تتميز بلدة سيدي بوسعيد، بألوان منازلها وقبابها البيضاء وأبوابها الزرقاء وأزقتها وشوارعها المرصوصة والتي يفوح منها عبق الزهور والورود، تشبه منازلها المطلة على البحر الأبيض المتوسط، مكعبات السكر الملونة باللون الأزرق، كما أن سيدي بوسعيد، التي كانت تسمى قديماً «جبل المنار»، ولا تبعد سوى 18 كيلومتراً عن تونس العاصمة، تشكل قبلة للباحثين عن الراحة والهدوء، ومحطة رئيسية في برامج الجولات السياحية في تونس.

يتساءل الكثيرون عن سرّ اعتماد هذه البلدة اللونين الأزرق والأبيض في عماراتها، مما يجعلها أقرب إلى المدن اليونانية الشهيرة، إلا أن من يعرف قصتها يدرك أن هذه البلدة لم تتبنّ هذين اللونين إلا في أوائل عشرينات القرن الماضي، بفضل البارون رودولف دي إيرلانجر، الرسام الفرنسي الشهير وعالم الموسيقى المعروف بعمله في الترويج للموسيقى الشرقية العربية، والذي عاش في سيدي بوسعيد من عام 1909 حتى وفاته عام 1932. فمن شدة حبه لهذه البلدة، بنى البارون قصراً فيها على الطراز الشرقي، وقد ضخ الأموال في البلدة وضغط على المسؤولين لمنحها وضع الحماية، بما في ذلك اعتماد مخطط الطلاء الأزرق والأبيض، وقد نجح في ذلك إذ باتت سيدي بوسعيد الآن جزءاً من قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو إلى جانب أطلال مدينة قرطاج القريبة.

ملاذ للفنانين

أصبحت هذه البلدة مرادفاً للفن والإبداع وملاذاً للعديد من الرسامين والكتاب والصحافيين المشهورين، مثل فلوبير وشاتوبريان وسيمون دي بوفوار وماتيس كلهم مروا بها. ولا تزال سيدي بوسعيد تحتفظ بنفوذها الفني، إذ تنتشر في شوارعها صالات العرض الفنية الصغيرة وورش العمل والحرف المحلية المتخصصة، ويمكن مشاهدة أقفاص الطيور المصنوعة من الأسلاك، والتي تعكس جمالية الهندسة المعمارية للبلدة بأشكالها المقببة وزخارفها الزرقاء والبيضاء.

جوهرة طبيعية

سيدي بوسعيد هي بمثابة نسمة من الهواء المنعش، مقارنة بتونس العاصمة المزدحمة، لهذا فهي تشكل قبلة للباحثين عن الراحة وعيش فترات من الهدوء، كما تعتبر ملاذاً للعائلات ونخبة التونسيين لتمضية عطلات نهاية الأسبوع، بعيداً عن زحمة المدينة، فضلاً عن كونها محطة رئيسية في برامج الجولات السياحية والرحلات البحرية في تونس.

من يزور سيدي بوسعيد، سوف يسترعي انتباهه تناسق ألوانها مع زرقة البحر ومحيطها الطبيعي الآسر، إذ تقع هذه البلدة على هضبة تشرف على الضفة الجنوبية البحر الأبيض المتوسط، وتتوسط جبلاً ضخماً يكسوه الشجر والعشب والغابات، وفي أسفله يستلقي مرفأ سيدي بوسعيد السياحي. سميت هذه البلدة بسيدي بوسعيد تيمناً بالولي صالح أبو سعيد بن خلف بن يحيى التميمي الباجي، الذي قضى معظم حياته في الدراسة والتدريس في مسجد الزيتونة في تونس. وبعد عودته من الحج، بحث عن الهدوء والسلام، فسكن في قرية صغيرة في ضواحي تونس تسمى «جبل المنار»، وهو اسم البلدة قبل أن يطلق عليها اسم سيدي بوسعيد، تكريماً لهذا الولي الصالح الذي دفن فيها. 

