من حق المطرب العراقي كاظم الساهر أن يخشى على آلاف النغمات الموسيقية الجميلة التي قام بتأليفها، طيلة أكثر من 35 عاماً قضاها حتى الآن في الساحة الفنية، من أن ترتبط ولو لوهله بموسيقيين آخرين.

ومن حق (القيصر) أن يبقى مخلصاً لأفكاره الموسيقية، التي أدمنها جمهوره الكبير من المحيط للخليج حتى وصلت إلى العالمية، بعد أن صارت ألحانه وموسيقاه مؤلفات معتمدة في جامعات أجنبية، يدرس الطلاب فيها علوم الموسيقى، أو بعد أن حازت قصيدة (أنا وليلى) المرتبة السادسة عالمياً.. جمالياً، في تصنيف بريطاني غير رسمي، قامت به إذاعة البي بي سي، حول أجمل المؤلفات الموسيقية الغنائية في القرن العشرين. لكن هل جرب الساهر أن يترك صوته بين يدي موسيقيين آخرين، قد يكتشفون مساحة ما في أحباله الصوتية، غفل عنها هو عمداً أو بلا عمد؟ بعيداً عن بعض التجارب الموسيقية المستهلكة، التي قدمها الساهر بصوته من ألحان غيره خلال السنوات الماضية.

ثورة نغمية

منذ انطلاقة الساهر مطرباً محترفاً أواخر ثمانينات القرن الماضي، ظل وفياً لموسيقاه عبر أغانيه ذات الشجن العراقي الحزين، مثل: عبرت الشط، غزال، لدغة الحية، والتي عرفه الجمهور العربي من خلالها. وحتى عندما جدد الساهر جلده الفني، منتصف التسعينات عبر تقديمه قصائد الشاعر الراحل نزار قباني الفصحى، وتحويلها من نصوص إلى أغنيات، ظل الساهر محتفظاً بألقه الموسيقي ولم يسمح لموسيقى أحد غيره أن تزاحم موسيقاه وحنجرته في تقديم القصائد والأغنيات، وهي الثورة النغمية التي أعاد الساهر من خلالها ترتيب شكل الأغنية العربية، وساهمت كثيراً في أن يكون في مقدمة المطربين العرب، وأن يحفر لنفسه مكاناً ثابتاً في أرشيف الغناء العربي.

تغيير مسار

اعتباراً من عام 2007، بدأ الجمهور العربي الاستماع لصوت كاظم بموسيقى غيره من الملحنين، بأغنيتين مرة واحدة، هما: (تحكي جد من ألحان محمد شفيق في ألبوم يوميات رجل مهزوم) و(ناي - أغنية سنغل للملحن نفسه)، واليوم بعد مرور 13 عاماً من هذه الخطوة، صار في أرشيف كاظم الساهر أغنيات كثيرة، غناها بصوته ولم تحمل اسمه كملحن، فغنى الساهر من ألحان: طلال، محمد شفيق، صلاح الشرنوبي، ناصر الصالح، وليد الشامي، فايز السعيد، خالد ناصر، عادل عبد الله. لكن المثير في الأمر أن كل هذه الأغنيات دارت ألحانها في فلك الساهر الموسيقي، فقدم هؤلاء الموسيقيون ألحاناً وموسيقى تشبه ألحانه وموسيقاه هو، بمعنى أن الساهر جرّهم إلى ملعبه، ولم يجروه هم إلى ملاعبهم، حتى يقدم معهم المختلف والمغاير لما يقدمه هو موسيقياً. ففي كل أغنية كان الساهر يقدمها بصوته من ألحان غيره، كان يبدو وكأنه يرسل رسائله لكل النقاد الفنيين والإعلاميين وفئات الجمهور الذين كانوا يطالبونه، بأن يتيح الفرصة لملحنين آخرين بأن تعانق ألحانهم حنجرته؛ بأنه الأقدر والأفهم لإمكانيات ومساحة صوته، وأن غيره لن يقدمه بثوب جديد مهما فعل، وأن كل الملحنين الذين غنى لهم، على اختلاف مواهبهم ونجومياتهم وتجاربهم، لعبت أوتار أنغامهم في ملعب كاظم الساهر الموسيقي، وكأنهم يطاوعون رغبته الشخصية بأن يبقوا داخل مساحة محددة لا يخرجون منها، حتى لا يخسروا فرصة أن يكتب التاريخ أنهم لحنوا أغنيات لفنان موسيقي بقدر وقيمة كاظم الساهر! فظل هؤلاء الملحنون أوفياء لـ(ستايل ألحانه)، ولم يقدموا جديداً يضاف إلى ما قدمه الساهر سابقاً في موسيقاه.

حكاية غرناطة

جرب الساهر لمرة واحدة، قبل أربع سنوات، تقديم قصيدة من أشعار رفيق رحلته ومشروعه نزار قباني بألحان غيره، فكانت (غرناطة) التي صورها في إسبانيا مع انغريد بواب (تلميذته في برنامج ذا فويس)، فحملت موسيقى القصيدة اسم الملحن طلال عليها، لكنها الأغنية/القصيدة، بقيت تلف كلحن في فلك كاظم الساهر الملحن، فلم يشعر الجمهور بأي تغيير موسيقي يختلف عما يقدمه الساهر في ألحانه، واللافت في تجربة طلال الموسيقية مع أشعار نزارقباني (اثنتان مع محمد عبده هما: القرار وأحلى خبر، ومثلهما مع صابر الرباعي هما: أين أذهب؟ وجريدة الرجل الثاني)، هو تشابه النمط الموسيقي للأغاني/القصائد الأربع، مع ما ينتهجه الساهر موسيقياً في تقديمه للقصائد الفصحى من ألحانه هو.

اليوم، والساهر يحضر لألبومه الغنائي الجديد، إن كان يريد فعلاً أن يغني من ألحان غيره، ويقدم شيئاً للفن من أجل الفن، عليه أن يجرب أن يضع صوته بتصرف واحد من هؤلاء: (بلال الزين، مروان خوري، زياد الرحباني) بعد أن غيب الموت اثنين آخرين كان يمكن أن يكتشفا شيئاً ما في صوته، هما: ملحم بركات وعمار الشريعي، فهؤلاء الموسيقيون الخمسة، هم من يستطيعون بحنكاتهم وخبراتهم وتجاربهم أن يأخذوا الساهر إلى مناطق جمالية جديدة، وأن يظهروه بنفس قيمته الفنية، واضعين نقشات أعوادهم المزركشة على صوته؛ وإلا فسيبقى كل لحن يغنيه الساهر من ألحان غيره، هو له، مهما تعددت أسماء الملحنين.