الاســــم: سناء / العمـــر: 38 عــامـاً / المهنــة: مهندسة / الحالـــة: الإفراط في التفكير السلبي

الأفكار السوداء تطغى، والإفراط في التفكير السلبي يلازمها مثل ظلها، حتى إنها باتت تشعر وكأنها عالقة في مكان واحد، لا يمكنها أن تغادره، لا تتقدم ولا تتراجع. تسمع بموت زميل لها في العمل، بذبحة قلبية، فتظل تُفكر فيه، وفي أولاده، ووالدته، وماذا قد يكون شعر والموت يحوم فوق رأسه. وتعود وتفكر: ترى هل كان بإمكاني مساعدته؟ هل كان سيبقى حياً لو سألته قبل يومين عن سبب شحوبه؟ وحين تأوي إلى فراشها تهاجمها الأفكار السلبية مجدداً. تحاول التخلص منها عبثاً. ساعات وأيام وأسابيع ولا تخرج من حالتها إلا لتسقط في حالة أخرى وتفكير آخر، وأزمة سلبية جديدة. فما بالها؟ لماذا أصبحت لا ترى إلا النصف الفارغ من الكوب؟ أسئلة تحتاج إلى أجوبة.

تتساءل سناء في كل مرة تتسلل إليها الأفكار السوداء وتلحّ في بالِها: هل يمكنني أن أوجه أفكاري إلى ما هو أكثر إشراقاً وإيجابية؟ سؤال لا تجد له جواب. وها هي تفكر في هذه اللحظة بصديقتها: لماذا لم تتصل بي منذ أسبوع؟ هل تضايقت حين اتصلت بها لأسألها عن القميص الذي أعرتها إياه ولم تعيده بعد؟ تُمسك هاتفها وتفتح آخر رسالة أرسلتها لها. تغلقه لتعود وتفتحه. تحاول أن تقرأ في كتاب جبران خليل جبران (رمل وزبد) وتعود وتضعه جانباً. تُمسك هاتفها مجدداً للإتصال بصديقتها لكنها تعود وتتردد. وتعود وتفكر بنفسِها متسائلة: لماذا أفرط في التفكير السلبي؟ أليست هذه حماقة ومضيعة للوقت؟

أفكار مرهقة

الأفكار الفوضوية المتشابكة السلبية التي تغمر عقولنا ترهقنا، وتحليل رسائل البريد الإلكتروني والواتساب والمواقف المختلفة، تجعلنا نجتر نفس الأفكار والسلوكيات المقيدة لذاتنا وتدمرنا. والسؤال البديهي هنا: كيف يمكننا جميعاً وقف الحلقة الفارغة من الإفراط في التفكير؟  في علم النفس، التركيز على الأفكار السلبية، مؤشر أساسي إلى مشاكل عقلية شائعة في أيامنا هذه. وما يجهله كثيرون في هذا الموضوع أن ثمة فارقاً بين التأمل والتفكير. ففي التأمل صحة، أما اجترار الأفكار نفسها فيشبه الحلقة الفارغة المحبطة. التأمل يجعل الإنسان يفهم ذاته أكثر، ويستنبط الحلول والرؤى، ويُحدد الأهداف. في حين أن اجترار الأفكار السلبية وانتقاد الذات يدمر الإنسان. الأفكار السلبية المتتالية مثل عدو داخلي يُباغتنا ويُصبح لازمة تدمرنا، وتجعلنا نمضي ساعات وساعات ونحن نوبخ أنفسنا، بسبب تفاصيل غير حقيقية.

صوت داخلي

مواجهة الأفكار السلبية ضرورة. فالتفكير مثلاً بعد اجتماع عمل، عما إذا كنت ما قلته سيئاً؟ أو هل بدوت غبياً؟ أو هل أخذ زملاء العمل عنك فكرة بأنك غير كفوء؟ كثيرون فكروا، أو قد يفكروا، بهذه الطريقة، وهنا، في هذا الإطار، ينصح الطب النفسي ببحث الإنسان عن مصدر هذه الأفكار، بأن يفكر على سبيل المثال عن مواقف واجهها في طفولته: فهل عومل في طفولته على أنه طفل عاجز ويفتقد إلى الذكاء؟ هل تعلم أن يدافع عن نفسه؟ هل تعلم أن لا يثق بالآخرين؟ ستساعد الإجابات عن هذه الأسئلة في الحد من الأفكار السلبية المتتالية وزيادة تعاطفه مع نفسه. ويُنصح هنا بكتابة اليوميات لأنها تفيد جداً في تتبع ما تُخبرنا به أصواتنا الداخلية. فلنكتب هذه الأصوات أو الأفكار وكأنها صادرة عن شخص آخر لا عنا. فبدل أن يكتب الإنسان الفكرة التي تلح عليه على أنه قبيح: أنا قبيح.. فليكتب: أنت قبيح. وبدل أن يكتب: أنا عديم الفائدة.. فليكتب: أنت عديم الفائدة. وهذا يجعله يقرأ الأصوات الصادرة عنه وكأنه صوت عدو آت من ماضٍ بعيد. وحينها يستطيع الردّ عليه من منظور آني واقعي، والدفاع عن الذات وخلق مسافة بين الصوت الداخلي والصوت الحقيقي. قد يرتفع الصوت الداخلي لكنه، بحسب الطب النفسي، مثل طفل غاضب لا بدّ أن يعود ويهدأ.

