الريشة في يدها، ترسم بها أحلاماً تسافر بها بتلقائية طفولية إلى فضاءات جديدة تستكشف خبايا المكنونات البشرية، وبيدها الأخرى توجه وتدير عدسة الكاميرا لتخرج أفلاماً قصيرة، تعبر عن فكرة واقعية في إطار مشهدي قريب من لوحاتها، أو تبوح بكلام لم يقل، هي الشيخة اليازية بنت نهيان بن مبارك آل نهيان التي طوعت الألوان والصور منذ طفولتها، واستلهمت من جلساتها المسائية مع شقيقاتها أعمالاً فنية، سجلت من خلالها محطات مهمة في مسيرتها في الفن التشكيلي والإنتاج، وصولاً إلى تجربتها الأولى في الإخراج مع فيلم «أثل». في حوارها مع «زهرة الخليج» تبوح الشيخة اليازية بكلام كثير عن تجاربها الفنية والحياتية، وعن سر اختيارها شخصية طرفة بن العبد ليكون محور أول تجربة إخراجية لها. ونسألها:

• لماذا اخترت طرفة بن العبد موضوعاً للفيلم؟

- أردنا أن نقدم رسالة تحمل في تفاصيلها الفانتازيا، ولكنها في الوقت ذاته تعكس موروثنا الثقافي العربي. وبعد البحث والمناقشة وجدنا في الشعر العربي، الذي هو جزء من تراثنا، ضالتنا. غصنا في عوالمه، وغرفنا من حروفه وأبياته، فوصلنا إلى الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد الذي قُتل في أوج مجده عن عمر 26 عاماً، بسبب شائعة عن كلام ينفي أنه تفوه به. هكذا اجتمعت عناصر الرسالة جميعها في طرفة الشاعر الشاب، الذي عاش حياة مأساوية بدأت منذ لحظة موت والده وإساءة أعمامه معاملته ثم طرده من قبيلته وصولاً إلى مقتله، وهو لا يزال في ريعان عمره. 

• هل تقصدت إصدار هذا العمل في هذا التوقيت بالذات، حيث باتت الشائعات تعيث خراباً في المجتمعات وحياة الكثيرين، مستغلة رواج مواقع التواصل الاجتماعي؟

- فكرة ورسالة الفيلم القصير تبلورت منذ ثلاث سنوات خلال جلسة مناقشة وتبادل أفكار مع شقيقتي وبعض الصديقات المقربات، ومع حضور شخصية طرفة بن العبد، أدركنا أنه حان وقت التنفيذ. لكن الإعلان عن الفيلم وإصداره في هذا التوقيت جاء بمحض الصدفة. كنا في البداية أوقفنا عملية الإعلان عن عرضه بسبب الأوضاع المستجدة، وعندما قررنا في النهاية عرض الفيلم، وجدنا أن الوقت مناسب جداً، لا سيما مع كل الأحداث التي ظهرت على الساحة نتيجة جائحة كورونا، وانتشار المعلومات الخاطئة والمتضاربة حول قضية مهمة تؤثر في حياة البشر. وسط كل هذه الشائعات التي كانت تتداول بكثرة بين الناس، بدا فيلم «أثل» وكأنه مرآة لهذا الواقع الحالي، رغم أنه في الحقيقة يعيد طرح قصة حياة طرفة بن العبد الذي كانت الشائعة سبباً في القضاء على حياته، في إطار عصري مغلف بالفانتازيا.

• لماذا قررت خوض تجربتك الأولى في الإخراج في فيلم «أثل» بالتحديد؟

- الأمر يعود لمشاركتي منذ البداية في هذا الفيلم، أي منذ لحظة ولادة الفكرة وتبلورها. شعرت بأنني قريبة جداً من النص والرسالة التي يحملها، كما أن فريق العمل، من نجوم وممثلين وتقنيين، أضافوا إلى هذه التجربة عمقاً فريداً جعلني أقتنع أكثر بفكرة تولي إخراج الفيلم. وأعترف بأنهم ساعدوني جداً في هذه المهمة وحولوا تجربتي إلى رحلة تعليمية تثقيفية استفدت منها الكثير، وأضافت إلى مسيرتي المهنية بعداً جديداً، وزادت من قناعتي في خوض مزيد من التجارب المماثلة المذهلة التي تحول نصاً ما، مكتوباً على الورق، إلى مشاهد تنبض حياة وألواناً، وتخرجه بقالب مختلف يمكن أن يفاجئ حتى صانعه.

  • الفنان الإماراتي منصور الفيلي والفنانة المصرية حلا شيحا من كواليس الفيلم.

منهجية الاختيار

• انتقاء الممثلين لتأدية الأدوار عادة ما يعتمد منهجية ما، فعلى أي أساس تم اختيار الممثلين الذين شاركوا في الفيلم؟

- مهمة الاختيار لم تقع على عاتقي وحدي، وإنما كانت نتيجة تعاون مع صديقتين شاركتا معي في الفيلم، هما: المنتج المنفذ عفراء المرر وهيفاء الحيدري، اللتان قابلتا الممثلين، وعلى أثرها جرى اختيار النجمة حلا شيحا لتؤدي دور الإعلامية، والممثل الإماراتي القدير منصور الفيلي ليؤدي دور البروفيسور، وبقية طاقم العمل. وأحب هنا أن أنوه بأهمية الممثل في الإضافة إلى العمل الفني الذي يقدمه من خبرته وموهبته، وأنا شخصياً تعلمت من حلا شيحا والممثل منصور الفيلي الباع الطويل والقدرة على التأقلم مع كافة الظروف وسرعة البديهة وحسن انتقاء الكلمات ليخرج المشهد بأفضل ما يمكن. عملت مع فريق يضم محترفين وأصحاب خبرة في المجال، بالإضافة إلى مواهب شابة واعدة متحمسة للعمل وتقديم الأفضل. استغرق تصوير الفيلم ثلاثة أيام فقط، رغم وجود ظروف جوية صعبة في وسط الصحراء، ولم نرغم في كثير من الأحيان على إعادة تصوير المشاهد أو حتى تصحيح الصوت وذلك بفضل حرفية العاملين.

