ينتظر النجوم، كما الجمهور، مواسم الحفلات الغنائية بفارغ الصبر، فالنجوم ومن خلفهم الموسيقيون والمتعهدون وشركات الإنتاج يجدون في هذه المواسم فرصة لتحقيق النجاح والأرباح والترويج للأعمال الجديدة، والجمهور بدوره يرى فيها مناسبة للترويح عن النفس وكسر الروتين اليومي وإيقاع العمل، ولكن بسبب جائحة كورونا التي اجتاحت العالم، أخذت الحفلات شكلاً مختلفاً، فالنجوم الذين يتسابقون للإعلان عن الأرقام الكبيرة للحضور الذي يعكس النجاح الفني، أصبحوا يفاخرون بحفلات بلا جمهور، فأتت حفلاتهم الافتراضية مختلفة بأشكالها ولكنها توحدت أهدافها في تسلية الناس وإبعادهم قليلاً عن مراقبة عدادات الإصابات في ظل الحجر المنزلي ومنع التجول في مختلف أنحاء العالم.

وتحت مسميات متنوعة، قدم عدد من الفنانين مجموعة من الحفلات المسجلة والمباشرة، احتراماً لبقاء الناس في منازلهم، وربما ستتابع الحفلات حضورها الخجول بلا جمهور في صيف 2020، ويرى المتعهدون أنه لن تعود الحفلات لسابق عهدها قبل أن ينتهي وباء كورونا، مرجحين أن تعود في نهاية السنة بعض الحفلات الجماهيرية بشروط خاصة وبأعداد محدودة، بينما الفرصة الأكبر ستكون للمهرجانات الفنية والحفلات الكبيرة المقامة في الهواء الطلق في إعادة الجمهور لمدرجاتها وإن كان بشكل أقل من السابق.

تسويق للنجوم

السؤال الأبرز الذي يتبادر إلى الأذهان، هو عن مستقبل هذه الحفلات، وإلى متى يمكنها الاستمرار في ظل غياب الجمهور، وقد توجهنا بهذه الأسئلة إلى عدد من المهتمين بشأن الحفلات وتفاصيلها، وتباينت الردود، ففي حين وجد البعض أن الحفلات الافتراضية لا تعدو أن تكون فترة مؤقتة ستغيب فور عودة الحياة لطبيعتها، يرى فريق آخر أن الحفلات الافتراضية فرضت نفسها، وستصبح في المستقبل من ضمن باقة الحفلات المعتمدة، خاصة أنها تحقق أسلوباً تسويقياً للنجوم ولبعض الهيئات التي تقدمها، بتكلفة مالية أقل، وفي هذا الصدد يقول ميار عباس وهو أحد المشرفين على تنظيم مهرجانات غنائية إضافة إلى إدارته أعمال الفنان حسين الجسمي: «الحفلات الفنية قطاع اقتصادي مهم، يعمل فيه عدد كبير من الناس، مثل الفنيين والموسيقيين، ولا يمكن لهذا القطاع أن يتوقف أو يموت، ولهذا نرى أن الهيئات الحكومية قد اهتمت بتقديم عدد من الحفلات في الفترة السابقة وإن لم تحقق أي ربح مالي، ولكنها حققت التواصل مع الجمهور ودعم هذا القطاع الحيوي». وعن رؤيته للمستقبل يقول عباس: «أعتقد أن هناك فرصة مهمة أمام المهرجانات الفنية الكبيرة، وعلى الفنانين والنجوم أن يتعاملوا مع هذه الحفلات بوجهة نظر مختلفة عن تعاملهم مع الحفلات العادية».

الحفلات الواقعية

من جهته قال المتعهد الفني عامر هنيدي إنه يتوقع أن تعود الحفلات بشكلها التقليدي مع نهاية هذا العام، مؤكداً أنه يتم العمل حالياً على اتفاقات لحفلات العام المقبل، مشيراً إلى أن المشكلة الأساسية هي في المبالغة بأسعار الفنانين، الذين عليهم الانتباه إلى أن سوق الحفلات قد تغير، وأنه حتى في حال نهاية الجائحة، فإن سوق الحفلات كغيره من القطاعات يحتاج إلى وقت طويل ليعود كسابق عهده، وبالتالي على الفنانين أن يتعاونوا في تقديم أسعار تناسب الوضع الجديد.

