مع دخول الناس في متاهة جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»، يتوقع خبراء الصحة في العالم، أن يتم تشخيص 1.5 مليون إصابة جديدة بمرض السكري مع نهاية عام 2020. والفيروس الغامض إذا أصاب مريض السكري، قد يؤثر فيه بشكل مختلف. فهل على مريض السكري أن يقلق أكثر بكثير من سواه؟ أم يستطيع ببعض قواعد الاحتياط تغيير كل المشهد؟

تأثير متباين

يشعر كثير من الأشخاص المصابين بداء السكري، الذي يؤثرفي قدرة الجسم على إنتاج أو استخدام هرمون الأنسولين لتقليل الجلوكوز (السكر) في الدم، بكثير من القلق في كل مرة يسمع فيها بوفاة ما، في مكان ما، بسبب «كوفيد 19». فمنهم من  ظنّ بوجوب التوقف عن تناول بعض أنواع أدوية ضغط الدم، الضرورية في إدارة مرض السكري، لأنها قد تزيد من أخطار «كوفيد 19». ومنهم من ظنّ ان الموت حتمي إذا تزامن وجود «كوفيد 19» وداء السكري في جسد واحد. الظنون كثيرة أما الثابت فهو أن تأثر مريض السكري بفيروس «كوفيد 19» قد يختلف بينه وبين مريض آخر، وهو ومريض السكري الآخر يختلفان حتماً عن سواهما. هذا لا يعني طبعاً أن الفيروس لا يعدل بين البشر. لكن، من يعاني مرضاً مزمناً، مثل: السكري، دهون سيئة، ضغط دم مرتفع، سرطان، ومناعة خفيفة، يتأثر أكثر بكثير من غيره.

علاقة سلبية

في نوفمبر، الذي دأب كل العالم على الاحتفال فيه بيوم السكري العالمي، هل مريض السكري أمام تحدٍّ جديد؟ 

الدكتورة باولا عطا الله، رئيسة الجمعية اللبنانية للغدد الصماء والسكري والدهون، الاختصاصية في الغدد الصماء، تجيب عن السؤال بالقول: «الفيروس ليس زكاماً عادياً بل هو خطير، قد يؤدي عند البعض إلى التهابات رئوية وقلبية خطيرة، وربما في حالات معينة إلى الموت. وحاملو داء السكري قد يشكلون للأسف أبرز هذه الحالات. وكلما زاد عمر الإنسان يُصبح معرضاً أكثر للإصابة، والنساء معرضات أقل من الرجال، والأشخاص الذين نجحوا سابقاً في جعل معدلات السكري مستقرة، قد يُكتب لهم عمر أكثر من أشخاص معدلاتهم غير مستقرة».

ثبتت هذه العلاقة السلبية جداً بين كورونا والسكري، بعدما تبيّن أن كثيرين ممن يعوزون الدخول إلى غرف العناية الفائقة، هم ممن يعانون أصلاً داء السكري، وفي هذا الإطار تشرح باولا عطا الله: «نخشى إذا التقط مريض السكري الفيروس، من مضاعفات كثيرة، إذ دلت الدراسات على أن 20% ممن يدخلون العناية الفائقة هم مرضى سكري. هكذا عرفنا أن الفيروس يتفاعل سلباً مع السكري».

مضاعفات خطيرة

تتكرر على مسامع مرضى السكري خطورة تعرضهم لـ«كوفيد 19» لكن يبقى سؤال الكثيرين: ما مضاعفات الفيروس على مريض السكري؟ تجيب باولا عطا الله: «تزيد مشاكل الأوعية الصغيرة والمتوسطة وشرايين الدماغ، مما يسبب حدوث جلطات دماغية، كما تحدث مشاكل قلبية. هذا بالنسبة إلى مريض السكري من النوع الثاني، أما مريض السكري من النوع الأول، الذي تقتصر علاجاته على الأنسولين، بعدة جرعات يومية، فقد يعاني إذا أصيب بالسكري الحرارة وتنقص المياه لديه ويرتفع الحامض الأسيتوني في جسمه، مما قد يعرضه للدخول في غيبوبة».

المطلوب تنظيم السكري دائماً وأبداً واليوم بالذات. لكن، ماذا لو اضطر مريض السكري والضغط إلى وقف الأدوية في زمن كورونا؟ تجيب باولا عطا الله: «هذا ممنوع أما إذا حصلت الإصابة بكورونا وبقيت تحت السيطرة، بمعنى أنها استمرت بسيطة، فيجب الحرص على تناول دواء السكري والضغط أو الأنسولين كالمعتاد، أما إذا اضطر إلى دخول المستشفى، وربما العناية الفائقة، فيعود لطبيبه استبدال العلاج العادي الذي كان يأخذه بعلاج آخر مناسب، واستبدال الأدوية بحقن الأنسولين في العرق أو تحت الجلد».

