يرى الدكتور أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، أن الضغوط الاقتصادية تدفع الكثير من الدول إلى الإقدام على تخفيف الإجراءات الوقائية والعودة للحياة الطبيعية، مشيراً إلى الدور المهم للأفراد في حماية أنفسهم والحفاظ على سلامتهم، وكشف خلال حواره مع «زهرة الخليج» عن أن المنظمة تلقت 140 لقاحاً مقترحاً، دخل الكثير منها مرحلة التجارب ما قبل السريرية، بينما دخلت 10 لقاحات بالفعل مرحلة التجارب السريرية.

* كيف ترى ما يحدث من عودة تدريجية للحياة في دول العالم، وما يجب على الشخص فعله صحياً واجتماعياً في موازنة ذلك؟

- نحن نقدر الضغوط الاقتصادية الواقعة على البلدان وعلى الأفراد، والكلفة الهائلة لتوقف الأعمال وحركة التنقل والسفر والتجارة علاوة على التكاليف الباهظة للاستجابة للجائحة، وهذه الضغوط تدفع الكثير من الدول إلى الإقدام على تخفيف الإجراءات المتعلقة بتقييد الحركة، وفتح المؤسسات التي طبق عليها الإغلاق ورفع الحظر على السفر. لكن مع كل ذلك يجب أن تؤخذ هذه العودة بحذر شديد، وأن تتم بعد إجراء تقييم للمخاطر الحالية والمتوقعة من قرارات تخفيف الإجراءات ورفع القيود وموازنتها بالفوائد المتوقعة اقتصادياً.

* هل من نصيحة أو إرشادات تقدمونها في هذه الحالة؟

- التأكد من السيطرة على انتشار المرض، وتعزيز قدرة الأنظمة الصحية على اكتشاف وعزل كل الحالات المصابة ومتابعة المخالطين، التأكد من قدرة كل دولة على منع ورود حالات جديدة وافدة إليها، إضافة إلى تطبيق معايير مكافحة العدوى بأماكن العمل، والمشاركة المجتمعية والوعي المجتمعي لضمان استمرار تنفيذ التوصيات الأساسية، كالتباعد البدني والنظافة الشخصية وآداب السعال والعطس. لأن تخفيف الإجراءات المفروضة من قبل السلطات يعني أن الجانب الأكبر من المسؤولية ينتقل إلى الأفراد الذين يتعين عليهم مواصلة التعامل بكل جدية وحرص مع الجائحة، والالتزام بتنفيذ تدابير الوقاية الصحية التي تحول دون تعرضهم للإصابة. لقد قلنا منذ البداية إننا نعول كثيراً على دور الفرد في حماية نفسه ومن حوله، والآن نؤكد أن هذا الدور أصبح أكثر أهمية وامتد لحماية المجتمع ككل.

موجة ثانية

* بماذا ترد على مخاوف البعض من موجة ثانية للجائحة والتخوف منها؟

- نشأت المخاوف من ارتداد موجة ثانية أشد ضراوة، من انتشار الدعوة للتعايش مع الفيروس ورفع الحظر وتخفيف القيود المفروضة حالياً. على أساس أن هذا التخفيف إذا تم بصورة متعجلة ومن دون اتخاذ الاستعدادات والإجراءات التي أشرت إليها، سيؤدي إلى انتكاس الجهود الرامية لوقف سلاسل انتقال العدوى، ومن ثم انتشار الفيروس أسرع مما سبق وعلى نطاق أوسع.

ولكن يجب ملاحظة أن العالم لا يزال يواجه الموجة الأولى من الجائحة والتي لم تنحسر بعد. صحيح أن أعداد الإصابات تقلصت في بعض البلدان لكن الغالبية من البلدان والمناطق لا تزال تشهد صعوداً في المنحنى الوبائي.

وعلينا الحذر، فالعالم لا يزال يصارع من أجل احتواء الموجة الحالية من الجائحة. ولم يتحدد بعد متى تنحسر هذه الموجة وبالتالي فإن ارتداد موجة أخرى، أشد ضراوة سيضع ضغوطاً هائلة على كاهل النظم الصحية في معظم بلدان العالم، إضافة إلى الأعباء والضغوط الاقتصادية وتأثر مناحي التجارة وارتفاع أعداد المصابين وحالات الوفاة.