وحول حفلات الـ(أونلاين) واستمراريتها، استبعد هنيدي هذا الأمر، مؤكداً أنه في حال عودة الحفلات الحقيقية أو الواقعية، فإن الحفلات الافتراضية ستتراجع كثيراً إن لم تختفِ تماماً، قائلاً: «الجمهور هو أساس الحفلات وهو الركن الرئيس في نجاحها، فلولا تفاعله مع الفنان لما استمر الأخير، وأعتقد أن الحفلات الافتراضية هي حالة وقتية، ومن الصعب استمرارها لأنها ستصيب الفنانين أولاً بالملل قبل الجمهور».

تفاعل جماهيري

منذ الأيام الأولى لجائحة كورونا وصدور القرارات الحكومية في مختلف أنحاء العالم بوقف الاحتفالات والحفلات والتجمعات العامة، تسابق بعض النجوم للوجود بشكل جديد عبر حفلات افتراضية، فأتت هذه الحفلات بأشكال متعددة، وبأهداف متفاوتة، منها أسباب شخصية بحتة، كرغبة الفنان في التواصل مع جمهوره، ومنها حفلات مدعومة من جهات حكومية، ومنها حفلات ممولة إعلانياً، ولكن بغض النظر عن خلفية هذه الحفلات فقد تفاعل الجمهور معها بشكل جيد، خاصة أن هذه الحفلات مجانية لا تكلفه شيئاً، إضافة الى أن أغلب الناس كانوا ينتظرون أي شيء مختلف ليخرجوا عن المألوف، ويشاهدوا شيئاً لا يشبه ما يرونه يومياً على شاشات التلفزيون أو مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت فكرة الحفلات الـ(أونلاين) قد بدأت انطلاقاً من الحفل المميز الذي قدمه فضل شاكر بمشاركة ابنه الفنان الشاب محمد فضل شاكر، ونال استحسان المتابعين خاصة أولئك العاشقين لصوت فضل والمشتاقين إلى إطلالاته الفنية، وسار على خطاه كل من النجوم عاصي الحلاني الذي قدم أكثر من حفل بصيغ مختلفة، ورامي عياش ونادر الآتات، ومايا دياب التي أطلت بحفلين كاملين عبر قناتها الخاصة على تطبيق يوتيوب، كما قدمت بلقيس حفلاً برفقة والدها أحمد فتحي. وفي مصر قدمت الفنانة آمال ماهر حفلاً غنت فيه أغاني ألبومها الجديد (أصل الإحساس)، وغيرها من الأغاني، ولاقى تجاوباً واضحاً من الجمهور. وكذلك الفنانون رامي صبري وإدوارد وغيرهما، كما أطلت الفنانة لطيفة في لقاء عبر الإنترنت جمعها بجمهورها لتجيب عن أسئلتهم، وقدمت خلاله أغاني مفضلة لديهم.

تهنئة الجسمي وعود كاظم

عدد كبير من الحفلات الافتراضية وبأشكال متعددة شهدتها أيام عيد الفطر الماضي، ففي أبو ظبي قدم المجمع الثقافي حفلين: الأول مع القيصر كاظم الساهر، الذي اختار أن يرافقه العود فقط لعدم توافر الفرقة الموسيقية العربية في إسبانيا حيث يتواجد. والثاني حفل مسجل للنجم حسين الجسمي، الذي أبدى حماسه وسعادته بمشاركة الجمهور عن بعد قائلاً: «اليوم سعادتي كبيرة وأنا في أبو ظبي ومع الجمهور في كل بيت يشاهدنا لأننا أسرة واحدة كبيرة نصنع الأمل والتفاؤل والفرحة رغم التباعد في هذا البث الحي». بينما اختار مكتب أبوظبي للفعاليات سفير الألحان فايز السعيد ليستضيف النجوم يارا ووليد الشامي وبدر الشعيبي من خلال لقاءات عبر البث المباشر لمنصة انستغرام، حيث غنى الضيوف الثلاثة مجموعة من أعمالهم من دون مرافقة فرق موسيقية.

