حين نقول نزار قباني تقف دمشق المدينة المحملة بعبق التاريخ وتحضر حكاية الشاعر الذي جمع في سيرة حياته الرومانسية والتراجيديا والسياسة، الشاعر الذي تغنى بأشعاره أهم المغنين ووصل إلى كل بيت عربي.

في 21 مارس 1923 ولد نزار في عائلة دمشقية عريقة ونشأ في بيت دمشقي تفوح منه رائحة الحب والياسمين، قال عن بيته:

"هل تعرفون معنى أن يسكن الإنسان في قارورة عطر؟ بيتنا كان تلك القارورة

إنني لا أحاول رشوتكم بتشبيه بليغ، ولكن ثقوا بأنني بهذا التشبيه لا أظلم قارورة العطر وإنما أظلم دارنا".

كان والده زعيماً وطنياً وصاحب معمل سكاكر وتأثر نزار بجده أبي خليل القباني أحد أهم أعمدة المسرح والثقافة العربية، بدأ حياته بالفن إذ كان عاشقاً للرسم ويعيش في بحر من الألوان وحين أدرك أنه لن يكون رساماً عبقرياً انصرف إلى الموسيقى لكنه لم يستسغ طريقة تعلم النوتة التي تشبه الرياضيات التي لا يحبها.

في عمر الـ16 عاماً كتب أول بيت شعري أثناء رحلة مدرسية بحرية إلى روما، لم يكمل العشرين إلا وأصدر ديوانه الأول "قالت لي السمراء" خلال دراسته الحقوق بجامعة دمشق فتفرغ لهذه الموهبة ومنحها ذاته.

عام 1945 حصل على شهادة الحقوق وأصدر في العام نفسه ديوانه الشعري "طفولة نهد”.

لقب  بشاعر الحرية والحب والمرأة وأيضاً "الدبلوماسي" إذ التحق بوزارة الخارجية السورية وعين في سفارتها بالقاهرة فكانت فرصة له كي يقدم ديوانه لمجموعة من كبار المفكرين والنقاد فشهدت مصر ميلاد أحد أهم شعراء العصر الحديث.

لم تكن حياة نزار قباني الوظيفية مستقرة حيث انتقل بين عدة عواصم وعمل فيها سفيراً لسوريا ومنها لندن وأنقرة وبكين ومدريد.

20 عاماً بقي نزار يمارس عمله الدبلوماسي وفي 1966 أعلن عن تفرغه للشعر واستقر في بيروت وأسس دار نشر تحمل اسم "منشورات نزار قباني".

أشعاره

يعتبر قباني من مجددي الشعر الحديث، هذا الشاعر الذي شد إليه الأسماع والقلوب، منذ قصائده الأولى ابتكر كتابة خاصة وقاموساً يجمع الفصيح والدارج القديم والحديث معاً،

إنه قمر الشام فكل شعره دمشق المدينة التي كتب عنها وعن بيوتها ونسائها بدءاً من الأم مروراً بالأخت والحبيبة. انتصر نزار للمرأة لتحقيق ذاتها وأنوثتها وكتب عنها بلسانها وكان لانتحار شقيقته التي أجبرت على الزواج من رجل لم تحبه أثر كبير في حياته فقرر محاربة كل الأشياء التي سببت موتها.

أصدر 36 ديوناً شعرياً وقد أثارت قصيدته "خبز وحشيش وقمر" رجال الدين في سوريا ضده وطالبوا بطرده من السلك الدبلوماسي فكان أول شاعر تناقش قصائده في البرلمان السوري.

غنى أشعاره أهم المطربين ومنهم عبد الحليم حافظ بقصيدتي "رسالة من  تحت الماء" و"قارئة الفنجان" كما غنت له أم كلثوم قصيدة "أصبح عندي الآن بندقية" وغنت نجاة الصغيرة "أيظن" وفايزة أحمد وفيروز وماجدة الرومي وأصالة وغيرهم.

وأصبح كاظم الساهر قيصر الغناء بفضل قصائد قباني "مدرسة الحب، قولي أحبك، إني خيرتك فاختاري، حافية القدمين، إلى تلميذة، أحبيني بلا عقد”.

ولأنه شاعر عربي ودمشقي فقد سمي أحد أهم الشوارع في دمشق على اسمه، وهو ما جعله يقول: "هذا الشارع الذي أهدته دمشق إليّ، هو هدية العمر، وهو أجمل بيت أمتلكه على تراب الجنّة”.

زواج قباني

تزوج نزار قباني عام 1948م من ابنة خاله زهراء آقبيق التي أنجبت له (توفيق وهدباء) لكن العلاقة لم تستمر بينهما بسبب غيرتها من رسائل المعجبات.

المفجع في هذه العلاقة هو وفاة توفيق ابنه الشاب أثناء دراسته في كلية الطب فبكى عليه وكتب أروع المرثيات "الأمير الخرافي توفيق قباني”.

أما حكايته مع زوجته الثانية بلقيس الراوي أم أولاده (زينب وعمر) فقد رُسمت بشكل ملحمي بدأت عشقاً وانتهت ببعد تراجيدي إذ تعرضت لحادث تفجير راحت ضحيته في السفارة العراقية ببيروت 1981 فبكى عليها وكتب لها قصيدة تحمل اسمها "بلقيس" ولم يتزوج بعدها.

تعرف نزار إلى بلقيس في بغداد فأحبها وحين طلب يدها قوبل بالرفض لخوفها من مغامراته النسائية ولعدم رغبة عائلتها بتزويج ابنتهم من شاعر يتغزل بالنساء.

ترك بغداد ولم ينسَ بلقيس وحين دعي إلى مهرجان "المربد" الشعري عام 1969 توسط له الرئيس العراقي أحمد حسن البكر ليتزوجها، وتزوجا في عرس أسطوري .

في عيد زواجهما العاشر كتب لها القصيدة الشهيرة "أشهد" التي غناها القيصر، الشاعر الذي أحب الشام مات غريباً في لندن في 30 أبريل 1998 وعاد بحسب وصيته ليدفن في الشام. "أدفن في دمشق، الرحم التي علمتني الشعر والإبداع وأهدتني أبجدية الياسمين".

فتحولت شوارع المدينة إلى عرس حقيقي لم تشهد دمشق مثله مشت الجنازة في كل مكان أحبه ومشت الشام كلُّها حتى وصل إلى مقبرة "باب الصغير" حيث دفن بجوار أمه وأبيه.