• أين تجد الشيخة اليازية نفسها أكثر، في اللوحة الفنية التي ترسمها بريشتها، أم في مشاهد الفيلم الذي تخرجه؟

-  أعتبر اللوحة عملاً فردياً وغالباً ما أكون مترددة في تقديمها، لأنها ترتكز إلى فكرة أو حالة خاصة بي، لا مجال لأن يشاركني أحد في تطويرها، على عكس الفيلم الذي يكون لدي كامل الثقة فيه، لكونه نتيجة عمل فريق كامل ومتكامل يبدي ملاحظاته، ويسهم في تطوير فكرة الفيلم الأساسية وصقلها لتصل إلى صورتها النهائية.

ريشة وكاميرا

• حملت ريشتك منذ نعومة أظفارك، ثم أصدرت كتاباً وأنتجت أفلاماً وحصدت جوائز عدة، فمن كان داعمك الأول في مسيرتك هذه؟

- والدي كان الداعم لي ولإخوتي في كل خطوة نقوم بها. كان يترك لنا حرية اختيار ما نريد أن نقوم به ويدعمنا. عندما بدأت الرسم لم أفكر في حصد جوائز أو تنظيم معارض، فقد كنت أرسم على جدران الغرف في منزلنا، وكانت أمي تسمح لي بذلك ولم تمنعني أو تحد من خيالي، وهذا الدعم الذي تلقيته من والدي ووالدتي، والحرية التي منحاني إياها في تحديد خياراتي، كانا ولا يزالان الدافع وراء كل ما أقوم به وأنجزه.

• هل من مشروع حلم تتمنين تحقيقه؟

- أحلامي لا تتوقف، دائماً هناك مشروع ما، لكن إذا أردت التحديد أحلم بإنشاء متحف للأفلام الكلاسيكية العربية والهوليوودية والبوليوودية هنا في أبوظبي. متحف واحد يجمع أفلام العصر الذهبي بلغات ثلاث، ليذكر الناس بلحظات جميلة ساحرة، وبعالم افتراضي يصعب تصور عالمنا الواقعي من دونه، ويرتقي بذائقة الجمهور، بعد أن اعتاد هذا الأخير مشاهدة أعمال غير مهنية وغير محترفة، نتيجة فورة مواقع التواصل الاجتماعي التي فتحت المجال أمام عرض أعمال لا ترقى إلى المستوى المهني الذي يليق بعالم الفن والسينما.

• في حال طلب منك لقاء شخصية تاريخية ما، من تختارين؟

- أختار شجرة الدر تلك الشخصية التاريخية المميزة بقوتها وجرأتها وشجاعتها وجمالها، إضافة إلى حكمتها وحسن تدبيرها، ويقينها بالخير والحق، لاسيما في القيادة والإدارة وهي خصال شكلت مصدر قوتها وهذا ما يعجبني فيها.

منصور الفيلي: رسالة الفيلم القصير أقوى

عن مشاركته في فيلم «أثل»، كشف الممثل الإماراتي منصور الفيلي لـ«زهرة الخليج» عن أنه تحمس للفيلم بعد أن فهم فكرة النص الفلسفية، وزادت قناعته بالمحتوى بعد تصوير المشاهد بكاميرا الشيخة اليازية. وأعرب الفيلي عن سعادته بالعمل مع فريق محترف وموهوب، مشيراً إلى إعجابه بشخصية الشيخة اليازية وحبها للعمل مقدراً تواضعها وأخلاقها العالية وإيجابيتها التي طغت على أجواء العمل، مؤكداً أن الملاحظات التي كانت تعطيها كمخرجة، كانت في محلها وأفادت العمل ككل. وعبر الفيلي عن عشقه للأفلام القصيرة، مشيراً إلى أن في جعبته أكثر من 30 فيلماً قصيراً. وأوضح أن الفيلم القصير فيه الكثير من التحديات، وهو بالنسبة إليه أقوى من الفيلم الطويل، لأنه يفترض به أن يوصل الرسالة والمعلومة إلى الجمهور بدقائق قليلة. واعتبر الفيلي أن المشكلة الحالية التي تواجه الأفلام القصيرة هي افتقارها للمنصات التي تعرضها وتحتضنها، مثل المهرجانات، مما جعل الشباب الموهوب يحجم عن تقديمها في الفترة الماضية.

بطاقة فيلم «أثل»:

- الاسم: أثل يعني الشجر الطويل المعمر، وتم اقتباس الاسم مرادفاً لمعنى اسم الشاعر طرفة، وهو أيضاً اسم شجرة.

- مدة عرض الفيلم: 15:38 دقيقة

- إخراج: الشيخة اليازية بنت نهيان بن مبارك آل نهيان

- إنتاج: شركة «توستر» وشركة «أناسي للإعلام»،

- منتج منفذ: عفراء المرر وهيفاء الحيدري

- تصوير:  آليكس مرتلا

- توزيع:  شركة MAD Solutions.

- جوائز: جائزة الإنجاز في مهرجان «برلين فلاش» للأفلام في ألمانيا. جائزة «ريمي» الذهبية في مهرجان «هيوستن السينمائي الدولي» في أميركا.