تعيش سعيدة بلا هموم، وقلبها الأبيض لا تدق بابه الأحزان، وروحها الشفافة لا تنشغل بتعقيدات الحياة. في الصباح تفكر فقط كيف تفرح، وفي المساء تسهر كي توزع البهجة على الجميع بالتساوي.
إنها لطيفة الحوسني، ذات التسع سنوات، التي تتحدى تفاصيل الحياة بالضحكة، فهي من أصحاب الهمم (متلازمة داون)، وهذه المتلازمة تنتج عن وجود كروموسوم إضافي، يعرفه الجميع باسم «كروموسوم السعادة».
يصف الأطباء أصحاب (متلازمة داون) بأنهم يعيشون في سعادة دائمة، يبتسمون للجميع، ولا يعرفون الحزن أو الكراهية أو اليأس.

حب الحياة
سعادة لطيفة، وحبها للحياة، ألهم والدتها أن تحول هذه البهجة إلى مبادرة عزم وإرادة وتفاؤل، تقول ميرة الحوسني والدة لطيفة: «منحنا الله الحياة.. ومنح ابنتي كروموسوم السعادة»، كانت الأسرة دائماً ما تنادي لطيفة باسم التدليل (لولو)، لكن فتاة الابتسامة الدائمة قررت في لحظة واحدة أن تصوب المسار، وقفت أمام الأسرة وقالت من خلال ابتسامتها الدائمة: أنا اسمي لطيفة.
العبارة البسيطة التي أطلقتها الفتاة التقطتها والدتها ميرة: «وقتها شعرت بأن ابنتي تريد أن تعبر عن شخصيتها المستقلة وطريقها الخاص في الحياة. فكرت كثيراً كيف يمكن تحويل طاقة السعادة لدى لطيفة إلى شيء ينشر الأمل بين الناس».

رحلة تحدٍّ
خاضت ميرة رحلة تحدٍّ غير مسبوقة، قررت أن تحول بهجة لطيفة إلى مبادرة استوحتها من لطيفة نفسها، فأطلقت على المبادرة (اسمي لطيفة)، واستخدمت الجوارب الملونة التي تحبها طفلة السعادة، وهي رمز عالمي لمتلازمة داون، لتنطلق منها مبادرة جديدة تُسعد العالم كله.
تقول ميرة: «أطلقنا على المبادرة (اسمي لطيفة)، وهي عبارة عن رسم كلمة السعادة باللغة العربية بالاستعانة بـ 1447 جورباً ملوناً، ترمز لكروموسومات السعادة، لتكون كلمة سعادة هي رسالة لطيفة للعالم كله». ويحتفل العالم في 21 مارس من كل عام باليوم العالمي لمتلازمة داون، عن طريق الجوارب الملونة التي ترمز للكروموسوم الزائد الذي يميز المتلازمة.

طموح الطفلة
حلم الأم وطموح الطفلة وجد دعماً قوياً من فريق متطوعي (بصمة سعادة)، لكن تبقت تفصيلة أخيرة حتى يتحول الحلم إلى حقيقة. بحثت ميرة عن مكان مناسب لإطلاق المبادرة: «كان هدفنا أن نجد مكاناً يناسب طبيعة المبادرة، ولدينا في أبوظبي عشرات الأماكن الجميلة والمميزة، لكن حلم لطيفة ومبادرة (اسمي لطيفة)، يحتاجان خصوصية معينة، فهدفنا أن نرسل رسالة يراها العالم كله، فمن أين يمكن أن ننطلق سوى من مكان تابعته عيون العالم وارتبط بأصحاب الهمم؟
جاء الحل من حديقة الأولمبياد الخاص في منارة السعديات بأبوظبي، فعلى هذه الأرض اجتمع أصحاب الهمم والعزيمة من كل بقاع الدنيا، ليرسلوا رسالة محبة وتحدٍّ وقدرة على تحقيق الأحلام، فأكمل المكان القطعة الناقصة في المشهد، وجعل المبادرة رسالة عالمية للسعادة. وميرة التي تشغل منصب الرئيس التنفيذي للسعادة وجودة الحياة في دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، هي أيضاً مدرب معتمد للسعادة والإيجابية. تعاملت ميرة مع (اسمي لطيفة) كأنها تضع بهجة فتاة الابتسامة أمام العالم كله.

6 ساعات من العمل
في اليوم العالمي لغينيس للأرقام القياسية الذي يصادف 18 نوفمبر، والذي شهد 50 محاولة كسر أرقام قياسية عالمياً، خاضت ميرة التحدي، وعبر 6 ساعات من العمل والقياس والتدقيق، تحت إشراف متطوعين معتمدين من موسوعة غينيس، ووسط منافسات دولية في مهرجان تحطيم الأرقام القياسية تحت شعار (اكتشف عالمك)، توصلت لجنة التحكيم إلى قرارها، لتفوز لوحة ميرة الحوسني وتدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية.


صانعة السعادة
تقول ميرة: «رغم أننا خططنا جيداً، إلا أن الفرحة بفوزنا كانت مختلفة. نعم عودتنا لطيفة على المفاجآت والبهجة، لكن أن ترى طفلتك ترسل السعادة للعالم كله، ويحقق اسمها إنجازاً دولياً، فهذا أمر مختلف بالتأكيد. شعور عظيم بالفخر. طفلتنا الباسمة أرسلت رسالة للعالم بأن السعادة لا بد أن تكون في كل مكان، ونحن كأسرة أنجزنا التحدي. وفخرنا اليوم مضاعف بطفلتنا لطيفة. صانعة البهجة ومانحة السعادة للعالم كله».
التحدي الذي خاضته ميرة، كان أحدث حلقات المسار الإماراتي في نشر السعادة، تقول والدة لطيفة: «سرنا على درب قيادتنا الرشيدة في التسامح والعطاء وإسعاد الناس، وهذا الفوز إنجاز جديد نهديه كمجتمع لبلادنا وقيادتنا ومجتمعنا، ورسالة (اسمي لطيفة) واضحة تماماً: السعادة حق لكل البشر».