أكثر ما يحتاجه الناس هذه الأيام أن يتنفسوا بسلام، فهم أحوج ما يكونون إلى القيام بعملية الشهيق والزفير، وهم مطمئنون أنهم بخير. فوسط انتشار فيروس كورونا الذي «دوّخ» العالم، صار الجميع يتمنون أن يحظوا برئتين سليمتين قادرتين على التصدي لهجمات الفيروس، خاصة في فصل الشتاء الذي تكثر فيه أمراض القصبات الهوائية. صحيح أن فهم العالم لـ«كوفيد 19» بات أكبر وأعمق بكثير من قبل، لكن تظل الرئة الشغل الشاغل لكل الناس، كونها القادرة على الانتصار على الفيروس المستجد.

أسئلة مقلقة

بعد أكثر من عام على تسلل الفيروس المستجد، الذي ما زال يشغل سكان هذا العالم. تستمر الأسئلة نحوه: كيف يهاجم أجسامنا؟ وكيف نحمي أنفسنا إذا نجح في اختراق حاجز الجسد؟ ومتى تهزمه الرئة؟ وكيف لها أن تهزمه؟

الدكتور جورج جوفلكيان، الاختصاصي في الأمراض الرئوية والإنعاش الطبي، يقول: «يصيب الفيروس الكبد والرأس وعضلة القلب، لكن يبقى السبب الرئيسي لدخول المستشفيات والوفيات يكمن في تأثيره المباشر في الرئتين، فتأثير هذا الفيروس في الرئتين، يسبق في حالات كثيرة ظهور أعراضه، ولا يظهر هذا التأثير إلا من خلال الآشعة، لذا يعتبر التدخل التكتيكي المبكر ضرورة، قبل أن يستفحل الفيروس ويسبب عطباً ما أو يؤدي إلى جلطات رئوية أو تليف في الرئتين وربما الوفاة. الفيروس سينتهي، ولكن لن يكون ذلك بين يوم وآخر، لذا احموا أنفسكم عبر حماية الرئتين جيداً وثقوا بأنهما ستعودان، إذا كانتا قويتين، إلى طبيعتهما بعد العلاج والشفاء».

عضو أساسي

الرئة تعني التنفس، والتنفس يأخذنا إلى الرئة. وهناك أمراض كثيرة تؤثر في هذا العضو الأساسي في الجسم، بينها الانسداد الرئوي المزمن وداء التهاب الرئة والبدانة والتكيس الليفي، الذي يسبب انسداد الشعب الهوائية ويؤثر في الرئتين والبنكرياس. ولعلّ الوقاية من هذه العلل قبل حدوثها، أو التعامل معها بذكاء وبممارسات صحية، يُخفف كثيراً من آثارها السيئة ويحُول دون تسببها في تدهور عمل الرئتين، إذا أصاب الجسم فيروس ما.. قد يكون فيروس كورونا.

الوقاية أنجع

حتى نسير في اتجاه حماية الرئة من الأمراض والالتهابات. فلنتوقف عن التدخين أو فلنخفف منه، ولنبتعد قدر الإمكان عن التوترات النفسية. ولنحمِ أنفسنا من لفحات الهواء البسيطة، لأنها قد تؤدي إلى كوارث رئوية إذا كان الجهاز المناعي ضعيفاً. فلنأكل جيداً، ونبتعد عن مصادر التلوث والغبار والمواد الكيميائية. فلنحافظ على وزن سليم. ولنتذكر دائماً أن الوقاية قد تكون أنجع من ألف علاج.

يتحدث الدكتور بسام محبوب، استشاري الأمراض الصدرية والحساسية والمناعة، عن إصابة نحو 3.7% من سكان دولة الإمارات بالانسداد الرئوي المزمن، الذي يؤثر جذرياً في نوعية حياتهم. في المقابل، يعاني 5.3% من سكان لبنان نفس المشكلة، و3% من سكان السعودية، و6% من سكان الصين. وأكثر من 210 ملايين شخص في العالم يتعايشون مع مرض الانسداد الرئوي المزمن COPD. وهذا داء واحد فقط، من جملة أمراض قد تصيب الرئة، لذا يجب الانتباه إلى الرئتين كما القلب والعقل. وفيروس كورونا إذا نجح في التسلل إلى رئتين مريضتين، قد يرفع علامة الانتصار بسهولة. في كل حال، تقدر منظمة (بوهرنجر إنجلهايم) الصحية أن يكون 60% من سكان منطقة الشرق الأوسط معرضون للإصابة بالأمراض الرئوية، بسبب ارتفاع أعداد المدخنين ومعدلات البدانة. فلننتبه إذاً إلى كل تلك التحذيرات قبل أن تُصبح العودة للوراء غير ممكنة.

