أسوأ ما فيه أنه أكثر خبثاً من سواه.. واكتشافه، في بداياته، صعب جداً، لأن المبيض موجود في جوف الحوض وتحسس الورم فيه، باليدين، كما تفعلنّ حين تتحسسنّ الثدي لاكتشاف أي ورم فيه، محال. لذا يُقال عن سرطان المبيض إنه «القاتل الصامت»، فهل يمكن الانتصار على قاتل متسلل خبيث؟

هدف وجود المبيض في جسد المرأة هو إنتاج البويضات التي تنتقل عبر قناة فالوب إلى الرحم وتتطور في جداره إلى جنين. ويلعب المبيض دوراً آخر في تصنيع هرمونات الأستروجين والبروجيستيرون. ويوجد من هذا المبيض اثنان، واحد عند يمين الرحم وثانٍ عند يساره.

تحدث غالبية حالات سرطان المبيض، بنسبة 75 إلى 80 %، نتيجة نمو غير منضبط للخلايا على البطانة الخارجية للمبيض. ثمة حالات أخرى تُعرف عادة بأنها أورام الخلية الجرثومية تتطور من خلال خلايا البيضة داخل المبيض وتشكل بين 5 و7 % من الإصابات. ينجح الأطباء غالباً في إزالة ورم المبيض، بنسبة عالية جداً، إذا جرى اكتشافه في مرحلة مبكرة لكن، للأسف، قد لا تظهر أي أعراض محددة إلا بعد أن يكون السرطان قد انتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم وبالتالي يكون قد فقد العلاج فعاليته!.

نبحث مع الدكتور محيي الدين سعود، رئيس قسم الجراحة النسائية السرطانية في الجامعة الأميركية في بيروت، عن سبل الوقاية وإمكانيات الاكتشاف المبكر بدل الخضوع المطلق لمشيئة لهذا الخبيث. لكن من هن النساء المعرضات للإصابة بسرطان المبيض؟ واضح جداً أن هذا السرطان يُفاجئ أحياناً متجاوزاً كل التوقعات. فها هي «كريستينا»، ابنة السادسة والثلاثين، قد أصيبت به بعد أقل من عام على إصابة شقيقتها الكبرى به. هي كُتبت لها النجاة لأنها اكتشفته بالصدفة بينما شقيقتها اكتشفت السرطان في المرحلة الأخيرة. خضعت للجراحة وجلسات كيميائية كثيرة، لكنه انتصر عليها. شقيقتان عانتا سرطان المبيض كانتا تظنان أنه لا «يلعب لعبته» إلا داخل عائلات معينة معرضة، أبا عن جد، للإصابة. كانتا تعتقدان أنهما محميتان، لكن يبدو أن لا توقعات حازمة جازمة معه.

تشير الدراسات إلى أن 20 إلى 25 % من النساء المصابات به كان لديهنّ ميل وراثي لتطوّر المرض. ويبقى أن أكثر من 70 % يصبنّ لأسباب أخرى. وما يجب أن تتذكره كل امرأة أن أهم عامل لسرطان المبيض هو طفرة جينية موروثة في الجينات المرتبطة بسرطاني الثدي والمبيض، لذا فإن النساء المصابات بسرطان الثدي يزيد لديهن خطر الإصابة بسرطان المبيض والعكس صحيح. ليست المصابات بسرطان الثدي معرضات فقط للإصابة بسرطان المبيض، بل من سبق وأصبنّ أيضاً بسرطان الرحم أو القولون أو المستقيم.

للعمر أيضاً تأثير، فصحيح أن جميع النساء معرضات لخطر الإصابة، بغض النظر عن العمر، غير أن النسبة ترتفع عند اللواتي تتراوح أعمارهن بين 55 و64 سنة وتعود وتنخفض بعد سن السبعين بعد أن يضعف عمل البويضات. وتشير الأبحاث إلى وجود علاقة وثيقة بين عدد دورات الطمث في حياة المرأة وخطر الإصابة بسرطان المبيض.

وفي التفاصيل تكون المرأة أكثر عرضة إذا بدأ حيضها في سن مبكرة، أي قبيل عامها الثاني عشر، وإذا لم تلد أي طفل، أو إذا أنجبت طفلها الأول بعد سن الثلاثين، وإذا استمرّ الطمث لديها إلى ما بعد سن الخمسين. ودلّت دراسات مختلفة على وجود صلة بين السمنة وسرطان المبيض.

يمكن تقليص خطر الإصابة بسرطان المبيض باتباع إجراءات عملية بينها تناول حبوب منع الحمل، حيث دلت الدراسات على أن خطر الإصابة ينخفض بنسبة تزيد على 50 % عند تناولها مدة خمس سنوات أو أكثر. الحمل، خاصة قبيل سن السادسة والعشرين، يُخفض بدوره إمكانية الإصابة ومثله الرضاعة الطبيعية.

