بطاقة

الاســــم:  ليال      |      العمـــر: 38 عــامـاً     |      المهنــة: عاملة في دور حضانة     |      الحالـــة: رهـاب العمـر

كانوا يبتسمون لها ويتهامسون قائلين: (يا لها من طفلة جميلة خجولة). وكبرت وهي تتجنب التكلم بصوتٍ عالٍ أو التعرف على أناسٍ جدد أو إبداء الرأي جهاراً، وها قد أصبحت امرأة ناضجة لكن خجولة، ترتبك غالبا، وتحمرّ سحنتها وتتعرق عند كل مديح أو مواجهة أو لقاء. فما بالها؟ لماذا يلازمها هذا الخجل؟ وماذا لو كانت مصابة بالرهاب الاجتماعي؟ هل هي مريضة أم خجولة؟ هل يعيش الإنسان، كل العمر، أسيراً لهذه الحالة؟ وهل من علاج يحررها من حالتها التي منعتها من التحليق عاليا؟

حالة خجل

كثيرون يعيشون عمرهم وهم يصنفون بـ «طبع خجول»، ويحاولون عبثا التخلص من حالتهم والتحرر من الهلع الذي يلازمهم، ويمنعهم من الإدلاء بآرائهم بحرية والمشاركة في النقاشات العامة ويحُول في أحيان كثيرة، دون تقدمهم في أعمالهم.  حين نسأل الطبيب النفسي سمير جاموس، عن حالة الخجل التي تلازم ليال، يجيب بسؤال: «ومن قال لكم أن ليال خجولة؟ من قال لكم أن ليال لا تعاني من الرهاب الاجتماعي؟». ويضيف: «يأبى كثيرون تسمية حالة الرهاب الاجتماعي باسمِها ويعتبرون أنهم إذا سموها خجلا يُحسنون إلى المصاب أو المصابة بها، الخجل حالة طبيعية لكن حين يبدأ بتعطيل حياة الإنسان ومشاغله، ويمنعه من التعاطي مع الآخرين، ويؤثر على ترقيته في العمل، ويحول دون إمكانية الشخص الوقوف أمام مجموعة ما وتقديم محاضرة أو تقرير ما، من صلب عمله، يكون قد دخل متاهة مرض الرهاب الاجتماعي. وما لا يعرفه كثيرون، ممن يمضون الحياة في رهاب اجتماعي، أن علاجهم لا يتعدى حبة دواء».

اضطراب القلق

من يخشى من محاكمة الآخرين، ويشعر بتصبب العرق وتبعثر الكلمات في المواقف الاجتماعية اليومية، ويفضل تجنب مقابلة الأشخاص الجدد، يعاني من اضطراب القلق الاجتماعي. وهذا ليس خجلاً بل مرضا.

هذا القلق يُعرف بالرهاب الاجتماعي وهو حالة نفسية لا مجرد طبع يتحلى به الإنسان. إنه خوف شديد من حكم الآخرين، يمكن أن يؤثر على العمل والمدرسة والأنشطة اليومية المتنوعة، حتى أن هذا التأثير قد يمنع من تكوين صداقات أو الحفاظ عليها، والعلاج يساعد كثيرا في التغلب على الأعراض.

حدود الخجل

يُعرّف الطب النفسي الخجل على أنه «الوعي الذاتي المفرط والتقييم الذاتي السلبي، استجابة للتفاعلات الاجتماعية أو التخيلات». وبالتالي قد يتشارك الإنسان الخجول مع الإنسان المصاب بالرهاب الاجتماعي بعلامات عدة، لكن يبقى للرهاب تأثير مدمر أعمق من تجربة الخجل وأقسى، إلى حدّ أنه قد يمتنع حتى عن استخدام مرحاض عام أو التحدث عبر الهاتف أو تناول الطعام في مكان عام. والطبيب النفسي هو من يُحدد نوعية الإصابة. في كل حال، الخجل لا يعتبر اضطراباً نفسياً، إلا أن هذه التجربة قد تؤدي إلى مشاكل في الحياة الشخصية والاجتماعية والمهنية للأفراد الخجولين، الذين قد يشعرون بالوحدة والقلق. ويهم معرفة أن هناك أشخاصاً يولدون بميل مزاجي للخجل، ويتأثر الطفل باللوم وبالثناء، ما يجعله منطويا على ذاته أو متحرراً. فيما يتأثر القلق الاجتماعي بشكلِ التربية، كأن يسمع الطفل باستمرار أهله يدعونه إلى مغادرة الصالون إلى غرفته وهم يتابعون برنامجاً تلفزيونياً أو عند وجود ضيوف.

