(وهكذا انتهت عذاباته، ولم يعد يشعر بالألم من جديد).. تبدو هذه العبارة لمن يقرؤها كنهاية سعيدة لرواية ما، ولكن المتمعن فيها سيرى أنها تتحدث عن شخص مات وغادرته الروح! 

ففي الحياة ما من إنسان حي إلا وله من الألم نصيب، سواء قل مقداره أو كثر!

ولكل منا فلسفته الخاصة مع الألم، البعض يرى أن الألم عقاب يستوجب على الإنسان الخضوع له جزاء ما اقترفت يداه من آثام، لكن الغالبية تجد أن الألم ما هو إلا عملية تطهير للنفس وامتحان لقوة إيمانها، وتغافلها عن جوهر الحياة حين يداخلها الكِبر والغرور.

ولكل منا طريقته الخاصة في التعامل مع آلامه، الكثيرون يجزعون ويندبون حظهم صارخين: لماذا نحن؟ 

وقلة من الناس هم من يتعاملون مع الآلام بحكمة وصبر حتى يتجاوزونه.

حين نتوقف أمام تفاصيل الحياة ونفكر ملياً فيما نمر به فإننا حتماً سنكتشف أن كل تفاصيل الحياة، تقوم على مفاهيم متناقضة، فإن لم تشعر بالشبع فذلك لأنك لم تتلوّ من الجوع، ولن تكون ممتناً للحظات الفرح ما لم يعتصر قلبك الحزن. 

هذه المفارقات هي ما يوصلنا إلى حقيقة راسخة أن الشعور بإحساس ما لا يمكننا الوصول إليه ما لم نشعر بنقيضه، حتى نستوعبه ومن ثم نتمكن من التعامل معه.

هناك حالة طبية نادرة يصاب بها قلة من الناس تعرف بحالة عدم الإحساس الخلقي بالألم، وفيها تتعطل الأعصاب عن الإحساس بدرجات قوية من الألم جراء الكسور أو الحروق.

قد يشعر البعض بأن هؤلاء محظوظون ألا يكون لهم نصيب من الألم، ولكن ما لا يعلمونه أن المصابين بهذه الحالة هم أكثر عرضة للخطر بسبب الإصابات التي قد يتعرضون لها وتؤذي أجسادهم من دون أن يشعروا بها! 

ولعل ما قاله الفيلسوف الألماني نيتشه يلخص لنا فلسفة الألم في الحياة وهو الذي عانى نوبات طويلة من الألم والمرض طوال حياته، إذ يقول: 

هل سبق أن قلتم نعم للذة؟ بعدها قلتم نعم للألم أيضاً، كل الأشياء مترابطة، متشابكة، في حب بعضها البعض، ما لا يقتلني يجعلني أقوى.

اقرأ أيضاً:  أسماء الفهيم رئيسة التحرير تكتب: عيدك يا وطن