تُطالب النساء بالإسهام في اكتشاف المرض مبكراً، وفي المقابل هناك من يقول ـ طبياً ـ إن اكتشافه من خلال أعراض أولية غير سهل أبداً. فماذا تفعل؟ وكيف تتصرف؟ يرفض كثير من الأطباء الإذعان إلى مقولة استحالة تشخيص هذا الخبيث مبكراً ويحددون أربعة أعراض يجب ألا تستهين بها أي امرأة هي: انتفاخ البطن وزيادة حجمه، آلام متكررة في الحوض أو في البطن، صعوبة في الأكل أو الشعور بالشبع والامتلاء بسرعة وزيادة في التبول أو الشعور بالحاجة إلى التبول وآلام في الظهر وتعب وإمساك متكرر وفقدان في الوزن. وقد تترافق هذه الأعراض مع عدم انتظام الدورة الشهرية ووجود نزيف مهبلي غير طبيعي. وهنا يُطلب من الطبيب النسائي أن يجلس مدة أطول مع المرأة ويسألها عن كل هذه التفاصيل، وإذا لم يفعل فلتفعل هذا هي. فلتخبره عن كل ما تشعر به حتى ولو اعتبرت، في قرارة نفسها، أنه مجرد أمر طبيعي. في كل حال، يهم أن تعرف المرأة أنه ليس كل ورم في المبيض خبيثاً. فقد يُصار إلى اكتشاف ورم حميد لذا لا داعي للهلع.

الخيارات العلاجية تختلف باختلاف المرحلة التي وصل إليها الورم السرطاني، أي حجمه وموقعه، وما إذا كان انتشر خارج المبيض إلى أجزاء أخرى من الجسم، وعمر المريضة وحالتها الاجتماعية؟ متزوجة؟ غير متزوجة؟ أنجبت؟ لم تنجب بعد؟ يتخذ الأطباء عموماً الخيار الجراحي كجزء من العلاج الأولي ويعرف هذا الإجراء بجراحة تقليص الورم. يلي ذلك العلاج الكيميائي الذي يعطى إما عبر الوريد مثل المصل، أو من خلال أنبوب في البطن.

سرطان المبيض يعود عند غالبية النساء اللواتي اكتشفنه في مراحل متقدمة، وتحصل الانتكاسة في غضون خمسة عشر شهراً من اتباع العلاج الأولي.

سفيرات ضد المرض

لا فارق في المرض بين إنسان شهير وإنسان أقل شهرة، غير أن الأول قادر على الإسهام في نشر الوعي أكثر بين العموم، الذين يحبون التمثل بالمشاهير. هذا ما حصل مع نساء شهيرات عانين سرطان المبيض، أو عانته قريبات لهنّ، وبدل أن يقضي عليهن سحقنه من خلال حملات توعية ودعم لكلِّ نساء الأرض مما جعلهنّ سفيرات ضد سرطان المبيض.

فلنأخذ الممثلة البريطانية «جوينيث سترونج» التي كرست حياتها لرفع مستوى التوعية وتبرعت من مالها إلى مراكز الأبحاث لهذه الغاية. نشاطها هذا بدأته بعدما فقدت والدتها بسبب هذا السرطان. «صوفي إليس- باكستر»، المغنية الإنجليزية ومؤلفة الأغاني، حذت حذوها أيضاً بعد أن فقدت صديقة لها بسبب سرطان المبيض معتبرة «أن هذا السرطان لا يحظى بالاهتمام الذي يستحقه»، لذا أطلقت حملات توعية ضده. الممثلة البريطانية «إميليا فوكس» قررت هي أيضاً أن تبذل ما بوسعها لزيادة الوعي بعد أن عاشت تجربة شخصية في الموضوع.

القاتل الصامت لم يميّز بين امرأة وامرأة. الممثلة الأميركية الكوميدية «جيلدا رادنر»، التي أضحكت الكثيرين، توفيت في عمر الثانية والأربعين بعد إصابتها بسرطان المبيض. أما النجمة «براندي ماكسييل» تم تشخيص إصابتها في عمر 24 عاماً. أسيء تشخيص حالتها في البداية، لكن نجاحها في الإنصات إلى استغاثة جسدها جعلها تكتشف إصابتها باكراً.

لحوم أقل زنجبيل أكثر

ثبتت أهمية زيادة الفواكه والخضار والأطعمة النباتية الأخرى في غذاء المرأة في الوقاية وفي العلاج بعد الإصابة. وفي هذا الإطار، يُنصح بأن تتناول النساء المصابات الفاكهة والخضار، بالإضافة إلى الإكثار من شرب المياه.

تنصح النساء المصابات، اللواتي يخضعن لعلاجات إشعاعية تسبب الإسهال، بتناول الأطعمة منخفضة الألياف من أجل زيادة امتصاص الأطعمة التي يتناولونها. في المقابل، إذا خضعت المرأة لعملية جراحية أدت إلى تغيير الأمعاء فيجب التحكم غذائيا في الأعراض التي تتأتى عن ذلك وإعادتها تدريجياً إلى اتباع نظام غذائي مناسب. في كل حال، لا تمنع المرأة المصابة من تناول أي طعام لكن تُنصح بأن تتناول كميات محدودة من بعض الأطعمة. على سبيل المثال، تنصح بتخفيض نسبة تناول اللحوم الحمراء. وبالنسبة الى الحلويات والنشويات، يجب أن تكون قليلة.

الشاي يُدرج ضمن المشروبات المفيدة في محاربة سرطان المبيض ومثله الزنجبيل. البروكولي واللفت يحتويان على مركبات الفلافونويد التي لها نشاط مضاد للأكسدة والالتهاب. وتدل الدراسات على أن النساء اللواتي يزدن من استهلاك مثل هذه المركبات ينخفض لديهن خطر الإصابة بسرطان المبيض بنسبة 40 % تقريباً.