إطلالات خاصة

وقدم مسرح المجاز في الشارقة ثلاث ليالٍ من حفلات (هلا بالمجاز) للنجوم محمد الشحي وحاتم العراقي ويارا، وتميزت هذه الحفلات بفرقها الموسيقية الصغيرة ونقلت على الهواء مباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمسرح المجاز، بينما شاركت روتانا بتنظيم مجموعة من الحفلات بدعم من الهيئة العامة للترفيه، الأول من دبي لـ(البرنس) ماجد المهندس، والثاني من جدة لـ(فنان العرب) محمد عبده، والثالث من البحرين لـ(السندباد) راشد الماجد، والرابع من بيروت لـ(شمس الأغنية العربية) نجوى كرم، وقدمت روتانا أيضاً حفلات أخرى ضمن سلسلة (مكملين معاكم) حيث قدمت النجمين وليد الشامي وأصيل أبو بكر في حفل مشترك كرما خلاله الراحل الكبير أبو بكر سالم، وحفل أخطبوط العود عبادي الجوهر من جدة وحفل لسفير الأغنية الخليجية عبد الله الرويشد من الكويت، بالإضافة إلى حفلات متفرقة مثل الحفل المسجل الذي أطلقته نانسي عجرم عبر حسابها على "يوتيوب" وحفل النجمة أنغام الذي نقلته إحدى المحطات المصرية من مسرح الصوت والضوء، وحفلين جمع الأول عبد الله المانع وناصر النايف، والثاني جمع عايض يوسف وداليا مبارك، بالإضافة إلى إطلالات خاصة عبر برامج حوارية مثلما فعل السوبر ستار راغب علامة وعائلته وفارس الغناء عاصي الحلاني وعائلته اللذان أطلا عبر قناتين لبنانيتين وقدما شكلاً جديداً من حفلات الغناء الممزوجة بالحوار والتقارير الإعلامية وبمشاركة إلكترونية من الجمهور، أما في مصر فالوضع لم يختلف عن بقية الدول حيث أعلنت عن سلسلة من الحفلات والمهرجانات التي تقام من دون جمهور وبصيغ مختلفة.

خدود راشد وأناقة المهندس

أشاد المتابعون بالحفل المتقن الذي قدمته الفنانة نانسي عجرم، بينما استطاع النجم الكبير راشد الماجد أن يحتل مركز الصدارة ليس بحفله الذي قدمه من منزله في البحرين وأغنياته الرائعة وحسب، وعزفه على آلة العود، بل أيضاً من خلال تصريحه بأنه كسب 3 كيلوغرامات من الوزن بسبب البقاء في المنزل قائلاً: «المشكلة أن زيادة الوزن تأتي في خدودي»، ولم يختلف الأمر مع الفنان ماجد المهندس الذي لم يتعدّ عدد العازفين معه الـ 20 عازفاً، وقد اختار أحد استديوهات دبي ليطل بأناقته المعهودة، سواء من حيث الشكل أو الأسلوب الراقي والرومانسي في الغناء، كما استحسن الجمهور إطلالة الفنان محمد عبده وتعليقاته الجميلة والإطلالة الراقية للفنانة نجوى كرم.

"علِّي الموسيقى"

مهرجانات بعلبك الدولية ورغم الظروف السيئة التي يمر بها لبنان شاركت برسالة فرح وفن، حيث اشتركت كل القنوات اللبنانية مباشرة على الهواء ببث الحفل الموسيقي الأول الذي يقام في العالم العربي والمنطقة، الذي أحياه المايسترو "هاروت فازليان" وفرقته الضخمة، من قلب قلعة بعلبك، وأطلت الإعلامية ليال الاختيار من بعلبك في حلقة طويلة، استضافت فيها النجم معين شريف والنجم رفيق علي أحمد، وعدداً كبيراً من الفرق الفنية اللبنانية للحديث عن هذه الخطوة بعنوان (علّي الموسيقى) والتي شارك فيها معين داعماً، ورفيق علي أحمد ملقياً أبياتاً لجبران خليل جبران، مرافقاً الأوركسترا الضخمة التي عزفت لبيروت ومنها لكل العالم.

أرقام ومشاهدات

حققت الحفلات الافتراضية التي أقيمت في السابق أرقاماً متفاوتة من الإقبال الجماهيري، وهذا يعود لقوة المنصات التي تم البث من خلالها، فقد حقق الفنان حاتم العراقي على سبيل المثال الذي أحيا أحد حفلات (هلا بالمجاز) نحو 30 ألف مشاهدة عبر موقع فيسبوك، وحوالي 5000 مشاهدة عبر موقع انستغرام، و7000 مشاهدة عبر قناة يوتيوب، بينما حققت الفنانة يارا عبر فيسبوك 75 ألف وبلغت عبر موقع انستغرام 10 آلاف وحضرها 26 ألفاً عبر "يوتيوب".