لا يسهم اكتشاف الفضاء الخارجي، في إزالة الستار عن أسرار الكون فقط، بل يساعد أيضاً في بناء الإنسان والدولة، الإنسان الذي يمتلك المهارات والمعرفة التي تؤهله لاستكشاف الفضاء، والدولة التي تمتلك العلم والتكنولوجيا اللازمة لتحقيق التقدم والتنمية المستدامة بمفهومها الشامل، وهذا ما وعته دولة الإمارات عندما طورت المناهج الدراسية، وأطلقت العديد من الفعاليات والمبادرات، إلى أن نجحت في تحويل طموحاتها في مجال الفضاء، إلى واقع ملموس وإنجازات عظيمة.

ومع انطلاق «مسبار الأمل» في يوليو الماضي نحو كوكب المريخ، دخلت دولة الإمارات بشكل رسمي السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي، مستندة في ذلك على استراتيجية وطنية رائدة للفضاء، وكوادر إماراتية متخصصة، وإطار تشريعي منظم، وشراكات دولية لنقل المعرفة والتكنولوجيا. «زهرة الخليج» تستطلع آراء الخبراء حول أهمية اكتشاف الفضاء، والنفع المرجو منه.

أبحاث الفضاء

يؤشر الدكتور ديميترا آتري، عالم الفلك والباحث في مركز علوم الفضاء بجامعة نيويورك أبوظبي، على النفع الذي ستعود به أبحاث الفضاء على البشرية، ويقول: «تعمل أبحاث الفضاء على تطوير العلوم الأساسية، ما يؤدي إلى تطوير تكنولوجيا أفضل لتعود بالنفع على المجتمع على المدى البعيد، فعلى سبيل المثال، تقنية نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) التي نستخدمها في هواتفنا المحمولة، اليوم هي واحدة من التقنيات التي تم تطويرها بفضل أبحاث الفضاء».

ويلفت آتري إلى أن أبحاث الفضاء تتطلب معرفة متقدمة في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وهو ما تعمل على تذليله دولة الإمارات، من خلال إعداد الشباب، لإتقان هذه التخصصات التي تشكل أساس جميع الاقتصادات الحديثة في العالم.

وعن جهود دولة الإمارات نحو الدراسات والأبحاث العلمية وتأثير مهمة «مسبار الأمل» والنتائج المترتبة على ذلك، يسترسل عالم الفلك قائلاً: «تساعدنا مهمة المسبار، في الإجابة عن بعض الأسئلة المهمة في علم الكواكب، مثل، كيف فقد المريخ غالبية غلافه الجوي؟، وكيف يؤثر إشعاع الشمس على المريخ؟، وهل كانت هناك حياة على كوكب المريخ؟، وهل هناك إمكانية لإيجاد الحياة عليه في الوقت الحاضر؟. فدراسة كيفية تأثير النشاط الشمسي على المريخ، تساعد على تطبيق التقنيات ذاتها على الأرض، فعلى سبيل المثال، العاصفة الشمسية التي حدثت عام 1989 كانت قوية، لدرجة أنها أغلقت شبكة الكهرباء في كندا، إذ يمكن لهذه العواصف تعطيل الاتصال بالأقمار الصناعية، والأبحاث التي سيتم إجراؤها باستخدام المعلومات الواردة من الأبحاث الفضائية، ومهمة (مسبار الأمل) ستمكننا من حماية كوكبنا من مثل هذه الأحداث في المستقبل».

قواعد علمية

يقول الدكتور إيهاب خليفة، رئيس وحدة متابعة التطورات التكنولوجية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، عن أهمية استكشاف الفضاء الخارجي، إن دولة الإمارات اهتمت ببناء قاعدة علمية تخدّم على صناعة الفضاء، فقامت بإنشاء وكالة الإمارات للفضاء، وأنشأت مركز محمد بن راشد للفضاء، فضلا عن وجود شركات وطنية مثل الثريا وياه سات. ويضيف: «جاءت عملية إطلاق (مسبار الأمل)، ليعطي أملاً للجميع، بأن المستحيل ممكن، ويرسل رسالة إلى العالم أجمع بظهور قوى جديدة في مجال استكشاف الفضاء الخارجي، وهي دولة الإمارات التي باتت تمتلك بنية تحتية قادرة على إرسال البعثات الفضائية في مهمات استكشاف طويلة الأمد».

