يشكل دائماً رحيل النجوم خسارة حقيقية للفن العربي، ومع إعلان رحيل الفنان المصري محمود ياسين اليوم عن عمر ناهز 79 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، تفقد الساحة الفنية أحد روادها الحقيقيين، الذين قدموا للسينما والمسرح والإذاعة والوطن.

محمود ياسين هذا الصوت الرخيم الذي سجل الشعر والنصوص والكلمات، وترك تأثيره في فضاء هذا الزمن، رحلة غنية من الفن وتاريخ من العطاء، وصل إنجازه إلى أكثر من 150 فيلماً سينمائياً، وحصد أكثر من 50 جائزة، فهل نقول إنه أحد المؤسسين لبيت الفن؟ بل هل نقول إن الفن أحد أعمدة الجمال وتصوير الحال الاجتماعي بلغة بصرية، وصوتية، وأداء تمثيلي خاص ولغة تبقى في ذاكرة كل إنسان من الخليج إلى المحيط، وتعيد قاهرة نجيب محفوظ، وقاهرة أحمد شوقي وعبد الوهاب إلى عزها؟.

فتى الشاشة الأول

محمود ياسين من الجيل السينمائي الثاني بعد جيل عمر الشريف، ورشدي أباظة وغيرهما، استطاع أن يترك بصمته في الأفلام السينمائية، إلى جانب الممثلين حسين فهمي ونور الشريف ومحمود عبد العزيز، وبعدهم أحمد زكي، ووقف إلى جانب أجمل الممثلات، ومنهن نجلاء فتحي وميرفت أمين، وناهد شريف.

أكد نجاح حضوره في البدايات في فيلم "نحن لا نزرع الشوك" مع شادية ومن إخراج حسين كمال، وفيلم "الوفاء العظيم" بطولة محمود ياسين ونجلاء فتحي وسمير صبري وكمال الشناوي، ثم "امرأة الحب"، "أين عقلي"، و"قاع المدينة"، و"الرصاصة لاتزال في جيبي"، و"الساعة تدق العاشرة"، و"غابة من السيقان"، وأفلام كثيرة حصل خلالها على لقب "فتى الشاشة الأول". 

منذ بدايات السبعينات من القرن الماضي، وأعمال هذا الفنان تتوالى، هو الذي وقف أمام فاتن حمامة وأمام نادية لطفي والمطربة عفاف راضي ونجلاء فتحي ونادية الجندي ويسرا وصفية العمري، 

ولم يمنعه التقدم في العمر من مشاركة جيل الشباب في أعمال سينمائية متعددة، فشارك في "الجزيرة" مع أحمد السقا و"الوعد" مع آسر ياسين و"عزبة آدم" مع أحمد عزمي وماجد الكدواني و"جدو حبيبي" مع بشرى وأحمد فهمي.

ومع الألفية الثالثة، مضى نحو الدراما التلفزيونية، ودخل إلى كل بيت من خلال أعمال ناقشت مشاكل اجتماعية متعددة، وقضايا التاريخ وأعلام الفكر، قدمها بأداء تمثيلي خلاق ينسجم مع روح كل شخصية، وكان أداؤه حفراً حقيقياً على الشخصية، وقد تجاوزت 20 مسلسلاً، ومنها: "ريح الشرق"، سوق العصر"،  "وعد ومش مكتوب"، "ضد التيار" "رياح الشرق" "أبو حنيفة النعمان".

تاريخ مشرق ومضيء

تميز محمود ياسين بصوت رخيم وكأنه تشيلو وناي وتقاسيم عود، وجعله أداؤه المميز أن يكون أحد المعلقين في المناسبات الوطنية والرسمية، وليس هذا غريباً على فنان جاء من خشبة المسرح إلى كل هذه الفنون لأن المسرح فضاء الصوت، وهو أحد أعمدة المسرح القومي قدم عليه وعلى المسارح الأخرى أعمالاً كثيرة ومنها: "ليلى والمجنون، الخديوي، حدث في أكتوبر، عودة الغائب، الزيارة انتهت، بداية ونهاية، والبهلوان".

عائلة فنية

حين نقول محمود ياسين تقف عائلة فنية إلى جانبه، عائلة تشربت الفن من هذا البيت، الممثلة شهيرة، وابنه السيناريست عمرو محمود ياسين، وابنته رانيا محمود ياسين، هكذا رحل زارع الفن والجمال تاركاً تاريخاً مضيئا من العطاء.