زهير مراد: «خلطة» بيروت لا تشبه أي مدينة أخرى

يحظى زهير مراد مصمم الأزياء اللبناني العالمي الشهير، بشعبية كبيرة بين شهيرات هوليوود اللواتي يتهافتن على ارتداء تصاميمه للهوت كوتور، فضلاً عن نجمات الفن اللبناني والعربي. وتنتظر النساء حول العالم ما يقدمه في أسابيع الموضة، ليكون لهن نصيب من الجمال الذي يغزله على قوام المرأة. في أغسطس الماضي تسبب الا

يحظى زهير مراد مصمم الأزياء اللبناني العالمي الشهير، بشعبية كبيرة بين شهيرات هوليوود اللواتي يتهافتن على ارتداء تصاميمه للهوت كوتور، فضلاً عن نجمات الفن اللبناني والعربي. وتنتظر النساء حول العالم ما يقدمه في أسابيع الموضة، ليكون لهن نصيب من الجمال الذي يغزله على قوام المرأة. في أغسطس الماضي تسبب الانفجار الكبير الذي حصل في مرفأ بيروت بتدمير مقره الرئيسي، فخسر 90% من محتوياته وأرشيفه، فجع المصمم المتعلق بمدينته ووطنه والمتفاني بعمله بالكارثة التي حلت بمدينته وسكانها، والتي أصابته بالضرر المادي كغيره من اللبنانيين وغير اللبنانيين الذين فقدوا أرواحهم وممتلكاتهم وخسروا أرزاقهم.

لم يقف زهير مراد مكتوف اليدين أمام هول الفاجعة، بل انتفض من تحت الركام ليصمم قمصاناً (تي شيرتات) للجنسين تحثّ الناس على الأمل والنهوض من بين الرماد للملمة جراح الوطن، وحمّل رسالته هذه بعبارة Rise From The Ashes، وطرحها للبيع على أن تذهب أرباحها لصالح إحدى الجمعيات الخيرية، التي تهتم بمساعدة المنكوبين وترميم منازلهم المهدّمة. مع «زهرة الخليج» يتحدث زهير مراد عن ألمه وأمله ورسائله المتعددة، فضلاً عن أحلامه وخططه المستقبلية، في حوار وتصوير حصريين أقيما في معلم أثري رمزي بيروتي هو متحف «سرسق».

• بيروت القديمة ماثلة في ذاكرة اللبنانيين، ما المشاهد التي تحفظها وتريد استعادتها؟

- ما أحفظه من بيروت شوارعها الجميلة، الهندسة المعمارية الجميلة لبيوتها الأثرية، وحتى المباني الجديدة، أي التناقض بين القديم والجديد، هذه الخلطة الغريبة الموجودة في الشعب اللبناني التي نلحظها في المقاهي، الشوارع، الكورنيش والمطاعم والسهرات الحلوة. هناك خلطة موجودة في بيروت لا تشبه أي مدينة عربية أخرى، تجعلها مميزة وتبقي الشعب اللبناني متذكراً لها ولا ينساها، لذلك نحن نطمح لإرجاع هذه الصورة لبيروت لأنه لا يليق ببيروت إلا الجمال. 

• ما الذي يحفزك ويحفز اللبنانيين على الصمود في وجه المحن والنهوض من بين الركام؟

- حب الوطن، حب الأرض، والترابط العائلي الذي تربينا عليه في لبنان، الموجود طبعاً في غير لبنان، ولكن في لبنان هو موجود بطريقة مختلفة، وهذا ما يجعلنا متمسكين بأرضنا ومصرين على البقاء في لبنان، رغم كل المحن والظروف التي تواجهنا.

• ما حلمك الشخصي للبنان ورسالتك إلى اللبنانيين؟

- حلمي الشخصي هو السلام وهو أقل شيء يجب أن يكون موجوداً عندنا، لأننا ولدنا أثناء الحرب وتربينا في الحرب وما زلنا نعيش مشاكلها وخلافاتها، ما أحلم به هو السلام، لأنه متى ما توافر السلام يوجد كل شيء. رسالتي للبنانيين ألا يهاجروا ولا ييأسوا وأن يظلوا متفائلين بلبنان، وأن يفكروا أن الغد أفضل من اليوم، لأن الهجرة ليست السبيل الوحيدة لإيجاد الحل، على العكس فإننا عندما نهاجر من لبنان نسهم في زيادة المشكلات والخلافات والحروب والفتن، وبصمودنا ووجودنا في لبنان نكون متماسكين وندافع عن رؤيتنا وفكرنا وبهذه الطريقة نحافظ على لبنان أكثر.   

