بالقلم رسم وصمم، وبالإزميل نحت الحجر وطوع المعدن أعمالاً فنية عكست إبداعه المتجدد دائماً، وجعلته واحداً من أبرز الفنانين التشكيليين في الإمارات. بدأت رحلة الفنان الإماراتي مطر بن لاحج في استكشاف عالم الرسم والفنون في سن صغيرة جداً، ومع الوقت اكتسب خبرة كبيرة في ترجمة خياله وتحويله إلى أعمال فنية حقيقية تكللت بـ«طاقة الكلام» التحفة الذهبية لمقولات المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، والتي تعرض في قصر الوطن في العاصمة الإماراتية أبوظبي. وفي حواره مع «زهرة الخليج» يكشف بن لاحج عن كواليس إتمام أعماله الفنية ومصادر إلهامه وإبداعه.

  • مطر بن لاحج

 

•  متى بدأ شغفك؟ كيف كانت مسيرتك وانطلاقتك نحو عالم الفن والإبداع؟

- مارست الرسم منذ صغري، ودائماً ما كنت قريباً من عالم الفن، وقد بدأت رحلتي من الصغر حتى اليوم، الأمر الذي زرع في نفسي شغفاً نحو التطور الذي تعزز مع مرور الوقت، وهذا ما جعلني أكتشف نفسي من خلال أشياء كثيرة في هذه المرحلة.  بدأت الرسم منذ سن السادسة، وفي سن الـ23 بدأت الاحتراف، وحتى اليوم أنا لا أزال أحترف الفن، وقد منحني هذا الأمر نوعاً من الخبرة الكبيرة في ترجمة الخيال وتحويله إلى أعمال فنية حقيقية. قد تكون انطلاقتي الفنية متأخرة نوعاً ما، لأني كنت أبحث عن نفسي لتكون انطلاقتي قوية، لم أكن أهتم لعامل الوقت قدر اهتمامي بالبداية الصحيحة، ومن ثم عرفت أني أستطيع الانطلاق من خلال الرسم والنحت والتصميم. وأستطيع القول إن الفنان يعيش عمرين، واحداً مع الهواية وآخر مع الاحتراف. أما بالنسبة لي، فإن عمر الاحتراف وصل الآن إلى ما يقارب ثلاثين سنة، وهو أمر مهم بالنسبة لي، ويمكنني القول إني إنسان محظوظ لأني استطعت أن تكون لي مساهمتي الخاصة في تحفة «طاقة الكلام»، وعرض منحوتاتي في الصرح العريق (قصر الوطن)، فهذا العمل الفني يحظى برمزية خاصة لدي، نظراً للطاقة الكبيرة التي نستمدها من كلمات المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

إلهام وتأثر

• ما الذي ألهمك لإبداع العمل الفني «طاقة الكلام»؟

- كان الإلهام الخاص بهذا العمل المميز موجوداً لدي منذ عدة سنوات، وقد استلهمت فكرة العمل من كلمات ومقولات المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لما لها من طاقة وحلاوة، ميزته عن أمثاله من الناس في ذلك الوقت، وكنت أتأثر جداً بهذا الكلام، منذ زمن وأنا أتحدث عن عمق مقولات الشيخ زايد، ومعانيها وطريقة سرده لها، فهي عبارة عن طاقة كبيرة تخرج من كلمات بسيطة. كان صوت المغفور له الشيخ زايد وكلماته ومعانيه - ولا تزال ـ لها أثرها الكبير في المجتمع، وأصبحت لها الآن نتائج موجودة ويحتذى بها، فقد تحدث عن مختلف المواضع مثل الاتحاد، والعزة، والجهاد، والتسامح وغيرها من الكلمات والعبارات التي تنبع منها طاقة تصل إلى القلب مباشرة، وعلى هذا الأساس جاءني الإلهام. 

• ما المعدن الذي اخترته لتصميم تحفة «طاقة الكلام»؟

- قمت بتصميم العمل من (الستانلس ستيل) المصقول بدرجة marine 316 L grade، وهو معدن مقاوم للصدأ والعوامل الجوية المختلفة، وقد تم تغطيسه وتلبيسه بماء الذهب، وليس من الذهب الخالص، فالذهب مكلف جداً لتصميم عمل بهذا الحجم. وهذا هو العمل الأول لي من هذا النوع، والأضخم باللون الذهبي. كما أنني صممت أعمالاً أخرى أيضاً من (الستانلس ستيل) وهي تجسد مقولات أخرى للوالد المؤسس الشيخ زايد، طيب الله ثراه.

• كم استغرقت من الوقت لإكمال كل عمل من أعمال (طاقة الكلام) الثلاثة؟

- قمت بتنفيذ وصنع الأعمال الثلاثة في غضون ثلاثة أشهر ونصف تحديداً، وتعرض حالياً جميعها في قصر الوطن بأبوظبي.

