دعونا نستمتع بصوت محمد عسّاف

صوت المطرب الفلسطيني محمد عسّاف، معجون بالحنين إلى الأرض العتيقة وأزقة الحواري والأسوار التي تراشقت آثار الدماء على حيطانها، ففي قصته ينمو الأمل في مخيلة كل طفل فلسطيني صغير، رأى في إبن خانيونس، مثالاً للتضحية والجهد والتعب، حتى صار اسمه مرادفاً لاسم وطنه، يسيران معاً شبراً بشبر وحرفاً بحرف.لكن الفت

صوت المطرب الفلسطيني محمد عسّاف، معجون بالحنين إلى الأرض العتيقة وأزقة الحواري والأسوار التي تراشقت آثار الدماء على حيطانها، ففي قصته ينمو الأمل في مخيلة كل طفل فلسطيني صغير، رأى في ابن خانيونس، مثالاً للتضحية والجهد والتعب، حتى صار اسمه مرادفاً لاسم وطنه، يسيران معاً شبراً بشبر وحرفاً بحرف.
لكن الفتى الشاب الذي يدشن اليوم 1 سبتمبر، عقده الثالث من عمره الفتي، يحمل على عاتقه تركة ثقيلة ألقاها على كتفيه، أشخاص لا حصر لهم يقفون في طابور طويل ومتنوع التوجهات والمشارب والأفكار والانتماءات، ظلوا يبحثون منذ رحيل محمود درويش (9 اغسطس 2008)، عن كتف يلقون عليه، هم وأمل وشرف القضية الفلسطينية، حتى سنحت أمامهم فرصة ذهبية، تمثلت في تتويج ابن غزة الأسمر في (22 يونيو 2013) محبوباً للعرب، ليزيحوا ثقل المسؤولية عنهم، ويراكموها على فتى يافع لا يملك إلا صوته، ودعاء والديه الذي رافقه، عندما قرر (أن ينط) عن الشبك الحدودي، ويهرب باتجاه العاصمة المصرية ليخضع لاختبارات لجنة أداء برنامج اكتشاف المواهب (آراب أيدول).

مطرباً للقضية
من أرادوا حصر عسّاف في مربع فلسطين، ليكون (فقط) صوت بلده وقضيته، هم الذين أمّنوا على من قال عنه: (نجح لأنه فلسطيني) وكأنها تهمة، لكن هذه (التهمة/الشرف)، لم يتخل عسّاف عنها، بل وأكدها مراراً في كل الأغاني والمهرجانات الكبرى والبلدان التي زارها حول العالم، منذ أغنيته الأولى (عليّ الكوفية)، مروراً بالأغنيات التي تنكهها الموسيقى الفلسطينية الشعبية، وحتى آخر أغانيه (سلام الله)، ليؤكد دائماً أن لا أحد يفوقه في الإحساس بأبناء بلده ومعاناتهم وقضيتهم، فالفلكلور يطوعه برقة المشتاق. لكن السؤال الذي يراق دماً وعلناً كلما أراد عسّاف أن يعيش حياته!: لماذا يطلب من محمد عسّاف أن يبقى حبيس الدماء التي تنزف من قلوب الفلسطينيين؟.. عساف كتلة من الاحساس بإمكانها أن تحلق، حاملة معها مستقبل فلسطين وحق شعبها بأن يعيش كما باقي البشر، دون دماء ودون ألم.
فلسطين هي الوجه الآخر لمحمد عساف، وسواء قبل أم لم يقبل، ستبقى قضية بلده في صوته وفي أغانيه، وفي رائحة تواجده، أينما حل وأينما ظهر؛ فهو أول وجه فني فلسطيني استطاع اختراق البيوت العربية، فكل التجارب الفنية السابقة، على أهميتها، (دلال أبو آمنة، ريم بنا، عمار حسن) وسواهم، ظلت تدور في إطار التعاطف الإنساني مع الشعب الفلسطيني، رغم أن من سبق ذكرهم، يحملون بين طيات تجربتهم الغنائية المتأصلة بالأرض والإنسان والحياة، بقيت محدودة الانتشار الجماهيري.

كسر القاعدة
لا تحملوا محمد عسّاف فوق طاقته، ولا تجهزوا له مشانق أقلامكم، ولا تحشروه فقط في زاوية الوطنية، دعونا نستمتع بصوته فقط، فإن أراد أن يحلق كشاب في سماء الأغاني العاطفية، لا ترجموه، ولا تعتبرونه ضالاً عن الطريق، فعسّاف الذي كسر قاعدة برامج اكتشاف المواهب، التي لم تُقدّم لخريجيها شيئاً، استطاع بصوته القوي وأغنياته القليلة أن يحشد وراءه جمهوراً يدافع عن وجوده وأحقيته بأن يكون جاذباً للناس من خلال أغانيه، فهو اختصر مسافة زمنية كبيرة بالإنجازات الفنية التي حققها في مسيرة سبع سنوات، وتعدى الكثير من الفنانين الذين (غفوا وناموا واستراحوا) وهم ينظرون للشاب الفلسطيني الأسمر، وهو يتخطاهم بذكاء فني وكاريزما وصوت قوي.