هي كاتبة وشاعرة وتشكيلية، أميركية من أصول فلسطينية، لكن ابتسام بركات، سافرت بإنسانيتها بلا جواز ولا خريطة فحطت كنحلة على ورود كل الثقافات، لتنظم الحرية قافية تخترق عنفوان المستحيل. امتشقت ابتسام شعاع الإبداع قلماً وأحياناً ريشة تكتب اللون وتلون الكتابة فانثال من بين كفيها ماء الشعر يروي جفاف الحياة. فازت مؤخراً بجائزة «الشيخ زايد لإبداع أدب الطفل 2020»، التقيناها في هذا الحوار لنحلق معها في آفاق تجربتها الباذخة.. ونسألها أولاً:

• هل استطعت من خلال عطائك الثقافي أن تجدي «الثيمة» التي توحد بين مجموعة الفنون التي قمت بارتيادها؟

ـ أنا افضّل كلمة «القيمة» التي توحد كل الفنون وهي في رأيي الحرية التي تزداد بازدياد المعرفة. أجد جمالاً ساحراً للمعرفة وهي تتفتح عبر الفن في قلب الفنان والمجتمع الذي يصغي لنبض الحرية. الفن يوسّع الحياة ويطلق سراح النور.

• هل هناك ناظم فني إبداعي يتخلل أعمالك عموماً؟

ـ نعم. كلما تطورت رؤيتي يتطور فنّي، ويتسع الأفق، وتتطور لغتي. رسالتي أيضاً أكتشفها عبر ممارسة الفن، أقرأ في كل يوم منها سطراً جديداً وكأن رسالتي مُرسلة لي ثم أشاركها مع العالم، كل منا يفعل ذلك بطريقته على ما أعتقد.

أجمل الأشياء

• هل في الإمكان إنجاز مشروع طموح يعدد من الأصوات البشرية ليحكي تجربة المهمشين عبر الزمن؟

ـ بالتأكيد. الفن نفسه مهمش عبر الزمن! وكل ما هو مهم وجديد يبدأ مهمشاً ويرفضه الناس. لكن بعد فترة يصير هو الأساسي أو الأكثر حضوراً. الهامش هو مكان ابتداء التغيير. انظري إلى قول «غاليليو» إن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس، أو بدايات الأنبياء، أو أصوات النساء مثلاً ودخولهن حياة العمل الريادي وغير ذلك. المهمش الحقيقي مع الإبداع الصّبور يصير هو المُهم.

• ماذا قدمت لك فلسطين عبر تفاعلك مع واقعها ومسيرتك الإبداعية؟

ـ قدمت لي رغبة عميقة في الحرية والصمود في وجه الصعوبات والإبداع في عبورها، والحقيقة أني لا أنتظر أن تقدّم لي فلسطين،  ولكن أعمل من كل قلبي لأقدم لها أجمل الأشياء هي والوطن العربي، والإنسانية أيضاً التي هي وطني الأكبر.

• كيف استفدت من الغرب  وما فيه من متغيرات وظواهر ثقافية مغايرة لهويتك وموروثك العربي؟

- الغرب جزء من الحياة، وليس مفصولاً عن الشرق. استفدت أني تعرفت إلى الكثير وتغيرت بطرق جميلة أحبها، وتفتحت آفاقي وصرت أرى نفسي أكثر من الشرق والغرب، وأنتمي أكثر للإنسانية عن كثب ومعرفة، وطبعاً أساعد في بناء جسور بين الشرق والغرب، فنحن في حاجة إلى الكثير من الجسور المتينة التي لا تنكسر مع هبات الريح.

صراع آراء

• ما مفهومك للآخر وهل استصحبته في مجمل كتاباتك؟

ـ الآخر هو جزء من نفسي، كل شيء جزء مني، وأنا جزء منه، سواءً أحببته أم كرهته. القمر والنجوم والماضي والمستقبل وكل الإنسانية جزء مني، وأنا جزء من كل شيء. لهذا يهمني كل شيء ويثير فضولي وأتعاطف مع من لا أعرفهم.