فيروس ذكي

كثيرون يخلطون بين الربو والتهاب الرئة والانسداد الرئوي. لكن، قليلون هم من ينتبهون إلى أن الفيروس المستجد ذكي ويعرف كيف (يضرب ضربته) في جسد يعاني صدره والرئتان فيه عللاً. لذا، لا تتساهلوا الآن، أكثر من أي وقت، مع أشكال العلل الصدرية والرئوية كي تتجاوزوا، إذا أصبتم بعدوى فيروسية، الأخطار المحتملة.

التحذيرات كثرت طوال عام من براثن هذا الفيروس المستجد، ومن العلل الجسدية التي تسمح له بالفوز، ولكن، مع نهايات سنة، وبداية أخرى جديدة، يفترض أن نضع أول أعمدة مواجهة كورونا، ويجب أن نظل منتبهين إلى أن «الفريسة قد تسهل إذا ظنّت أنها قد أصبحت محمية». فنحن لا نزال في موسم بارد يؤثر في الرئتين، واللقاح، أي لقاح، يحتاج إلى فترة زمنية إضافية للتأكد من فعاليته. لذا، فلنحافظ قدر الإمكان على الرئتين دائماً، مع الإقلاع عن التدخين، لأن القصبات الهوائية، مثل القساطل، تحترق بسبب التدخين وتحمر وتتورم وتضيق، فيحتاج الإنسان إلى مجهود مضاعف كي يتنفس.

  • الجوز مصدر جيد لأحماض أوميغا 3 الدهنية.

الوزن السليم يحمي الرئتين

الغذاء المتوازن والمتنوع، ضروري للحفاظ على وزن صحي سليم، والوزن السليم يحمي الرئتين، فهناك أطعمة وسوائل تحتوي على عناصر غذائية أساسية تساعد على منع العدوى. وهناك مأكولات تدعم جهاز المناعة، فمثلاً الفاكهة والخضار التي تحتوي على فيتامينات ومعادن، تساعد على محاربة التهابات الصدر. والكربوهيدرات النشوية تساعد بدورها على منح الجسم طاقة للتنفس. البروتينات ضرورية أيضاً في الحفاظ على قوة العضلات، بما فيها عضلات الصدر التي تساعد على توسيع الأضلع أثناء التنفس. ويمكن تناول الجوز كونه مصدراً جيداً لأحماض أوميغا 3 الدهنية، التي توفر الحماية من الالتهابات. ويكفي تناول ست أو سبع حبات منه يومياً من أجل تعزيز المناعة والدورة الدموية لخلايا الدم الحمراء الصحية وتحسين عمل الرئتين. كما يمكن الشاي الأخضر الذي يحتوي على مضادات الأكسدة، مما يمنح الجسم القدرة على تخفيض الالتهابات في الجسم وتعزيز الشفاء.

  • التمارين الرياضية تبقي الجسيم نشيطاً.

التوتر يخفض المناعة

هناك من يسمونه الطب البديل وهناك من يدرجونه في خانة الطب الطبيعي، فالطبيعة أفضل دواء لكثير من الأمراض وسبيل أولى للوقاية.

يمكن القيام ببعض التمارين البدنية البسيطة يومياً، التي تبقيكم نشيطين، ونشاطكم يكفل لكم تحسين نوعية الحياة وضخّ الهواء إلى الرئتين. تمارين اليوغا والتاي تشي، تفيد كثيراً الأشخاص الذين يعانون مشاكل رئوية، لا سيما الانسداد الرئوي المزمن.  التوترات النفسية تخفض المناعة، والمناعة المنخفضة تتيح تسلل الأمراض، ووجود فيروس ما يتربص بالبشرية، سيؤدي إلى مشاعر سلبية وتوترات واكتئاب وقلق. لذا على كل واحد منا أن يدير بكل شجاعة صحته النفسية، كي لا تكونوا ضحية سهلة لمشاكل في الرئتين أو لعدوى ما. 

ينفع أيضاً تناول بعض أنواع المكملات الغذائية والفيتامينات، خاصة من النوع (د) كونها تخفف من التهابات الجهاز التنفسي، إضافة إلى الأحماض الدهنية «أوميغا 3»، التي تفيد جداً في مواجهة الالتهابات، والأحماض الأمينية الأساسية التي تساعد على بناء البروتين في الجسم، والفيتامينات المضادة للأكسدة من نوع A وC وE، التي تعمل على تحسين وظائف الرئة، خصوصاً إذا دمجت مع أوميغا 3. وهناك بعض الأعشاب قد تفيد أيضاً في الوقاية لا سيما الكركم والجينسنغ والزنجبيل.

مشاهير.. ضحايا الالتهاب الرئوي

• الأميركي ليوناردو نيموي، الذي أحبّه كثيرون في دور «السيد سبوك» في فيلم star trek، كان قد عاني كثيراً مشاكل في الرئتين مما سبب موته قبل جائحة كورونا بخمسة أعوام.