إفراط سلبي

أمرٌ آخر مطلوب في سبيل تجاوز الإفراط في التفكير السلبي، ويتضمن (تغيير الطريقة التي ينظر بها الإنسان إلى المشاكل)، بمعنى أن يدرب ذاته على المرونة النفسية أو الجرأة، حيث يرى الإنسان العقبات على أنها تحديات أو فرص للنمو والتغيير. ويهم هنا معرفة أن الإنسان الأكثر قوة هو الأكثر نجاحاً في قمع الصوت السلبي الداخلي وعدم الوقوع ضحية له.   

مداواة الإفراط في التفكير ليس معناه (إلغاء التفكير) بل إبقائه في إطار التفكير الصحي. فكلنا، خصوصاً في هذه المرحلة الزمنية، نشعر بالقلق على أشياء كثيرة إجتماعية ونفسية وإقتصادية وصحية. لكن، ما يجب أن ننتبه له هو عدم الخلط بين الإفراط في التفكير وحلّ المشكلات. وفي هذا الإطار يشار في علم النفس إلى أنه كلما زاد القلق في شأن شيء ما، زاد تدريب العقل على التفكير به، وكلما زاد نشاط (اللوزة الدماغية - مركز القلق في الدماغ)، زاد الإفراط في التفكير وأضرّ بالإنسان وأثر حتى على إنتاجيته. فهل تتصورون صاحب شركة يُفرط في التفكير، في كل أمر صغير أو كبير، ويتمكن من الإنتاجية والعطاء بكل طاقاته؟ يشير علم النفس إلى أن الإفراط في المداولات، خصوصاً في شأن القرارات البسيطة، يتسبب في تقييم الآخرين السلبي. وليس سراً القول، أن الأشخاص الذين ينغمسون في تضييع الوقت بأفكار خارج المحيط المباشر، هم غير سعداء. وثمة مقولة يتم التداول بها تقول (أن العقل البشري هو العقل الشارد والعقل الشارد هو العقل غير السعيد).

أشكال  ونتائج

- التفكير الزائد يأتي في شكلين: إجترارُ الماضي والقلق بشأن المستقبل.

- التفكير الزائد يختلف تماماً عن التفكير بحلّ المشكلات، في حين أن الإفراط في التفكير ينطوي على الخوض في المشاكل.

- الإفراط في التفكير يختلف عن التفكير الذاتي، كون التفكير الذاتي يساعد على إكتساب منظور جديد حول موقف ما. إنه تفكير هادف.

- يتضمن الإفراط في التفكير كثرة المشاعر السلبية والإفتقار إلى كل ما يمكن التحكم به. وهو لا يساعد أبداً في تطوير رؤية جديدة.

- الوقت الذي يقضيه الإنسان في تطوير الحلول الإبداعية، أو التعلم من السلوكيات اليومية هو وقت مثمر، أما الوقت الذي يقضيه في التفكير الزائد فهو يترك آثاراً خطيرة.   

  • سيلينا غوميز عانت من مشاكل نفسية، لذا أنتجت مسلسلاً على «نتفليكس» يدور حول قضايا الصحة النفسية والعقلية.

حين يفكر المشاهير كثيراً!

ثمة وظائف تتأتى عنها ضغوطات أكثر من وظائف، كما حال مشاهير الفن والتمثيل والغناء، لكن ماذا يعني حين يعاني المشهور من الإفراط في التفكير؟ 

%3.6 من سكان العالم يعانون من القلق المفرط، بسبب التفكير المفرط، ونجوم هوليوود في هذه النقطة، تحت الضوء أيضاً. خصوصاً أن هؤلاء يتعرضون لضغوطات كثيرة من أجل أن يظهروا بأبهى صورة أمام الجمهور.

فمثلاً نجمة البوب الأميركية «سيلينا غوميز» عانت كثيراً من مشاكل نفسية، وهذا ما كان يجعلها تستغرق الوقت الطويل قبل إنشاء موسيقى جديدة، وهي بذاتها أنتجت مسلسلاً على «نتفليكس» يدور حول قضايا الصحة النفسية والعقلية.

حال الليدي غاغا ليس أفضل كثيراً، فهي عانت من الإكتئاب والقلق طوال حياتها، وما زالت، وهي نصحت الكبار والصغار «بأن يشعروا بقيمتهم ويخففوا من التفكير السلبي». من جهتها، نجمة مسلسل (جين ذا فيرجن) جينا رودريغز، قررت أن تظهر في فيديو قصير بلا مكياج وكتبت على انستغرام: «أعاني من القلق ومشاهدة هذا المقطع مكنني من رؤية مدى قلقي والتعاطف مع ذاتي. أردت أن أقول لنفسي: لا بأس من بعض القلق ولا بُدّ أن أنتصر. وبتّ أحب مشاهدة هذا الفيديو، لأنه يمنحني الحرية بقبول نفسي: هذه أنا».