ويرى الدكتور خليفة أن المهمة الأصعب من عملية إطلاق المسبار، هي القدرة على تشغيله حتى تحقيق مهمته بنجاح، والتي منها الحفاظ على مساره بدقة شديدة للغاية حتى الوصول إلى المريخ، والقدرة على تعديل مساره من وقت لآخر بنجاح، لمتطلبات مثل شحن ألواح الطاقة الشمسية أو لتوجيه الهوائي لإرسال المعلومات إلى الأرض، ثم العودة إلى مساره الطبيعي مرة أخرى، مؤكداً أنها «عملية تتطلب مهارات وقدرات فنية وتكنولوجية شديدة التعقيد، وكوادر بشرية مؤهلة ومدربة وقادرة على التحكم في مسار المسبار». ويضيف: «ما يجعل (مسبار الأمل) متميزاً، أنه تم تصميم برمجياته بحيث يكون ذاتي التحكم قدر المُستطاع، وقادراً على اتخاذ القرار لتصحيح مساره دون الحاجة إلى أي تدخل بشري مستمر، وذلك لأن عند اقترابه من كوكب المشتري، سيكون هناك تأخير في عملية ارسال الإشارات اللاسلكية لمدة تتراوح من 13 إلى 26 دقيقة، وهو ما يجعل عملية التحكم اللحظي في المسبار أمراً غير ممكناً، مما يحتم على المسبار التحكم في مساره بصورة ذاتية».

قوى جديدة

يرى الدكتور رياض المهيدب مدير جامعة زايد سابقاً، أن علوم الفضاء جزء من العلوم الحديثة التي شهدت إقبالاً كبيراً، من الطلاب لدراستها في السنوات الأخيرة، خاصة بعد تطوير الدولة للمناهج التعليمية وفتح المجالات أمام الطلاب للابتكار، وإطلاق العنان لتقديم المزيد من الإبداعات في علوم الفضاء، وأصبحت نظرة الطلاب إلى دراسة الفضاء أعمق، وأصبح مسمى «عالم فضاء» و«رائد فضاء» ضمن الاختيارات الطلابية للوظائف المستقبلية.

ويؤكد المهيدب أن «مسبار الأمل»، ومن قبله الرحلة التاريخية لرائد الفضاء هزاع المنصوري للمحطة الدولية، فضلاً عن اهتمام الدولة بتطوير التعليم وإطلاق المبادرات والفعاليات التي تهتم بمجال الفضاء، كانت مصدر إلهام كبير للشباب وطلاب المدارس والجامعات، وتحفيزهم للاتجاه نحو دراسة الفضاء كجزء من العلوم الحديثة المرتبطة به كالهندسة والعلوم الحيوية لقيادة عجلة الابتكار. ويضيف: «اهتمام الإمارات بعلوم الفضاء والفلك لم يكن وليد اللحظة، فهو موجود منذ أن التقى المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في السبعينيات مع فريق وكالة ناسا، ثم تأسيس شركتي الثريا والياه للاتصالات الفضائية، لاسيما وأن الدولة ومنذ ذلك الحين، وهي تطور التعليم لتشجيع الطلاب على البحث والمعرفة».

أسرار جديدة

يعيد الدكتور ديميترا آتري، عالم الفلك والباحث في مركز علوم الفضاء بجامعة نيويورك أبوظبي، السبب في التركيز على كوكب المريخ في معظم أبحاث الفضاء، إلى أن الكوكب الأحمر شبيهاً بكوكب الأرض، وتم العثور على مسطحات مائية على سطحه مع احتمال وجود حياة بدائية عليه أيضاً. ويضيف: «سهولة الوصول إلى كوكب المريخ، وتشابهه نسبياً مع كوكب الأرض، يجعله مكاناً مثيراً لإجراء الأبحاث بالنسبة للعلماء، ففي كل مهمة جديدة تذهب إلى المريخ، نكتشف أسراراً جديدة، تساعد على بناء فهم أفضل ليس فقط لكوكب المريخ، ولكن لكيفية تشكل وتطور جميع الكواكب».