• أوبرا وينفري، ملكة الإعلام، حاربت الالتهابات الرئوية طويلاً، التي ظنتها في البداية مجرد نزلات برد. عانت وينفري هذا المرض، لكنها بعد انتشار فيروس  كورنا المستجد، تبرعت بثلاثة ملايين دولار لمساعدة ضحايا «كوفيد 19» والحؤول دون انقطاع النفس عن أي إنسان.

• توفيت الممثلة الأميركية بريتاني ميرفي بسبب داء الرئة، بعد دخولها في غيبوبة.

• عارضة الأزياء كيم بورتر عانت مشاكل رئوية، وأعراضاً تشبه الإنفلونزا وتمّ العثور عليها ميتة في منزلها في لوس أنجلوس.

• مغنية البوب، الممثلة الأميركية جوردين سباركس أصيبت هي أيضاً بمشاكل رئوية، ومثلها الممثل الأميركي الساخر بيرني ماك وكثيرون.

  • أوبرا وينفري

5 أسئلة وأجوبة

1-  ما يحدث للرئتين في حالات «كوفيد 19» الخفيفة؟

- عندما يعبر الفيروس الى الصدر، يبدأ العبث في الشعب الهوائية مسبباً الالتهاب. وحين يزداد هذا الالتهاب يشتد السعال الجاف الذي يبدو لوهلة أولى كما الربو. وقد يترافق ذلك مع ضيق في الصدر أو ألم عميق أثناء التنفس. وتُعدّ هذه المرحلة، على الرغم من الضيق الذي تسببه، خفيفة، وينتج عنها تورم وضيق مجرى الهواء.

2- ماذا يحدث للرئتين في حالات «كوفيد 19» الخطرة؟

- تعتبر حالة متقدمة عند إصابة أنسجة الرئة بورم وامتلائها بالسوائل وبقايا الخلايا الميتة. وتُصنف هذه الحالة سريرياً بالالتهاب الرئوي. ويمكن أن يؤثر تراكم السوائل في مستويات الأكسجين لدى المصاب، كما يمكن أن يكون هذا الالتهاب الرئوي خفيفاً أو متوسطاً أو شديداً أو يمكن أن يهدد حتى الحياة، وذلك تبعاً لقدرة الرئتين على نقل الغاز ومدى صعوبة التنفس. وحين ينقص الأكسجين في الدم يحتاج الشخص حتماً الى أكسجين إضافي ومراقبة دقيقة جداً في المستشفى.

3- في حال كنت قد أقلعتُ عن التدخين قبل أعوام كثيرة من «كوفيد 19»، هل تبقى المخاطر القائمة نفسها؟

- الضرر الذي يكون قد لحق بقدرة الجهاز التنفسي على مكافحة العدوى، يبدأ في التعافي بعد التوقف عن التدخين فوراً.

4- يبدأ أول أعراض مشاكل الرئة خلال النوم حيث يستيقظ المصاب وهو في أشد الحاجة إلى هواء. فماذا عن الأعراض الأخرى التي تُنذر بوجود مشاكل في الرئتين؟

- أولى علامات الشك تكون البدانة، تتبعها سلسلة إشارات بينها النعاس المتكرر، الصداع الشديد صباحاً، جفاف الحلق، ارتفاع متكرر في ضغط الدم، الاكتئاب، النقص في الأداء الوظيفي العام، توقف التنفس أثناء النوم والذي قد يؤدي بدوره إلى مقاومة الجسم للأنسولين، مما يزيد من إمكانية الإصابة بداء السكري. كل تلك الاضطرابات مرتبطة ببعضها البعض، لذلك نسمع كثيراً أن من يعاني أحدها يكون معرضاً أكثر لمخاطر تطور الإصابة بـ«كوفيد 19».

5-هل صحيح أن الجسم يسهم بشكل أو آخر، في حماية الرئتين؟

- ينقسم الحلق إلى منطقتين، منطقة أمامية يمر بها الأنبوب الهوائي الذي يصل إلى الرئتين، ومنطقة خلفية يمر بها أنبوب ينتهي في المعدة ونسميه المريء. أما الهواء فيمر عبر أنابيب أصغر تسمى القصبات الهوائية وهي موجودة في الرئتين. وتنتج بطانة تلك القصبات مادة تسمى المخاط، تعمل على التقاط الشوائب من الهواء وطرحها عبر المخاط خارج الرئتين. وينضم عادة إلى عملية حماية الرئتين من الجراثيم والفيروسات التي تتطاير في الهواء، جهاز الإنسان المناعي فيمنعها من العبور إلى الرئتين كي لا تصابا بالعدوى، لكن حين تنخفض المناعة يصبح اختراق تلك الجراثيم والفيروسات أسهل، فتحدث الإصابة بالتهاب الرئة.

اقرأ أيضاً:  «التبرع» عندما تبدأ الحياة من جديد