غريباً صرتَ في قلبٍ كنت له يوماً وطناً.. مستحيلاً كفراقٍ ظنناه لن يقرع أبوابنا إلا موتى.. وزهيداً كسوار خادع من ذهب فضحت الأيام صدأه!.

يوماً ما ستذكر أيامنا فتضحك..

تضحك من تلك الساذجة التي وقعت لك صك ملكية من دون ثمن.. تضحك من تلك الغافلة التي تناست ألم صفعاتك وهي تزرع مكان كل صفعة وردة.. تضحك من تلك الحالمة التي بنت فوق جبينك قصراً لم تكن تعلم أن سكناه لسواها.

يوماً ما ستذكر كل هذا فتضحك، وربما أفعلها مثلك يوماً فأضحك، لكنني إلى الآن ما زلت أشفق على قلبي فأتركه لراحة دموعه.

لم يكن جرحك زوبعة في فنجان، بل كان قهوة الفنجان المرة التي غص بها حلقي، وأذنه المكسورة التي أدمت أناملي، وطبقه المتسخ الذي غرتني زخارفه!.

زوبعة؟!.. لا يليق بك الوصف إلا كما يليق تشبيه الطوفان بالندى!.

كبرت طفلتك سيدي.. شاب منها القلب والروح وبقي الجسد على حاله!.

تذكر دولاب انتصاراتي؟! هذا الذي ملأته بميداليات «حبك» المزيفة ؟! ها قد بدأت أملؤه بتذكارات حقيقية.

تذكر ثوبي الأبيض قصير الكمّين؟! هذا الذي بقي ملطخاً برماد سجائرك! ها قد استطال كُمّاه وأزلت عنه دنسه ليعود ناصعاً!.

تذكر مرآتي المكسورة؟! هذه التي طالما خفت صورتنا فيها؟! هذه فقط ما أبقيتها على حالها، إذ كلما استشاط قلبي شوقاً أطفأته بها زهداً!.

أوَ تعلم؟! كلما تواترت عليّ خيباتي، تذكرت خيبتي الأولى فيك لتهون في عيني كل خيبة بعدها.. كلما لفحني لهيب فَقْد، تذكرت جحيماً اصطليت به بعدك، زلّت فيه قدمي بعد طول ثبوتها.. كلما ضاقت عليّ الدنيا، تذكرت أنك كنت لحدي الأول.. قبري الأول.. وموتتي الأولى، لأذكر نفسي بألا ألم بعد الفناء!.

فيا خيبتي الأولى، وفقدي الأول.. 

يا موتتي الأولى، ولحدي الأول..

شكراً لأنك كنت ترياقاً لسموم الوجع بعدك

شكراً لأنك علمتني أنه -أحياناً- قد تطفئ النارَ نارٌ!.