نتائج خطرة

مريض السكري ليس معرضاً أكثر للإصابة، لكنه إذا أصيب يصبح معرضاً لنتائج أكثر خطورة من سواه، ولردود فعل أكثر حدة تجاه هذا الفيروس. فمثلاً، الممثل الأميركي توم كروز، المصاب بداء السكري منذ عام 2013، أصيب مع زوجته بـ«كوفيد 19»، لكن هل تضاعفت حالته؟ توم كروز شفي، لكن بما أن الناس تجذبهم أخبار المشاهير، كان لا بُدّ من أن تكون قصته محطة توعية لكل المصابين بالداء، والمعرضين للإصابة بالفيروس في العالم. وأثبتت الدراسات التي انطلقت من حالة كروز أن التقلبات في مستويات السكر في الدم ومضاعفات مرض السكري المحتملة، يمكن أن تحول دون علاج العدوى الفيروسية. في كل حال، الأطباء والباحثون ما زالوا حتى اللحظة يدرسون ما الذي يعرّض شخصاً لخطر «كوفيد 19» أكثر من سواه. وبخصوص السكري تبيّن لهم أن ضعف جهاز المناعة عند مريض السكري يحول في أحيان كثيرة دون محاربة الفيروس أو يؤدي إلى فترة تعافٍ أطول.

احذر الفيروس

إن كنت مصاباً بداء السكري، سارع إلى التحكم في معدل الجلوكوز في جسمك. وإذا ظهرت عليك أعراض الإنفلونزا، مثل ارتفاع في درجة الحرارة وسعال وصعوبة في التنفس، استشر فوراً طبيبك، ولا تتأخر. وتذكر أن أي عدوى ستؤدي إلى رفع مستويات الجلوكوز لديك وزيادة حاجتك إلى السوائل. وتأكد، فيما لو كنت تعيش وحدك، من قدرتك على تصحيح الوضع إذا انخفض مستوى الجلوكوز في الدم لديك فجأة. ولا تنسَ أبداً أن التعامل مع السكري يحتاج إلى حكمة، فكيف إذا أصاب مريض السكري فيروس كورونا؟         

ميزان الطعام

ثمة مقولة رائجة للفيلسوف ابن سينا، هي: (اجعل طعامك كل يوم مرة، واحذر طعاماً قبل هضم طعام). فكيف إذا كان الإنسان يعاني مرضاً يتطلب التعامل مع الطعام كما ميزان الذهب؟

الأكل متعة لكن، حين يضرب المرض لا تعود كلمة لو.. تنفع. لذا فليُضبط الطعام باكراً، خصوصاً لدى مرضى السكري، قبل أن يتحول الطعام من متعة إلى سمّ. ما رأيكم في تناول الأسماك الدهنية؟ إنها أكثر الأطعمة الصحية على كوكب الأرض. تناولوا السلمون والسردين والماكريل، كونها مصادر رائعة لأحماض أوميغا 3 الدهنية، وتقي مريض السكري مخاطر ومضاعفات كثيرة.

تناولوا الخضار ذات الأوراق الخضراء، كونها مغذية جداً ومنخفضة السعرات الحرارية، وتجنبوا الكربوهيدرات التي ترفع مستويات السكر في الدم. السبانخ شهي وممتاز. تناولوا أيضاً القرفة كونها من التوابل اللذيذة وتحتوي على مضادات الأكسدة.

تناول البيض ضروري أيضاً، نظراً لفوائده الكثيرة فهو، على عكس كل الشائعات السابقة، يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، كونه يسهم في تخفيض الالتهابات ويحسن حساسية الأنسولين ويزيد من مستويات الكوليسترول الجيد.

بذور الشيا رائعة لمرضى السكري، كونها غنية بالألياف ومنخفضة الكربوهيدرات، وتساعد ألياف الشيا على تخفيض مستويات السكر في الدم عن طريق إبطاء معدل انتقال الطعام عبر الأمعاء وامتصاصه. الكركم من التوابل المفيدة أيضاً في تخفيض مستويات السكر في الدم.

الخبز الأبيض انسوه. ومثله الأرز الأبيض والمعكرونة البيضاء والبطاطا واليقطين والشمام والأناناس. وابتعدوا عن المأكولات التي تحتوي على الدهون المشبعة والمتحولة والمقالي ومشروبات الطاقة والغازية والأطعمة المملحة.