إن اللسان هو المكان الذي تنعقد فيه خيوط الرسالة وتكتمل، مكان أفق العمل الفني للكلمة قبل انطلاقها رسالة وخطاباً لطرف مرتبط ومعنيّ بها، اللغة تطمح إلى النداء والتبادل الفعّال، فإذا ما تم توريطها بالتشوّش والاختلاط ما بين أسلوبين للغتين، تتفاوت بناءً على ذلك فحوى الرسالة المحكية أو المكتوبة، وينمو في طريقها عائق مربك، من شأنه أن يخلق فوضى الكلام وشتات الذهن عند السامع أو القارئ.  ذلك المطب هو إحدى أهم العوائق اللغوية عند الكتّاب المهاجرين الطامحين إلى التّكيف مع اللغة الجديدة على أرض الهجرة.

الكاتبة الكورية (ها-يون جانغ) كتبت عن إحدى إشكاليات القواعد المربكة في اللغة الكورية، والتي وقعت في فخها مع بدايات التحوّل إلى اللغة الإنجليزية ودخولها مجال البحوث والترجمة، فالحديث والكتابة باستخدام ضمير المتكلم المفرد باللغة الكورية أمر عسير، يندر جداً أن تجد شخصاً كورياً يكتب أو يقول جملاً متتالية تبدأ بـ(أنا فعلت كذا .. أنا تركت هذا ...) الضمير (أنا) يبدو إلى الناظر في الكورية مختبئاً خلف الكواليس، خلف ضمير الجمع لا ضمير المفرد، (بلادي. بيتي ... أهلي ..) كلها تعبيرات لم يعتدها الكوريون وإن كان المتكلم واحداً، لن يكون الضمير المضاف واحداً أبداً، إذ لا بد من ضمير الجمع: (أمنا .. أبونا .. أخونا الصغير ...) وهكذا. 

وربما كان لتلاشي الفردانية وتخفي ضمير الخصوصية والإشارة إلى الذات المنجِزة في اللغة الكورية هو من أهم دوافع الارتياح والانزياح للإنجليزية كلغة للكتابة دون اللغة التي وُلِدت بها الكاتبة ها- يون جانغ. إلى أن انتبهت ذات يوم - بعد مسيرة التحولات والبعد الزمني عن اللغة الأم - إلى الصياغة الأسلوبية في كتاباتها المزدحمة بضمير الـ(الأنا): «فبدت كل كلماتي لها مصدر واحد وهو ذاتي أنا، وكأنني مكان منعزل بعيداً عن العالم، مكان لا يمكن لأي أحد ولا أي شيء أن يجد سبيلاً ليقتحمه». عبقرية اللغة، ص: 139