«ويمضي العام بعد العام بعد العام

وتسقط بيننا الأيام

رمادٌ أنتِ في عيني

بقايا من حريق ثار في دمنا.. ونام

ويمضي العام بعد العام بعد العام

فلا أنتِ التي كنتِ.. ولا أنا فارس الأحلام!»

كلمات «جويدة» التي اخترتها أنت في رسالة وداعك الأخيرة لا تزال ترقد في درج مكتبي كوردة ذابلة خانتها السقيا، عبر نافذة الغرفة تبدو زينة الشوارع مرحبةً بالعام الجديد وعبر نافذة قلبي تبدو وحشة العمر الذي تركته خلفك!

ياحبنا.. من ضيعك؟!

من أطفأ القناديل في شوارعك وتركنا في ظلمة البرد نتخبط؟!

كيف هنتَ علينا؟! كيف هُنّا؟!

المطر الحبيب الشاهد على جنونك صار بعدك غريباً عجوزاً يتكئ على صمت الخذلان!

السماء التي كانت يوماً ما قريبة تكاد تمسها أناملنا العاشقة الآن عادت بعيدة تسخر من حمقنا!

والأرض التي احتضنت -كأم- خطواتنا المتعانقة الآن تتزلزل تحتنا.. تتصدع.. تتركنا مترنحين فلا قوة وقوف ولا استسلام سقوط!

تذكر يوم حكيت لي عن أسطورة حمائم المطر؟! تلك الشفافة غير المرئية التي تنقل عبر البعد رسائل العاشقين المكابرين الذين يستنكفون عن البوح؟!

ما زلت أثق بأساطيرك فلأفتح لها النافذة إذاً ولأبعث معها رسالتي.. كيف حالك يا حاضراً لم يغب وغائباً لم يكف لحظة عن الحضور؟!

كيف حال الشوق في عينيك الساهرتين دوني؟! وكيف حال ابتسامة «لقيطة» على شفتيك لم أعترف أنا لها بشرعية؟! كيف مر عامك دوني وهل اعترفت بأيامه أم أسقطته -مثلي- من تقويم عمرك؟! لا تدع العام الجديد كذلك يسقط؟! تعتذر أنت أم أعتذر أنا؟!.. أذكر أحدهم قال لي يوماً أن لا فارق بين «أنت» و«أنا»! سأعيد صياغة كلمات «جويدة» التي اخترتَها رسالة وداع لتكون «عربون» صلح:

ويمضي العام بعد العام

وتنضج مثلنا الأيام

ربيع أنت في عيني

مزيدٌ من جنون ولد في دمنا.. ودام

ويمضي العام بعد العام

وما زلتُ التي كنتُ.. وما زلتَ فارس الأحلام.

أغلق نافذتي وأفتح هاتفي.. مؤمنة بأسطورتك تنتظر الرد وها هو ذا يأتي معبقاً بريحان عفو عاشق:

(لم أكن ماهراً في «الجغرافيا»، لكنني منذ تعامدت شمس حبك على خطي.. عرفت استوائي!

لم أكن ماهراً في «التاريخ»، لكنني فهمت من عينيكِ كيف يمكن أن ينتهي عصرٌ ويبدأ آخر!

لم أكن ماهراً في «الحساب»، لكن حبكِ الغريب أخبرني أن الواحد يساوي العشرة والمئة والألف.. بل والمليار

لم أكن ماهراً في «العربية»، لكنكِ السلطانة التي لم تخلق لها لغة بعد.. ماتت الحروف على أبواب قلعتها، وسخر لؤلؤ تاجها من بريق الكلام!

لم أكن يوماً ماهراً إلا في شؤون النساء.. وعندما لقيتكِ أدركت أي ساذج كنت.. أي غرّ صرت.. وأي عاشق سأصبح!

يا إعصاراً تجسد في كيان امرأة.. سألتكِ ألا تكفّي يوماً عن اجتياحي!)