«ما من سلاح في العالم أشد خطورة وأبعد مدى من إنسان يعرف كل شيء».. ترد هذه العبارة في رواية (الرجل الذي عرف كل شيء) لكاتبها إيغور ساخنوفسكي، حيث بطل الرواية - وبشكل مفاجئ - يكتشف امتلاكه قوة خارقة، تجعله ملماً بتفاصيل وأسرار كل من يصادفهم في حياته، كما يستطيع معرفة ما يجول ببالهم حتى وإن كانوا على بعد أميال منه. 

ومع تصاعد أحداث الرواية، تتحول هذه المَلَكة إلى مشكلة، بعد أن يتعرض البطل لملاحقات ومضايقات ممن اكتشفوا موهبته وباتت تشكل خطراً عليهم فيما لو باح بأسرارهم أو ساومهم على كتمانها. 

الرواية مشوقة في أحداثها وفي كافة تفاصيلها، ويجد فيها القارئ فكرة جديدة يتناولها الكاتب باقتدار ومهارة.

ولو أننا تناولنا فكرة هذه الرواية من زاوية أخرى فإننا سنصل إلى النتيجة ذاتها، فالإنسان الذي لا يعرف شيئاً بالمرة هو أيضاً إنسان خطر!

(المعرفة قوة).. هكذا تخبرنا حكمة الفيلسوف الفرنسي «ميشيل فوكو»، فمن يمتلك المعرفة يتمتع بالقدرة على مواجهة مصاعب الحياة ومواقفها بطريقة حكيمة، وله القدرة على رؤية الأمور وكشف بواطنها ومن ثم تحليلها بما يتلاءم مع ظروفها ومعطياتها.

لكني هنا، وبعد تفكير، أجد نفسي أمام صنف ثالث من البشر لا يقل خطورة عمن يعرف كل شيء أوعمن لا يعرف أي شيء؛ فالإنسان الذي لا يعرف كل شيء ولكنه في الواقع يظن أو يدعي معرفته بكل شيء هو إنسان بالخطورة ذاتها.

وما من شك في أننا في حياتنا قد التقينا في وقت ما، بإحدى تلك الشخصيات التي ترى في شخصها الإنسان العليم والحصيف، وبناء على قناعاتها تبدأ في إثبات رجاحة عقلها وصواب آرائها، بل وتستميت من أجل ذلك. مثل تلك الشخصية تصبح مجالستها عبئاً ثقيلاً على من يعرفها، فهي في نظر الآخرين مجرد شخصية مدعية، ومتباهية بمعرفة لا تمتلكها، فما من إنسان في هذا العالم إلا ويفتقد المعرفة في جانب ما. 

وصدق الشاعر الذي قال:

وقل لمن يدعي في العلم فلسفةً

حفظت شيئاً وغابت عنك أشياءُ