متعافون من «كورونا»: وُلدنا من جديد

مر المتعافون من فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»، بتجارب إنسانية غير مسبوقة تجاوزوها بسلام، بعد أن قاوموا أعراض الفيروس وهم في عزلة بعيداً عن الأهل والأحبة، فتغلبت في النهاية رغبة البقاء على مخاطر الموت، متسلحين بعزيمة إرادتهم الصلبة، وملتزمين بتعليمات الجهات الصحية والوصفات الدوائية والنفسية. «زهرة

مر المتعافون من فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»، بتجارب إنسانية غير مسبوقة تجاوزوها بسلام، بعد أن قاوموا أعراض الفيروس وهم في عزلة بعيداً عن الأهل والأحبة، فتغلبت في النهاية رغبة البقاء على مخاطر الموت، متسلحين بعزيمة إرادتهم الصلبة، وملتزمين بتعليمات الجهات الصحية والوصفات الدوائية والنفسية. «زهرة الخليج» التقت متعافين من فيروس كورونا، ثمنوا ما قدمته لهم دولة الإمارات من رعاية صحية وإنسانية ونفسية، وسردوا قصصهم مع المرض، التي عبروا عنها قائلين: «ولدنا من جديد».

مساعدة الآخرين

تروي ولاء إسماعيل حكايتها مع الفيروس بالقول: «كوني مهندسة يتطلب عملي الاختلاط بالعمال في مواقع الإنشاء، وحتى خلال جائحة كورونا لم أتوقف عن العمل، وكنت أتبع التدابير الاحترازية لكن أصيبت بالفيروس، حيث بدأت أشعر بحرارة مرتفعة ودوار وسقطت مغشياً عليّ في موقع العمل، في البداية ظننت أنني أصبت بضربة شمس، لكن بعد أن ذهبت للمستشفى تم إجراء مسحة كورونا، وكانت النتيجة إيجابية. فقمت بحجر نفسي بالمنزل لمدة شهر كامل، أسبوعين خلال المرض وأسبوعين بعد الشفاء بناء على تعليمات الطبيب، وفي هذه الفترة ذهب زوجي وطفلتي الوحيدة إلى منزل والدته وبقيت بمفردي في المنزل».

 تلفت ولاء النظر إلى أن أسوأ يوم مر بها هو اليوم السادس من اكتشاف المرض، إذ شعرت فيه بتسارع دقات القلب وضغط على الصدر وصعوبة بالتنفس، فما كان منها إلا أن نطقت الشهادتين، وتقول: «انتظرت الموت بين لحظة وأخرى، إلا أن فضل الله كان كبيراً ومرت الليلة بسلام».

توقفت ولاء عن مواصلة الحديث، وكأنها تسترجع شريط ذكرياتها، قبل أن تضيف: «أشعر بمشاعر غريبة ومختلطة، كلما فكرت في الأحداث الصعبة التي مرت بي، لكنني سعيدة جداً بخوض تلك التجربة لأنها علمتني كثيراً، وأشعر بأنني ولدت من جديد، وبدأت أشعر بالآخرين وآلامهم. وحالياً أقوم بعمل تطوعي لمساعدة الناس المصابين بالفيروس، وأرشدهم وأقف إلى جوار أسرتهم ألبي طلباتهم واحتياجاتهم، حتى يعودوا لبيوتهم من الحجر الصحي، وأتمنى أن تزول هذه الجائحة قريباً وأن يحفظ الله الجميع ولا يمروا بما مررت به».

بمحض الصدفة

يشير أحمد مصطفى المري إلى أنه علم بإصابته بالفيروس هو وزوجته بالصدفة، ويشرح: «كنت ذاهباً للطبيب مع زوجتي المصابة بالسكري للمتابعة الدورية، وفكرنا في عمل المسحة من باب الاطمئنان على أنفسنا، رغم عدم معاناتنا من أي أعراض، كما كنا أساساً حجرنا أنفسنا بمنزلنا مع أبنائنا طوال الوقت ولا نخرج إلا للضرورة، وبعدما انتهينا من زيارة الطبيب، فوجئنا باتصال من المستشفى يبلغنا بأن نتيجة المسحة الخاصة بي وبزوجتي إيجابية، فهرعنا فوراً للاطمئنان على أبنائنا الأربعة، خاصة أصغرهم سناً وهي رضيعة لم تتجاوز عامها الأول، وكانت الصدمة الثانية وهي أن نتيجة المسحة الخاصة بهم أيضاً.. كانت إيجابية».

يؤكد أحمد أنه شعر هو وزوجته بصدمة كبيرة ولا يخفي أنهم شعروا بالانزعاج من نتائج مسحات الفيروس الإيجابية، لا سيما أن زوجته مريضة سكر، ويوضح: «توكلنا على الله عز وجل وتسلحنا بالأدوية والرعاية الطبية التي وفرتها للمصابين دولة الإمارات، وحجرنا أنفسنا في المنزل لمدة 20 يوماً، كنا أثناءها نتابع مع الطبيبة بالهاتف تطورات أوضاعنا الصحية حتى منَّ علينا رب العالمين بالشفاء».

