من منّا لا يُحب الهدية أو (الصوغة) برمستنا، فمهما كانت بسيطة هي غالية بعلو مكانة وقدر من تذكّرنا بها! ولكنّ هناك نوعاً من هدايا الحياة التي لا تُقدّر بثمن تأتينا على هيئة أشخاص يسوقهم القدر في طريقنا ولكنّهم نادرون.

وفي هذه الأيام، التي جعل فيروس كورونا المستجد دائرة كثيرين الاجتماعية غالباً محدودة جداً وافتراضية في غالب الأحيان، ولذلك فإن بريق هؤلاء الأشخاص (الصوغة) يزداد، وأنا واثقة وأنتم تقرؤون رمستي بدأت أسماء ووجوه تحضركم.

أتحدّث عن أولئك الذين يحبّون ويعطون من أعماق قلوبهم بلا شروط، ويحفظون وعودهم، ويرون سعادتهم في سعادة من حولهم، وهم شرارة للسعادة مع أي حديث يشاركون فيه، وتجدهم في عتمة لحظات الضيق والانزعاج ويستمعون باهتمام ليس ليردّوا الكلمة بالكلمة ولكن لتهدأ أرواحنا.

في تراثنا كثير مما يتحدّث عن هؤلاء ومنها (الزَّاد يِفْنى والرِّبِيع يْدُوم)، أي أن الطعام والأمور المادية تزول ويبقى الصديق الوفي المخلص. أردت أن نرى في فترة التباعد الاجتماعي التي تعيشها المجتمعات فرصة لمنح هؤلاء الأشخاص مساحة في حياتنا تليق بهم وتردّ لهم جميل صدق حضورهم في أيامنا.

مازلت أذكر أيام والدي بطي بن بشر، رحمه الله، وحديثه عن الواجبات الاجتماعية وحرصه على أن نقوم بها جميعنا في المنزل وأن نصل الأقرباء وأصدقاء العائلة في إطار (السنع) أي العادات والتقاليد.

وجودنا مع عائلاتنا بشكل أكبر من أي وقت مضى فرصة للجميع ليعيدوا تذكير أنفسهم وأبنائهم بمكانة من يستحقون أن نضعهم في مكانة (صوغة) أهدتهم الحياة لنا، خاصة وسط ازدحام العالم الرقمي الذي قد يشغلنا أكثر مما مضى لكونه نافذتنا الأكبر للتواصل مع العالم في زمن كورونا المستجد، فهل بدأت الأسماء والوجوه تحضركم؟ حافظوا عليهم وأخبروهم أنهم كذلك.