مشاهير عالميون

• سخّرتَ إمكانياتك وانتشارك العالمي في إطلاق مبادرتك، وتلقّفها المئات من المشاهير العالميين والعرب وتضامنوا مع حملتك، إلى أي درجة يسهم وجود هؤلاء في لفت النظر إلى الحملة؟ وماذا حققتم من ورائها؟ 

- إسهام المشاهير في ارتداء الـ«تي شرت» أعطى الحملة طابعاً عالمياً وقيمة كبيرة، مثل: جينيفر لوبيز، كورتني كوكس، شاكيرا، ريكي مارتينز وسيلين ديون وغيرهم. يبلغ عدد معجبيهم ومتابعيهم الملايين حول العالم، وهذا ما أسهم في نجاح الحملة وتحقيق مبلغ مادي كبير، وما جمعناه ذهب لترميم بيوت المتضررين من جراء انفجار بيروت، وخصص لإحدى الجميعات الخيرية التي تساعد المنكوبين على ترميم منازلهم. 

• هل تفكر في استثمار هذا التعاطف العالمي في مبادرات أخرى قد تؤتي ثماراً أكبر؟

- عندما أشعر بأن هناك ما يدعي أن أمد يد المساعدة لبلدي أو أي بلد عربي آخر يواجه مشكلة، وأجد أنني أستطيع المساعدة.. فلن أقصّر أبداً.

• بينما لم يجد كثير من اللبنانيين أمامهم سوى الهجرة للهروب، لم تفقد الأمل في لبنان أفضل، كيف ترى صورة وطنك الجديد؟

- لدي أمل في لبنان وأفكر بطريقة إيجابية وأحلم بأن الغد أفضل من اليوم والأمس، ولدي صورة لبنان الجميل في مخيلتي، وهي صورة لبنان التي أخبرنا عنها أهلنا ونراها في الصور والأفلام. وكلنا رجاء بأن يعود لبنان بوابة الشرق كما كان، ولبنان حلو وطبعاً سيكون أحلى بوجود السلام والطمأنينة والفرح الذي سيعود للبنانيين جميعاً، وأن يعود البلد السياحي الأول في العالم العربي، ويعود للعز الذي كنا نعيش فيه، ولهذا أنا باقٍ بلبنان، مع أنني قادر على الإقامة بفرنسا منذ زمن بعيد، ولكن تمسكي وحبي لهذه الأرض، يجعلني أتواجد في لبنان.. ومن لبنان أصل إلى العالم.

• نشرتَ صورة الرئيس الفرنسي مع السيدة فيروز، وأخرى وهو يزرع أرزة، في رأيك إلى ماذا تحتاج تلك الأرزة لتظل خضراء من زعماء وسياسيي لبنان أولاً وشعبه ثانياً؟

- أشكر الرئيس الفرنسي على مبادرته لدعم لبنان وإحلال السلام، وفيروز تمثل أرزة لبنان الشامخة التي تمثل لبنان حول العالم. لتظل الأرزة خضراء تتطلب أولاً من السياسيين أن يحبوا الأرز والوطن من قلبهم، وألا يكونوا أنانيين ويفكروا فقط في مصالحهم الشخصية، وأن يتوافقوا ويبذلوا المستحيل ليعم السلام في لبنان، وأطلب من الشعب كما سبق وذكرت عدم الهجرة وحب الوطن والتمسك بالأرض، وهذا ما يجعل من الأرزة شامخة إلى الأبد.

فساتين فرعونية

•  آخر مجموعة أزياء قدمتها بداية هذا العام، كانت عبارة عن فساتين فرعونية مصنوعة من الذهب، ما الفكرة التي أردت تقديمها للناس؟ 

- من المعروف عني أنني أروي قصة في تصاميمي، أو وحياً معيناً تدور حوله فكرة التشكيلة، لكن هذه المرة أحببت العودة لفكرة مصر القديمة والفراعنة. أحب هذه الحقبة والأزياء التي ميزتها والمختلفة عن غيرها من الحضارات، ووجدت موضوعاً جديداً لتقديمه لاقى استحسان الناس.

• تفوح رائحة الشرق في تصاميم الأزياء التي صممتها طيلة مشوارك، وحتى في الأزياء التي ارتدتها نجمات عالميات، هل تقصدت لفت النظر إلى مرجع يوحى إليك؟ 

- أنا لبناني، شرقي، عربي. وفي ذات الوقت لبنان بلد (كوزموبوليتي) أي فيه خلطة شرقية غربية مميزة، وهذا طبع تصاميمي التي تتضمن نفحة شرقية وغربية عصرية في الوقت نفسه، وهذا ما ميزني عن باقي المصممين، وكوّن لي بصمة خاصة في أزيائي، أفتخر بأن تصاميمي فيها نفحة شرقية لأن الشرق بالنسبة لي هو مرجع، ولطالما كان مصدر إلهامٍ للعديد من المصممين، نظراً لغناه في مجالات الأزياء والفن والطبيعة والنقوش والألوان والأقمشة، وأحببت أن يكون لكل ما سبق وجود وبصمة ولو صغيرة في أزيائي. 