تأثير الأهل

الأهل يؤثرون في طباع الطفل نحو الأفضل أو الأسوأ.  قد ننظر إلى من نظنهم يعانون من الخجل الشديد والقلق الاجتماعي على أنهم ضعفاء، غير مدركين أنهم يعانون من الألم النفسي الشديد، عبر ابتعادهم عن المجتمع وتخليهم عن هواياتهم ورعبهم من التعبير عن الرأي والموقف. ويشير علم النفس التنموي أن ثلث البالغين الذين يعانون من القلق الاجتماعي ولدوا بمزاج يميل إلى الخجل، وعززت فيهم التربية هذا الشعور. ونحو 20% من الرضع يولدون بمحفزات ومنبهات تجعلهم يمدون أذرعهم وأقدامهم مؤقتا، أو يقوسون ظهورهم، حين يواجهون أشخاصا أو أحداثا غير مألوفة ويعبرون عن قلقهم بالبكاء الشديد. والرهاب الاجتماعي الشديد ليس دلالاً ولا ضعفا، بل مرضا يتطلب العلاج النفسي.

  • النجمة سلمى حايك واحدة ممن عانين من الرهاب المسرحي قبل أن تتغلب على مخاوفها، إذ كانت تخشى الظهور أمام الناس.

حين يهرب الفنان من جمهوره

باللغة الفرنسية يسمونها le trac وبالإنجليزية stage fright، أما بالعربية فنعرفها برهبة المسرح. الطبيب النفسي سمير جاموس يتحدث عن معالجته عددا من الفنانين والفنانات، الذين عانوا طويلا من رهبة الصعود على المسرح ومواجهة الجمهور ودواؤهم كان (حبة دواء) يتناولونها يومياً، فيمكنون من مواجهة الرهبة التي تدوم عند البعض لحظات وقد تطول وتطول وتطول عند آخرين.

في كل حال، بالعودة إلى نجوم كبار عرفناهم وأحببناهم، نجد من عانوا طويلا من تلك الرهبة. فمن هم وكيف تجاوزوها؟

• الممثلة المكسيكية - الأميركية سلمى حايك، اللبنانية الجذور، عانت كثيرا من الرهاب المسرحي. وعبثا حاولت معرفة السبب. هي كانت تخاف من الظهور وفي نفس الوقت كانت تخاف من اللاظهور. معاناة حقيقية.

• نجمة تلفزيون الواقع الأميركية كيم كارداشيان التي يظنها كثيرون وقحة وقوية، اعترفت أنها تخجل أن ترقص في ملهى، أمام الناس. هي تخجل من ذلك كثيرا وتراودها أفكار سلبية كثيرة. وهي بالتالي متحفظة جداً وغير صريحة وتتمنى لو تبقى على انفراد. وهذه صفات تُخفى غالباً عن الإعلام.

•  الممثلة الناعمة نيكول كيدمان، طالما اعترفت عن قلقها الهائل، خصوصا وهي تمشي على السجادة الحمراء، وعن يديها اللتين ترتجفان وصعوبة تنفسها أمام الكاميرا، مشيرة الى أنها نجحت، مع تقدمها فنياً، من مواجهة هذا القلق والحياء.

• تقول نجمة البوب الشقراء بريتني سبيرز أنها تعاني أيضاً من الخجل.

• أيضاً النجمة كيم باسنجر، تحاول أن تعزف على البيانو للتعبير عن قلقها، وتُحبذ البقاء منفردة، وتحاول تجاوز بعض المواقف بتناول مشروبها المفضل، الذي يهدئ من توترها، ويتكون من التوت البري وشاي الهندباء.

•  المغنية الأميركية أديل تشعر برهاب هائل في كل مرة تقف فيها أمام الجمهور، وهي هربت في إحدى حفلاتها في أمستردام من مخرج الحرائق، كي تتجنب مواجهة جمهورها، وتعترف بعصبيتها الهائلة في مثل هذه المواقف وأنها تكره التجول وتعاني من نوبات قلق شديدة.

«رهاب» بالعين المجردة

ثمة إشارات قد تنهي هذه الجدلية في اتجاه تأكيد الإصابة بالرهاب وهي:

• الاحمرار والتعرق والارتعاش وتسارع ضربات القلب والشعور بالغثيان.

• الامتناع عن التواصل بالعينين والتحدث بصوت خافت وتصلب الجسد وكأنه قطعة يابسة.

• الخوف الشديد من حكم الآخرين.

• الابتعاد عن الأماكن العامة وحيث يوجد غرباء.

• عدم القدرة على الكلام في الأماكن العامة على الرغم من المحاولة.