كتب طه حسين لزوجته  يوماً :

«بدونك أشعر أني أعمى حقاً، أما وأنا معكِ فإني أتوصل إلى الشعور بكل شيء، وأني أمتزج بكل الأشياء التي تحيط بي». 

وحين توفي كتبت زوجته تقول: «ذراعي لن تمسك بذراعه أبداً، ويداي تبدوان لي بلا فائدة بشكل محزن، فأغرق في اليأس، أريد عبر عيني المخضبتين بالدموع حيث يقاس مدى الحب، وأمام الهاوية المظلمة، حيث يتأرجح، كل شيء، أريد أن أرى جفنيك اللذين بقيا محلقين، ابتسامتك المتحفظة، ابتسامتك المبهمة، الباسلة، أريد أن أرى من جديد ابتسامتك الرائعة». 

لا يخفى على المتتبع لحياة عميد الأدب العربي، التأثير الكبير لزوجته الفرنسية التي جعلت منه إنساناً آخر، على حد تعبيره لأبنته أمينة!

فهذه المرأة الفرنسية التي ترددت طويلاً قبل الموافقة على الزواج من رجل عربي، مسلم، وكفيف البصر، تمكنت في النهاية من احتوائه، واستطاعت أن تتعامل مع نوبات الاكتئاب التي كان يتعرض لها من وقت إلى آخر، وتفهمت اعتزاله عن كل من حوله بمجرد سقوطه في بئر الاكتئاب العميق.

وفي المقابل كان طه حسين يحمل لها الحب والاحترام مستشعراً دورها الكبير في حياته، وهي تتحول بارتباطها به إلى عينيه اللتين يرى بهما العالم ويتنقل بهما بين سطور الكتب.

الحب الذي جمع بين الدكتور طه حسين وزوجته سوزان يمثل نموذجاً لعلاقة الحب المتكامل؛ التي لا تشترط أن يكون طرفاها متماثلين بمقدار ما أن تكون الأهمية فيها لأن يكمل كل منهما الآخر، علاقة تنحي النواقص والاختلافات جانباً وترأب التصدعات،وتمنح الحياة قدرتها على الاستمرار. 

الكثيرون من الأزواج يسعون بمجرد ارتباطهم بالطرف الآخر، أن يقضوا على أي  فوارق ممكنة وأن يجعلوا من الطرف الآخر نسخة مطابقة لا تختلف عنهم، وكأنه بذلك يضمن استمرارية الحياة وعدم حدوث المشاكل، ولكن الحقيقة أن الاختلاف بين الطرفين قد يعطي الحياة معاني وأبعاداً قد تزيد من الارتباط والتماسك بين أطرافها ؛ فكل طرف وقتها يقبل على الآخر وهو يعلم أن لدى الآخر ما يفتقده وما يتممه، وبالتالي فإن أي مصاعب قد تقابلهما في الحياة يكون لهما القدرة لتجاوزها والتعامل معها بحنكة.