ما نواجهه اليوم من أزمة لم نشهدها من قبل يجعلنا أمام منحنى كبير في حياتنا الفردية والمجتمعية، بل والبشرية. فحين نقف لنتأمل المشهد نشعر بأننا أمام لوحة سريالية يضع الرسام بريشته خطوطاً متداخلة غريبة الأشكال، ليتسرب إلينا القلق من المستقبل ومن الحاضر الذي اختلفت آلياته وأنماطه. أصبحنا نقضي وقتنا الأكبر في البيت، فأصبحت الأسر في مواجهة هذا المشهد السريالي.

إن التسارع في الحياة وأنماطها والتكنولوجيا، أدت بأفراد الأسرة إلى التباعد.. يعيشون غرباء في منزل واحد تجمعهم دقائق من الوقت بعدها يعيشون في عوالم مختلفة ننظر إلى بعض نظرة الغرباء

لم تعد الأسر دافئة بل تسرب لها الصقيع وأصبح أمن الأسرة مهدداً، بعد أن تعودنا على هذا النمط، فجأة تأتينا الرياح بفيروس «كوفيد 19» لنستعيد التقارب من جديد بعد أن بقينا في البيوت فترة طويلة فبدأ الصقيع يتحول إلى فيضان متدفق من التواصل الاجتماعي الحقيقي، بعيداً عن التواصل الافتراضي، لتستعيد الأسرة دفئها الضائع من جديد.

إننا أمام حقيقة وواقع مختلف أن واقع الأسرة لم يعد كما كان وكأننا نتعرف إلى بعضنا من جديد حتى تفاصيل المنزل بدأنا نراها بشكل مختلف ونعيد اكتشاف أركانه.. إنها لحظة فاصلة نرى فيها ماذا فعلت بنا الحياة المتسارعة، فكيف نحول أثراً من آثار تلك الأزمة إلى جانبه الإيجابي ونعيد لهذه الأسرة دفئها لتستعيد دورها الأساسي في تكوين مجتمعات قادرة على مواجهة الآثار التي سبقت كورونا.

نحن أمام واقع مختلف لا بد أن نعيد ترتيب آلياته حتى نستفيد من هذه الأزمة ونحولها إلى طاقة إيجابية فاعلة.. اقتربوا من أبنائكم أكثر.. تخلصوا من هواتفكم المحمولة.. اعطوا الفرصة للحديث والحوار أكثر وأكثر عبر دفء الصوت وحنان الرؤية بعيداً عن الشاشات الزرقاء.. اقرؤوا ودعوا أبناءكم يقرؤوا ووسعوا دائرة الحوار معهم، ستنمو روابط عاطفية جديدة بينكم، سيتعودون على حالة جديدة من التواصل تترك أثراً إيجابياً فيهم.

نحن اليوم أمام الزمن الذي وقف ليقول: «أريد أن أرى وجوهكم المختبئة خلف الشاشات الزرقاء.. وأريد أن أسمع أصواتكم.. وأن أشعر بدفئكم».