البلدة القديمة

 بالنسبة للعديد من الزوار، فإن المتعة في قضاء الوقت في سيدي بوسعيد، هي ببساطة التجول في أرجاء البلدة  القديمة واستكشاف شوارعها وأزقتها المتعرجة والمرصوفة بالحصى، والتي تعج بالمتاجر الفنية وأكشاك الهدايا التذكارية والمقاهي الجذابة. ثم تأمل جمال عمارتها وألوان أبوابها التي يطغى عليها اللون الأزرق، رغم تمرد بعض منها بألوان أخرى مثل الأصفر. ولا بد أثناء التجول من زيارة المنارة المطلة على منظر خلاب لخليج تونس. كما يجب عدم نسيان زيارة  قصر البارون المعروف باسم النجمة الزهراء، والذي استوحت البلدة منه اللونين الأبيض والأزرق، وحالياً تحول إلى مكان تقام فيه سهرات فنية وأمسيات شعرية ثقافية. وتحتضن البلدة العديد من المعالم الأثرية التي تروي حكاية تاريخ المنطقة والحقب التي مرت بها. 

منزل تقليدي

عدد الفنادق محدود في سيدي بو سعيد، لكن أشهرها La Villa Bleue، عبارة عن منزل تقليدي رائع يقع على منحدر يطل على الميناء. يتميز الفندق باللونين الأزرق والأبيض، ويعد تحفة معمارية تتميز بأعمدة نحيلة وأعمال الجبس المعقدة والرخام الرائع، ويتكون من 13 غرفة فقط، ويوفر تجربة حميمة ومريحة ترتبط بسمعة البلدة، كملاذ للمسافرين والسياح الباحثين عن تمضية أجواء من الاسترخاء. كما هناك الدار العنابية، وهي منزل تونسي تقليدي يعود تاريخه لقرون مضت، حيث أعيد ترميمه ليصبح سكناً صيفياً، ويتميّز بطابعه الإسلامي وديكوره الجذاب والأرضيات الرخاميّة والمصابيح الملوّنة، وتوسّط الباحة الرئيسيّة نافورة كبيرة تحيط بها أشجار الياسمين.

نكهات تونسية

عندما يتعلق الأمر بالمطاعم، فهناك خيارات عدة، سواء البحث عن تجربة تناول طعام راقٍ أو وجبة رخيصة في مقهى شعبي تقليدي. بالنسبة إلى الخيار الأول، Au Bon Vieux Temps، هو عبارة عن مطعم حديقة رومانسي يتضمن قائمة طعام شهية تتميز بالأطباق المتوسطية والتونسية الكلاسيكية، تكملها إطلالات ساحرة على المحيط. 

ولمن يفضل تجربة طعام مختلف، يمكنه الاكتفاء بطعام الشارع، والاستمتاع بتناول السلطة التونسية والهريسة، أو البوريك أحد أشهر الأكلات التونسية، وهي عبارة عن فطيرة رقيقة تتميز بشكلها الدائري، يتم حشوها بالبيض والبقدونس أو التونة أو الجبن أو اللحم المفروم، ثم تخبز بالفرن أو تقلى. ومن يرغب في تجربة طعام تونسي أصيل، عليه ألا يفوت تناول خبز الملا، المشهور بمذاقه والذي لا يمكن العثور عليه في أي مكان آخر في العالم. يحتاج هذا الخبز إلى معدات خاصة وطريقة معينة للطهو على نار في الهواء الطلق، وعادة ما يتناول وحده من دون إضافات، ولكن هناك من يفضل تناوله مع العسل أو الزبادي.

مقاهٍ شعبية

تنتشر في شوارع سيدي بوسعيد المقاهي التي تشتهر بتقديم الشاي بنكهات مختلفة، منها: Café des Nattes، وهي مقهى شعبي محبوب في سيدي بو سعيد من قبل السكان المحليين والسياح على حد سواء، حيث يمكن تناول الشاي بالنعناع والقهوة العربية، كما هناك المقهى العالي الذي يعتبر من أقدم المقاهي في تونس ويتميز بسلالم عالية وبطابعه العربي الأندلسي المذهل. ومن المقاهي التي ينصح بزيارتها، مقهى سيدي شبعان، المعروف باسم Café Des Delices، الذي يتميز بطابعه التقليدي الفلكلوري التونسي، وإطلالته الساحرة، ومعروف أنه شكل موقعاً لتصوير العديد من فيديو كليبات الأغاني لمغنين عالميين وعرب.

 

إقرأ أيضاً: «غرونوبل».. سياحة بيضاء لقلوب دافئة