كلما سُئلت عن عمرها، يتصبب العرق غزيراً من جبينها وتبحث عن حججٍ كي تهرب من الجواب، وكلما اضطرت أن تجيب، تتذكر يوم كانت تسمع أن فلاناً بلغ الأربعين وتحسبه مسناً. هي تمضي في الأربعين والأفكار السوداء تلحّ على بالها فماذا سيُقال عنها؟ مسنة؟ هل سيقبلونها في الوظيفة؟ هل سيختارون فتاة في العشرين؟ هل أصبحت عانساً؟ هل أصبح مستقبلها وراءها؟ أنه رهابُ العمر يُتعبها فهل تبالغ؟ هل هي مريضة وعليها أن تراجع اختصاصياً في علم النفس؟ أم هي حالة طبيعية يمرّ بها كل إنسان يقترب من منتصف العمر؟

هو رهاب التقدم في العمر الذي يُنهك من يعانيه. صحيح أن الخوف من الشيخوخة يسيطر على الكثيرين والكثيرات، لكن هناك من يعانون إشارات تجعلهم لا يتمتعون بالشباب، ويفكرون ليل نهار في أن العدّ العكسي بدأ، والسنين خرجت من أيديهم، والشيب زحف، والعمر أصبح وراءهم. 

هناك من قد يسخرون من الخائفين من زحف العمر، غير مدركين قسوة الحالة على من يعانيها إلى حدّ الهوس.  يتحدث الدكتور محمد الدباس، الاستشاري في الطب النفسي والإدمان، عن محددات الصحة النفسية قائلاً: «هي المرونة العقلية والتكيّف مع الضغوط والنضج في إدارة الانفعالات والقدرة على إقامة علاقات متوازنة».

في علم النفس، الخوف من العمر قد يكون سببه معاناة مرضية شديدة مرّ فيها مسنّ أمام أولاده، أو أن يكون من تقدم في العمر أصبح فهمه صعباً ورائحته مختلفة وأصبح غاضباً دائماً، وفقد القدرة على السمع والمشي بشكل صحيح، وربما ما عاد قادراً على السيطرة على المثانة، وأصبح يعاني سلس البول وبات مصدراً للسخرية من بعض الصغار في السن، الذين يستهزئون من كلامه وأسلوبه وتفكيره. هي مشاهد كثيرة تجعلنا نقلق من زحف العمر.

اختلال كيميائي

يتحدث الطب النفسي عن جينات تسبب اختلالاً كيميائياً في الدماغ، قد تؤدي إلى حالات رهاب بينها الرهاب من العمر. وفي التفاصيل، يولد بعض البشر وتتبلور فيهم، من دون أن يدركوا كيف ولماذا، الشخصية القلقة في شكل مفرط. هذا ليس كل شيء، فالإنسان بطبيعته يخشى من زحف العمر في عالم يبدو فيه الجميع على عجلة من كل شيء والوقت فيه يطير ويحلق ويبتعد. فلنتذكر أيام الطفولة. في ذاك الحين، كنا نشعر وكأن لدينا الوقت الطويل لنحقق كل ما نشاء. لكن، حين نضجنا، أصبحنا مشغولين كثيراً في القيام بالمزيد، وفي تحقيق المزيد وبتنا نركض بلا هوادة، في كل الاتجاهات، لتحقيق ما تمنيناه. وبدأت الأعوام تنتهي ما إن تبدأ. لم نعد نشعر بقيمة الوقت ولم ننجح، بغالبيتنا، في إدارة هذا الوقت. هذا ما يحدث غالباً وهو ما يجعل من يخشون من تقدم العمر، يخافون أن يهرموا قبل أن يحققوا ما شاؤوا، وقبل أن يُصنفوا في حسابات سكان هذا العالم (جيلاً قديماً) ما عاد يصلح لإنجاز جديد.

زحف العُمر

إيمان، بدأت تشعر بوقع زحف العمر، كما الكثيرين، منذ دنت من نهايات العقد الثالث. لم تعبّر عن ذلك بصوتٍ عالٍ وتظاهرت بأنها بخير لكنها شعرت، في أعماقها، بالرعب. وكم تمنت لو تستطيع أن تعيد العقارب إلى الوراء. وراحت تسأل نفسها: لماذا كل هذا الخوف من دنو سن الشيخوخة؟

فلنطرح سؤال إيمان علنا: لماذا يخاف كثير من الناس من الشيخوخة؟

نصغي إلى عبارات كبار السن، فنفهم لماذا يخشى من يدنون من سن الثلاثين من زحف العمر: «قدماي تؤلمانني وهذا طبيعي فأنا في السبعين». «لن أجد عملاً لأنني تجاوزت سن الأربعين». «لم أعد صغيراً وأتوقع أن أصاب بأمراض الشيخوخة». غالبية البشر، من كل الطبقات والدول والشرائح، يعتقدون أن سن الشيخوخة سيجلب المعاناة والألم ويشعرون مع دنو سن التقاعد بأنهم غير مستعدين، ذهنياً ومالياً، له. سن التقاعد أكثر ما يخيف الإنسان خصوصاً في بعض المجتمعات التي تعتبره نهاية في حين تراه مجتمعات أخرى، مثل السويد، بداية لاكتشاف هوايات جديدة وتعلم لغات جديدة والسياحة والسفر.