* يتهم البعض منظمة الصحة العالمية بالتقصير في إعلان الوباء، مما أدى إلى انتشار الفيروس، ما تعليقك؟

- أؤكد مجدداً أن منظمة الصحة العالمية لم تقصر في إعلان الجائحة ولم تتأخر في تحذير العالم والدول الأعضاء منها. على العكس، لقد اتسمت استجابة منظمة الصحة العالمية لجائحة «كوفيد 19» بالسرعة والشمول منذ البداية وإلى الآن. وكما هو مثبت ومعلوم فقد تحركت المنظمة منذ اللحظات الأولى لظهور فيروس كورونا المستجد في الصين، واتخذت وضعية أعلى درجات الاستجابة. وفي خلال أيام قليلة من ظهور الفيروس وقبل انتشاره خارج الصين أعلنته بوصفه طارئة للصحة العامة تثير قلقاً دولياً. وفور أن توافرت الاشتراطات والبيانات العلمية، أعلنت المنظمة أن الفيروس ومرض «كوفيد 19» الناجم عنه جائحة عالمية.

* هل لك أن تشرح لنا دور منظمة الصحة العالمية ومهامها؟

- يمكن تلخيص دور المنظمة ومهامها بالتالي: تنسيق الاستجابة العالمية، من خلال المكاتب القُطرية والإقليمية والمقر الرئيسي للمنظمة، الوصول إلى فهم أفضل للمرض عبر التحليل المستمر والدائب للبيانات، والعمل عن كثب مع خبراء عالميين لفهم انتقال الفيروس ووبائياته والسمات السريرية للفيروس بشكل أفضل. وطورت منظمة الصحة العالمية بروتوكولات بحث يتم استخدامها في حوالي 60 دولة، بطريقة منسقة. إضافة إلى تقديم المشورة المحدثة إلى البلدان بشأن الاستعدادات الحرجة والتأهب وإجراءات الاستجابة لـ«كوفيد 19» والترصد والتقصي، وإلى الأفراد حول كيفية حماية أنفسهم والآخرين. كذلك، أصدرت المنظمة  أكثر من 100 وثيقة توجيه تقني وإرشادات تغطي كل مجالات الاستجابة، قمنا بتحديثها وتكييفها لجعلها قابلة للتطبيق في السياق المحلي. وتتولى المنظمة أيضاً إبقاء البلدان وعامة الناس على علم واطلاع من خلال جلسات إحاطة أسبوعية للبلدان. كما تم إطلاق منصة شركاء «كوفيد 19» لتمكين البلدان والشركاء من تبادل المعلومات حول الأنشطة المخطط لها وتنفيذ خطط التأهب والاستجابة القطرية وتزويدها بالموارد. فضلاً عن إطلاع الجمهور من خلال تقارير الحالة اليومية ولوحات المعلومات التي تعرض البيانات في حينها ومواد التوعية بمختلف قوالبها وعبر منصات التواصل الاجتماعي. والتنسيق مع الشبكات العلمية، وإيفاد أكثر من 70 خبيراً من المؤسسات الشريكة والشبكات التقنية لدعم البلدان عبر شبكة الإنذار والاستجابة العالمية (GOARN) ودعم البلدان في تطوير ممارسات إدارة مخاطر الكوارث، من خلال ندوات منتظمة عبر الإنترنت حول استخدام استراتيجيات الحد من مخاطر الكوارث.

* جرى الحديث عن علاجات مختلفة، أين نحن الآن من جهود الوصول لعلاج جذري ولقاح، وماذا يحول دون إيجاد مثل هذا اللقاح؟

- لا شيء يحول دون الوصول للقاح أو علاج لـ«كوفيد 19»، سوى الوقت الذي يجب أن تستغرقه عملية تطوير لقاح أو علاج آمن وسليم وفعال. وقد نجحنا في تقليص المدة الزمنية والوقت الذي تستغرقه هذه العملية المطولة من عدة سنوات، إلى عام أو أكثر قليلاً مر منه بضعة أشهر. ونحن الآن في مرحلة جيدة من جهود التوصل للقاح. فقد تلقت المنظمة، بوصفها منسق الجهود العالمية في هذا الشأن، 140 لقاحاً مقترحاً، دخل الكثير منها مرحلة التجارب ما قبل السريرية، بينما دخلت 10 لقاحات بالفعل مرحلة التجارب السريرية. ولكي نسرع بوتيرة العمل، أنشأت المنظمة وشركاؤها تجارب التضامن المعنية باللقاحات، ومن خلال هذه التجارب يشارك عشرات البلدان في التجارب بصورة متزامنة ومن ثم تتقلص المدة المطلوبة لهذه المرحلة. والمنظمة ملتزمة بتأمين وصول العلاجات واللقاحات للبلدان والشعوب بعدالة وإنصاف فور الانتهاء من تطويرها. وبالمثل أنشأت المنظمة وشركاؤها تجارب التضامن للإسراع بعملية التوصل لعلاج لـ«كوفيد 19»، تتضمن اختبار فعالية 4 أدوية تستخدمها البلدان حالياً كعلاجات مخففة للأعراض. ولم تعتمد المنظمة بعد أي من هذه الأدوية إلى حين انتهاء التجارب السريرية التي تهدف للتسريع بوتيرة اختبار العلاجات المتاحة والوصول إلى علاج فعال.