• خسرت الكثير من أرشيفك وتشكيلات أزيائك جراء الدمار الذي لحق بمقرك الرئيسي في بيروت، ونهضت لتعوض ما راح، ما الذي استطعت إنقاذه واستعادته حتى الآن؟

- بصراحة تدمر 90% من المبنى، الأرشيف والأزياء. الدمار شمل كل شيء من ديكور، أعمال ولوحات فنية وأثاث، ولم يتبقَّ منه شيء، ما كان يهمني هو الأرشيف والاسكتشات والذي لم نستطع إنقاذ سوى 5 أو 10% منه، والباقي تمزق وتدمر نهائياً، ولكن الأهم أننا نجونا وسلمنا من الأذى فريق عملي وأنا، ولم نكن موجودين وقت الانفجار وهذا ما يجعلنا متفائلين بأننا سنبني أرشيفنا خلال السنوات المقبلة وكل شيء يعوّض.

ألم وإبداع

• هل توافق على النظرية التي تقول إن الألم ينتج إبداعاً؟ وهل ستترك أزمة لبنان الأخيرة بصماتها على تشكيلة أزيائك الجديدة؟

- طبعاً أوافق على هذه النظرية، لأنه دائماً الإبداع يأتي من وراء المعاناة أو الألم، وهذا أمر طبيعي. معروف أن أجمل إبداعات الفنانين في العالم أتت جراء ألم ومعاناة عاشوها. نعم، أعتقد أن الأزمة التي حصلت ستترك بصمتها على تشكيلتي بالتأكيد على تشكيلتي، إن كان قريباً أو بعيداً، ولكن حتماً ستؤثر.

• كيف أسهمت السوشيال ميديا لا سيما هاشتاغ #talkaboutlebanon في دعم لبنان؟ 

- نحن في عصر تؤثر فيه السوشيال ميديا في الناس، لقد انتشر هذا الهاشتاغ بين الناس في أقطار العالم أجمع، فأسهم الجميع بمساعدات كل على طريقته، وأسهموا بإرسال مساعدات لدعم المتضررين من ناحية الغذاء والدواء والمال المخصص لترميم المنازل، ولذا لا يمكن إنكار أهمية السوشيال ميديا أبداً.

• أسابيع موضة الأزياء الجاهزة انطلقت افتراضياً، كيف ترى مشهد الموضة العالمية حالياً في خضم جائحة «كوفيد 19»؟

- يعاني مجال الموضة كما غيره من المجالات بسبب الجائحة وهذا أمر طبيعي، ولا يمكن أن ننكر أن الموضة تمر بأزمة، والحل الوحيد كان بإقامتها افتراضياً ورقمياً بدلاً من العروض العادية. وأعتقد أنه يجب الاستمرار على هذا المنوال في هذه الفترة، لكيلا يصيب الأذى الناس، على أمل أن يوجد الحل قريباً والعلاج لهذا الفيروس وتعود الموضة لمجدها المعتاد. 

• ما الذي كنت تخطط له وتأجل بسبب الجائحة وبسبب الظرف الذي يمر به لبنان؟  

- كان من المقرر إطلاق تشكيلتي أزياء ريزورت 2020 وهوت كوتور شتاء 20/‏‏21، وكان من المفترض أن يعرضا في شهري يونيو ويوليو في باريس وتأجّلا. كما كنا نحضر لتوقيع الكتاب الذي نفذته مع دار Assouline، وكان من المفترض إطلاقه خلال الصيف، وللأسف بسبب الظروف التي مرت في لبنان أجّلنا إطلاق الكتاب إلى وقت قريب.

• تركتَ بصماتك الواضحة في تصاميم الهوت كوتور والأزياء الجاهزة، ألا تنوي توسيع دائرة ابتكاراتك نحو الاكسسوارات والعطور مثلاً؟

- بالتأكيد، لقد بدأنا فعلياً في الاكسسوارات، ولكن خط الاكسسوارات يتطلب الكثير من الوقت والجهد ونحن نطوّر هذا الخط، ونزيد الاكسسوارات. بالنسبة للعطور كنا نعمل على عطر زهير مراد، ولكن بسبب الجائحة تأجل المشروع قليلاً ولكننا في صدد الإعداد له، وسيصدر قريباً.

 

  • زهير مراد: «خلطة» بيروت لا تشبه أي مدينة أخرى