الخوف من زحف العمر مرده إلى أن المجتمعات تقدّر، بشكل عام، الأجيال الشابة معتبرة أنها قوّة البلاد وابتسامة الغدّ. وهذا في ذاته محبط لمن لم يعد في المنظور العام ابتسامة وقوّة.

صحيح أن الشيخوخة تعني الحكمة والخبرة، لكن البشر في غالبيتهم، يثقون بأنهم كلما كبروا في العمر كلما تدهورت نوعية حياتهم. هي ظنون ومخاوف وتوجسات ومقاربات تجعل الإنسان، امرأة أو رجلاً، يسعى إلى إبعاد شبح الشيخوخة، ولو كذباً، قدر المستطاع. لهذا نجد من يكذب، من دون أن يشعر، حين يُسأل عن عمره. وهذا نفسه يعود ليسأل نفسه: لماذا فعلت هذا؟ هو تصرفٌ عفوي مرده إلى الخوف من كل ما قد يتأتى عنه عمر الشيخوخة.

مرآة الروح

نصيحة الطب النفسي: ضعوا بطاقات الهوية جانباً وتذكروا أن أجسادنا هي مرآة لأرواحنا. فلنهتم بالجسد إكراماً للروح. فلنستثمر في الصحة الجسدية. ارقصوا. غنوا. صلوا. ابتسموا ولا تنغلقوا أبداً. وكونوا سعداء. صحيح أن بعض القلق على المستقبل ضروري من أجل تحسين نوعية الحياة الحالية. هو قلق من المجهول وعدم اليقين مما قد يحدث. وهذا يفيد من أجل اتخاذ قرارات مبكرة تتعلق بنمط الحياة بينها ممارسة الرياضة وتناول أطعمة صحية وجدولة المواعيد الطبية المنتظمة والحفاظ على وزن صحي. اقلقوا لكن لا تهلعوا، فبعض القلق يفيد وكثير من القلق يُدمر.

والحلّ؟

تجاعيد كيم كارداشيان وذبول نجلاء فتحي!

يخشى المشاهير والفنانون من تقدم العمر الذي يجعلهم يبدون غير ملائمين للشاشة التي تعشق الجمال والشباب والنضارة. فيصاب بعضهم بـ«برهاب العمر»، فنرى الفنانات يخضعن لعمليات تجميل تكاد لا تنتهي. عارضات الأزياء يعشن بدورهنّ هاجس بصمات العمر. فها هي كيم كارداشيان التي تخشى حتى من الضحك، من قلبها، كي لا تسبب الضحكات خطوط تجاعيد حول عينيها وشفتيها.

الجميلة أماندا سيفريد، التي تخطت سن الثلاثين، لا تترك فرصة إلا وتعلن فيها عن قلقها من سرعة عبور رحلة العمر وتعترف: «لا أريد أن أكبر».

الإعلامية وعارضة الأزياء الأميركية براندي غلانفيل يرعبها التقدم في العمر، وهي خضعت لجراحة تجميلية كي تبدو شابة دائما وأبداً وتجد شاباً يرافقها في «مسيرة العمر»  لكنها مدركة أن الأمر ما عاد سهلاً «فالعقارب لا تعود أبداً إلى الوراء».

الممثلة الأميركية كورتني كوكس ليست أفضل حالاً وهي تحاول عبثاً التمسك بما تبقى من شبابها.

ننتقل إلى عالمنا العربي حيث نشاهد بعض الفنانين والفنانات وكأنهم يتسابقون مع الوقت ويتصرفون وكأنهم في العشرين أو الثلاثين. صحيح أن التقدم في العمر ليس عيباً لكن الفن في حاجة إلى الجمال.. والشباب جمال.

نجلاء فتحي، جميلة جميلات السينما المصرية في السبعينات، نشرت لنفسِها صورة حالية وصورة من الأرشيف، فكتبت لها فجر السعيد: عزيزتي نجلاء نصيحة من القلب دعي الجمهور يعش على صورتك القديمة أو اسألي زميلاتك كيف حافظن على جمالهنّ». الكلام أتى قاسياً، ومنهم من أيده ومنهم من رفضه لكنه حكي، في أبعاده، حكايات من حكايات رهاب العمر.

إليسا، نوال الزغبي، نجوى كرم، أصالة.. نجدهنّ جميلات جذابات، لكن هناك من بات يجدهنّ «من زمن ماضٍ». هناك من يحاول أن يسخر منهن ومن فنانين وفنانات من جيلهن بالتلميح دائماً أنهم «شاخوا» وكأن هذا عيب. وهنا بيت القصيد في «رهاب» الكثيرين من العمر وفي تلك العلاقة الملتوية بين العمر والنجاح.

نوبات العمر!

ثمة أعراض، على شكل نوبة، قد تواجه من يفكر في زحفِ العمر، أو يضطر إلى أن يكشف عمره الحقيقي أمام الآخرين، هذه الأعراض قد تسبب انسحاب الإنسان من تفاصيل الحياة اليومية والاكتئاب والقلق الذي يؤدي، إذا زاد على حدّ معين، إلى مشاكل صحية مثل ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب. وهي:

• الشعور بالدوار.

• القشعريرة.

• أفكار الموت.

• خفقان القلب وسرعة التنفس.

• عدم القدرة على التعبير عن الذات بوضوح.

• الشعور بالانفصال عن الواقع.

• الشعور بفقدان كامل السيطرة.