• صلابة واقعنا المأزوم الذي تعيشه البشرية الآن، هل تنعى زمن الشعر النضير؟

ـ لا أوافق على نعي الشعر. إنها حالة تصرخ بأعلى صوتها، على الشعر أن ينهض ويلبس أفضل ما عنده ويمشط شعره ويغسل وجهه ويعرف أن له حبيبة تنتظره بلهفة وهي الحياة، عليه أن يرتقي لحبها، وهنالك صراع في تقدير الناس على المكانة الأهم حالياً: هل هي الشعر أم الرواية، الفيلم أم قصة الإنترنت أم أصناف أخرى من التعبير، لكن الصراع ليس بين الشعر نفسه وأصناف الأدب الأخرى، هو صراع آراء فقط. الحقيقة ان كل الفنون تتكامل ويساعد بعضها البعض. فمثلاً الرواية التي ينقصها حس الشعر لا تصل إلى القارئ مثلما تصل الرواية المرويّة بالحس المرهف والشعري.

• كيف تنظرين إلى تكامل الحضارات؟

ـ الحضارات فعلاً تتكامل لكنها متفرقة عن بعضها ولا تعرف بعضها وتحب الحروب، وهذا أدى بالإنسانية إلى مكان صعب، الإنسانية عائلة مليئة بالصراعات غير الضرورية.

أهم كتاب

• نلت «جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع أدب الطفل 2020»، كيف ترين دور هذه الجائزة وغيرها، في تحفيز صناعة كتاب الطفل في العالم العربيّ؟

ـ هذه الجوائز مهمة، لأنها تقول إننا نعترف بأهمية هذا الفن وندعمه. كتاب الطفل في العالم العربي وفي كل مكان أهم بكثير من أي كتاب تنتجه الحضارة، لأنه سينتج الإنسان الذي بعد فترة بسيطة من الزمن سيصير إمّا رائداً وعالماً أو إنساناً مغلقاً على نفسه،  تقييم كتاب الطفل المبدع والخلاق يجب أن يوزن بالذهب، لأن البدايات هي التي تؤدي إلى التطور، وتحدد النهايات في أغلب الأحيان أو تؤثر فيها بقوة. كل كتّاب العالم الكبار بدؤوا حياتهم بقصص أطفال ألهمتهم وشجعتهم وجعلت من الكتاب صديقاً لهم. وفي غياب الكتاب الورقي كانت القصة التي سمعوها وفتحت أبواب خيالهم ونادت عليهم نحو الأفق.

• في رأيك كيف يمكن أن نجذب طفل اليوم للقراءة وللكتاب؟.

ـ ليس بالضرورة قراءة الكتاب وإنما قراءة كتاب الحياة، الطبيعة هي أجمل كتاب يحبه الطفل لو أعطيناه الفرصة لذلك. كل التكنولوجيا الباهرة هي إعادة إنتاج سطحي لمحتويات الطبيعة وجمالها. علينا تعريف الطفل على الأصل بأن نساعده على التعلق بالكون والطبيعة لأنها مليئة بالأسرار وتشحذ كل ما في النفس نحو الإبداع والصحة والتوازن.

• وما الفرق الذي صنعته كتاباتك للطفل؟

- كتاباتي قدمت رحلات للطفل يرى فيها إمكانية أن يصير حرّاً لنصف ساعة أن يذهب صوب عالم من الخيال يفك قيود فكره وروحه، يحس بأن الكاتبة تحبه، وتهتم به لأعلى الدرجات من غير أن تعرفه، وأن يرى مثالاً على أن اللغة العربية بالإمكان تنظيفها من الجمود والقيود وجعلها يانعة وبديعة يتفتح لها القلب والعقل مثلما تتفتح وردة في دفء الشمس. أيضاً كتابتي تحب أن تجد كلمة أخرى لوصف الإنسان في بداية رحلته لا أرى أن كلمة «طفل» وعلاقتها بالتطفل كلمة عادلة. الناشئ والناشئة أفضل في رأيي.

فن  التناسق

عن ما غيرته «كورونا» من مفردات نظرتنا الفنية إلى الحياة، تقول ابتسام بركات: «ساعدت (كورونا) في فهمنا أن التعبير عن النفس مهم جداً، وأن الطبيعة والخروج من عالم الجدران المادية والفكرية هما في غاية الأهمية. لكن الأهم أن حالة كورونا أكدت أن إلانسانية عليها أن تتعلم فن التناسق والعيش مع بعضها، ومن المهم  أن نحب ونعيش الحياة من غير أن نعرف إجابات عن أسئلة كثيرة.