لا ينسى أحمد الموقف الذي حدث معه أثناء إصابته هو وعائلته بالفيروس، شارحاً: «كنت في حالة نفسية سيئة، واتصلت بالمسؤولين عن الرد عن استفسارات مرضى الفيروس، وأجابت على مكالمتي طبيبة نفسية، أكاد أجزم أن الله جعلها سببا في شفائنا. فالطبيبة بقيت تتحدث معنا لأكثر من ساعة، وترفع من معنوياتنا وتؤكد لزوجتي أنها صغيرة بالعمر، وأنها ستشفى إذا أرادت ذلك، وطلبت منا القيام فوراً باستخدام اليوتيوب ومتابعة قناة تقدم جلسات تمارين رياضية مع مدرب، وطلبت منا ممارسة الرياضة معه ونستمع للموسيقى، وأن نقرأ ونمارس هواياتنا ونستمتع بأوقاتنا وأن نعيش حياتنا بشكل طبيعي، وجعلتنا نشعر وكأننا في رحلة ترفيهية، ولسنا مرضى كورونا، وبالفعل هذا ما حدث وباتت مرحلة العزل والمرض مثل الحلم الذي تناسيناه، ولم يبقَ منه غير تلك الطبيبة الحكيمة الرائعة التي أخذت بأيدينا إلى بر الأمان».

متابعة المتعافين

حول الإجراءات الخاصة بمتابعة المتعافين من فيروس كورونا، تؤكد الدكتورة فريدة الحوسني، مديرة إدارة الأمراض السارية بمركز أبوظبي للصحة العامة، والمتحدث الرسمي عن القطاع الصحي بدولة الامارات، أنه تم التعميم على جميع المنشآت الصحية في الدولة، وكإجراء احترازي ووقائي، بعدم خروج أي مصاب بالمرض من المستشفى إلا بعد التأكد تماماً من شفائه، وعدم وجود أي أعراض لديه.

وتضيف: «من الضروري لأي شخص متعافٍ عندما تظهر عليه أي أعراض تنفسية أو حرارة بعد خروجه من المستشفى التواصل مع الجهات الصحية، ومراجعة أقرب مركز صحي للكشف وإجراء الفحوصات اللازمة».

وتلفت إلى أن ما تم تداوله في التقارير العالمية حول إصابة الشخص بالفيروس مرة أخرى هي حالات لم تتماثل للشفاء بشكل كامل، وخرجت من المستشفى، مما يعني أن المريض لم يتعافَ، وأن الأمر متعلق بدقة الفحص في المستشفى، أو عدم إعادة الفحص أكثر من مرة، مع التأكد من التعافي من كل الأعراض، وتكرار الفحص مرتين كحد أدنى.

 

سلوكيات صحية

وتشير الحوسني إلى أن ارتفاع حالات الشفاء بين المصابين، يرجع إلى أن أغلب الحالات البسيطة التي تشافت في الدولة، اتبعت عدداً من السلوكيات الصحية اليومية، في مقدمتها خمسة أنشطة شملت القيام بممارسة الرياضة، واتباع نظام غذائي صحي لتقوية الجهاز المناعي، والمحافظة على الوزن المثالي، والامتناع عن التدخين، بالإضافة إلى الحالة النفسية للمريض، حيث إن الجانب النفسي والممارسات الصحية يساعدان في رفع المناعة ومقاومة الأمراض، وبالتالي يسهمان في تسريع عملية التعافي من المرض. وتؤكد الحوسني أن بعض التقارير أثبتت أن فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» يترك بعض الآثار لدى فئة قليلة جداً من الأشخاص الذين يتعافون من الإصابة.

تجربة قاسية

من جهته، يشير الدكتور نجيب محفوظ، استشاري اجتماعي إلى الحالة النفسية للمصاب بالفيروس، خاصة عندما يشعر بابتعاد الجميع عنه، خاصة أقرب الناس إليه وهو في أمس الحاجة لهم، ويقول محفوظ: «يعود المريض لحياته الطبيعية أقوى بدنياً لمجابهة مصاعب الحياة في المستقبل. فهو يعود كمولود جديد يفرح بقدومه أفراد الأسرة والأقرباء والمحبين، كما لم يفرحوا بوجوده من قبل، نعم إنها تجربة قاسية بدنياً، واجتماعياً، ونفسياً، ولكن على قدر قسوتها يكون المردود الإيجابي على المريض ومن حوله. لذا وجب علينا جميعاً أن نتخذ من قصص هؤلاء المتعافين عظة وعبرة، وكل ما علينا هو الحرص الشديد لتطبيق التدابير الاحترازية، إذ إن الوقاية خير من العلاج».