في أوائل هذا العام، واجهت سيّدة ثلاثينيّة عدة قرارات صعبة، فهي أم تبلغ من العمر 30 عاماً، وكانت قد رُزِقَت منذ مدة قصيرة بطفلها الثالث، حيث فوجئت حين أبلغها الأطباءُ أن الورم الذي لفت انتباهَها وهي ترضع وليدها، لم يكن قناة لبن مسدودة، بل كان ورماً سرطانياً في ثديها.

قامت المريضة بزيارة إلى مستشفى (كليفلاند كلينك أبوظبي)، أحد مرافق مبادلة للرعاية الصحية، وفور وصولها خضعت  لتصوير الثدي الشعاعي الماموجرام، وأُخِذَت خزعة من الثدي للتأكد من ذلك. تلى هذا المزيد من الفحوصات، وعند زيارة مستشار علم الوراثة المختص في الطفرات الوراثية في المستشفى، تبين وجود طفرة وراثية تسبب سرطان الثدي من النوع رقم 1 (BRCA1)، وهو جين وراثي، يكون حاملُه عرضةً للإصابة بسرطان الثدي.

هذا وتشير أحدث الأبحاث العلمية المنشورة إلى أن النساء المصابات بطفرات وراثية من النوع رقم 1 (BRCA1)، أو  2 (BRCA2)، هنّ عرضة لخطر الإصابة بمرض سرطان الثدي بنسبة تصل إلى 72% خلال حياتهن. أضف إلى ذلك أن سرطانات الثدي الناتجة عن هذه الطفرات الوراثية تنشأ في سن الصغر، وأن الإصابة في أغلب الأحيان تكون في كلا الثديين، وهم أيضاً أكثر عرضةً للإصابة بسرطان المبيض، والقولون، والبنكرياس.

وتقول المريضة عن إصابتها بهذا المرض: «حين لفت الورم انتباهي للمرة الأولى، اعتقدت أنه ناتج عن الرضاعة الطبيعية. لكن عندما بقي الورم واستمر في النمو، شعرت بالقلق. لم يكن قد خطر ببالي أن السرطان قد يصيبني، فأنا ما زلتُ شابةً صغيرةَ السن، وقد رُزِقتُ لتوي بمولود منذ فترة وجيزة. ولذلك ما كان عقلي ليصدق شيئاً من ذلك أبداً. عندما أبلغني الأطباء في المستشفى عن إصابتي بالطفرة الوراثية، شعرت بالسذاجة لأن والدتي كانت تعاني نفس المشكلة وتجاهلت الخطر تماماً. رأيتها تمر بنفس المراحل والألم الذي مررت به. أَمَا وقد حدث ما حدث، فلن أقع في هذا الخظأ مرة أخرى مع بناتي».

علاج كيميائي

ويقول الدكتور إيلي شوفاني، أخصائي الأورام بعيادة صحة الثدي: «بناءً على تاريخ المريضة الطبي حين قدمت إلى المستشفى، قرر فريق الرعاية الطبية بدء العلاج الكيميائي لها قبل الجراحة، وذلك لأسباب منها أن التصوير بالأشعة المقطعية لكامل الجسم لم يكشف عن أي انتشار للسرطان، ولكن نظراً لتضخم الورم بثدييها قليلاً بالإضافة لإصابة الغدد الليمفاوية، قررنا البدء بثماني دورات من العلاج الكيميائي».

في تلك الأثناء تمت إحالتها للطبيب المستشار بعلم الوراثة لتقييم جميع عوامل الخطر لديها، ثم تحديد خطة علاج تناسب حالتها.

وأوضح الدكتور ستيفن آر غروبمير، رئيس معهد الأورام، أن المرضى يستفيدون بشكل كبير من استشارة الأطباء المختصين في الطفرات الوراثية، وخاصة إذا كانوا لا يزالون في سن الشباب: «هذه خدمة مهمة تمكننا من البحث عن طفرات جينية غير طبيعية، حتى نتمكن من تقديم جراحة لمعالجة السرطان الحالي وتوفير خيارات إدارة استباقية للمريض. بالإضافة إلى ذلك، يمكن الآن لعائلتها الخضوع للفحوصات لأن هناك فرصة بنسبة 50% أن يكون إخوتها وأطفالها الذين قد لا يعانون السرطان، يحملون نفس الطفرة. ولهذا، نوصي بإجراء اختبار لأطفالها بعد بلوغهم سن العشرين للاطمئنان على صحتهم».

 

 

 

 

 

 

 


مخاطر قليلة

أما بالنسبة للمريضة، فقد كان يعني هذا الأمر أن كلا ثدييها سيُستأصلان استئصالاً وقائياً. وكان على عائلتها أن تساندها وأن تشجعها على فعل ذلك. وقد أشار الأطباء على المريضة بأنه من الأولى لها أن تستأصل المبيضين، وقناتي فالوب، في السنوات المقبلة، حيث إن هذا سيقلل من مخاطر الإصابة بسرطان المبيض. وعندما علمت المريضة بذلك اندهشت؛ وقالت: «كنت في حالة صدمة، وانسدت آفاق الدنيا كلها أمام عيني حين أبلغوني بهذا الخبر. لكنّي أدركت أن هذا هو القرار الأصوب حفاظاً على صحتي والباقي من عمري. لقد خضعت لعملية إعادة بناء ثديي في نفس الوقت وأخضع حالياً للعلاج الإشعاعي». وقد قال لي الأطباء: «التمهل في إزالة المبيضين قد يكون رأياً جيداً، لأن عمري أقل من 40 عاماً، ثم إن ذلك له فوائد أخرى منها الحيلولة دون مضاعفات مثل تخلخل العظام. وثقةً مني في رأي أطباء المستشفى، سأواصل متابعة حالتي معهم».