إجراءات الإمارات

* ما رأيك في الإجراءات الوقائية التي اتخذتها دولة الإمارات للاستجابة  لـ«كوفيد 19»؟

- النظام الصحي في الإمارات متقدم وقوي ويمتلك المقومات التي تمكنه من تقديم خدمات رعاية صحية عالية الجودة،  وخصوصاً الكوادر الطبية المؤهلة والمدربة وأحدث التجهيزات اللازمة للاستجابة لفيروس كورونا. ونحن نتابع عن قرب للإطلاع على درجة جاهزية القطاع الصحي، من حيث القدرة على رصد الحالات عند نقاط الدخول واكتشافها وتوفر أماكن العزل والحجر الصحي الملائمة وبروتوكولات العلاج المناسب للحالات، وكذلك التتبع النشط للمخالطين، وأيضاً من حيث التعامل مع تعزيز التوعية بين أفراد المجتمع بسبل الوقاية. ونتابع بالتقدير دور القيادات الصحية في الإمارات والتي تقود الجهود المبذولة وتعمل بشفافية وتركز على إشراك المجتمع. ونحن نتواصل مع معالي وزير الصحة كما يتواصل خبراء المكتب الإقليمي مع نظرائهم في القطاع الصحي لتنسيق الاستجابة والتشاور حول أفضل السبل للتعامل مع هذه الجائحة وكيفية تطبيق توصيات منظمة الصحة العالمية للسيطرة عليها واحتوائها ووقف انتشار الفيروس. وأود أن أنوه بالدور الإيجابي والفعال لمدينة دبي للمساعدات الإنسانية والتي تضم مستودعات المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، وتيسر علينا عمليات إرسال الشحنات العاجلة من التجهيزات والمواد الطبية الإمدادات والعتاد إلى شتى بقاع العالم.

* كيف تقيمون الوعي الصحي لدى الأفراد في المنطقة، وما الرسالة التي توجهونها لهم؟

- نحن نعول على المشاركة المجتمعية في جهود الاستجابة ويتطلب ذلك الاستثمار في جهود التوعية وإطلاع الأفراد على مجريات الأمور وعلى الدور المتوقع من كل منهم لحماية أنفسهم والآخرين والمجتمعات بأسرها. ونصيحتي لكل فرد في الإقليم هي الحرص على معرفة المعلومات الصحيحة من مصادرها الموثوق بها، والالتزام بتنفيذ التدابير الوقائية التي سبق ذكرها، والالتزام بما تتخذه السلطات المحلية من قرارات وإجراءات احترازية وإظهار روح التعاون والتضامن والتكافل بين أفراد المجتمع الواحد ونبذ الفرقة والوصم والتمييز ضد المصابين وذويهم وتقدير الجهد الذي يبذله العاملون الصحيون.

* ما الذي يمكن فعله لتفادي تكرار وباء جديد على الصعيد العالمي في المستقبل؟

- قد لا يكون بمقدور الدول والمنظمات منع ظهور الأوبئة، لكن بمقدور كل بلد أن تحسن من درجة تأهبها واستعدادها، وأن تستثمر في استراتيجيات الاستجابة وتقوية نظم الترصد والاكتشاف وقدراتها المختبرية وكوادرها الصحية وبنيتها الأساسية. فقد أثبتت جهود التأهب والاستعداد والتخطيط واستكمال قدرات الاستجابة، وفقاً للوائح الصحية الدولية أنها النهج الأكثر أهمية في التعامل مع أي وباء أو جائحة.