً أبيض ورائحة طيبة.

مابعد العود قعود

وفي بيوت العرب حيث تقام الولائم والدعوات الكبيرة، وبعد أن ترفع الموائد وتدار القهوة، يفهم الضيوف أن الزيارة انتهت ما أن يحمل صاحب الدعوة صندوقاً خشبياً يحتوي على الأقل أربعة أنواع مختلفة من العطور، يدور بها على الضيوف ويرشهم بالطيب الذي يختارونه، ثم يأتي بالمبخرة ويطاف بها على الحضور الذين يستنشقون رائحتها الزكية، ثم يتوقفون واحدا تلو الآخر يودعون مضيفهم ويلقون السلام مغادرين معطرين منزل المضيف. وفي هذا الطقس دلالة جميلة فالضيوف الذين دخلوا البيت معطرين بأثمن مالديهم تعبيراً عن احترامهم لمن دعاهم، يخرجون وقد اكتسبوا رائحة بيت الداعي تتضوع منهم رائحة جميلة واحدة، علامة على المحبة والتكافوء والانسجام الاجتماعي.
من أطرف ما يروى عن تقاليد استعمال البخور، أنه إذا ضاق صاحب البيت بزواره بعد أن طالت فترة زيارتهم أو مل حديثهم، فإنه يهرع إلى المبخرة، يشعل فيها المسك ويطوف عليهم متمتماً " ختامها مسك "، فينهض الضيوف للانصراف، والقول الشائع بينهم هو "ما بعد العود قعود".
كان البخور ومازال علامة لبيوت العرب، ورائحة ترافق مناسباتهم. ولازال أيضاً حميماً وقريباً من امرأة الخليج التي تتمسك به كواحدة من أجمل العادات والتقاليد الشعبية التي تضفي البهجة والجمال.