• كم يبلغ وزن كل عمل من هذه الأعمال الفنية؟

- يبلغ وزن العمل الفني «طاقة الكلام» الموجود داخل القصر، بحدود 6 أطنان، أما العملان الموجودان في الحديقة الخارجية للقصر فهما متساويان في الوزن، ويبلغ وزن كل منهما 4 أطنان، وهما عبارة عن حروف مفرّغة من الداخل.

• هل تم إبداع وتصميم هذه الأعمال خصيصاً لعرضها في قصر الوطن؟

- نعم، وارتأيت أن هذا العمل هو الأنسب بهذا الشكل ليتناسب مع مكانة القصر الذي يعتبر أيقونة معمارية كبيرة، ويجب تصميم عمل فني يمتاز بالرقي والاتزان ليتناسب مع قيمة وبهاء المبنى نفسه. 

دراسة وافية

• هل يمكن أن تشرح لنا آلية صنع وإبداع هذه الأعمال؟ كيف بدأت؟ وكيف كانت رؤيتك للشكل النهائي لها؟

- أقوم بوضع التصميم الكامل للعمل الفني، وبعد ذلك أقوم بتحويله بشكل هندسي إلى آلية التنفيذ، حيث يتم كامل العملية في المعمل الفني الخاص بي. وشكل تنفيذ هذه الأعمال تحدياً كبيراً، بحيث تعكس جمالية الخط العربي بحروف وانحناءات كبيرة، وطبعاً احتاج منا دراسة هندسية وافية، وقطعنا مراحل متعددة في طريقة التنفيذ، وفاجأنا الجميع بأننا لا نصمم على الورق فقط بل ننفذ أيضاً، وبفضل من الله عزوجل، وصلت إلى مرحلة الإتقان في تجسيد الخيال والأفكار من خلال الثقة بالله أولاً، ومن ثم الخبرة التي تحتاج إلى آلية عمل وعلم، وقرار إلى تحويل الأفكار وتجسيدها على ورق ثم إبداعها كعمل فني مجسم، وهذا يحتاج ثقة وقدرة كبيرة. أما فيما يخص رؤيتي للشكل النهائي لهذه الأعمال، فإنني أحرص كفنان على الانتهاء من وضع الرؤية في البداية، حيث أضع التصورات لهذا العمل في مخيلتي، ثم أبدأ مرحلة التصميم بحيث يخرج العمل الفني على هذا الشكل، فأنا لا أتردد مطلقاً في آلية وطريقة الإنتاج. 

• ما الذي يعنيه لك كفنان أن تمتلك عملاً فنياً معروضاً في قصر الوطن؟

- كلي فخر وسعادة أن تعرض أعمالي الفنية في قصر الوطن، الذي يعتبر من أحد أهم الصروح الفنية والثقافية على مستوى العالم، وأن أسهم في وضع لمسات من الذوق والجمال في بلد الذوق والجمال نفسه. ولا يسعني التعبير عن مشاعر السعادة التي تعتريني لمساهمتي في ترجمة أقوال ومأثورات الوالد المؤسس، فأنا الوحيد، بفضل الله عزوجل، الذي استطاع أن يجسد كلمات الشيخ زايد في تحفة فنية بهذا الحجم. 

• ما السبب وراء اختيارك هذه الكلمات المأثورة عندما قررت صنع هذه الأعمال؟

- وردني تكليف بتصميم عمل فني خاص بقصر الوطن، واقترحت أن يستمد هذا العمل الفني فكرته من كلمات الشيخ زايد في البداية، حتى إنني سميت هذه الأعمال باسم الشيخ زايد، طيب الله ثراه، نفسه، ومن ثم تم تحويل الاسم إلى (طاقة الكلام). أما بالنسبة لاختيار هذه الكلمات، فنحن جميعاً كبرنا مع تصريحات وأقوال الشيخ زايد التي حفرت في عقولنا، لقد احترت في البداية عند اختيار الكلمات أو المقولات، إلا أن اختياري وقع في النهاية على هذه الكلمات المأثورة التي كان لها أثر كبير ودور بارز، خاصة في موضوع الإنسان. 

 

عيش الابتكار

• هل واجهتم تحديات أو صعوبات أثناء تنفيذ هذه الأعمال؟

- قليلاً وتمثلت في كيفية نقل هذا العمل الفني الكبير جاهزاً إلى قصر الوطن، إلا أن لهذه التحديات طعماً خاصاً عند التعامل معها بنجاح، فقد اتبعنا شروطا معينة، كما أن تعاون إدارة القصر مكنتنا من تنفيذ هذه العملية بالشكل الأمثل، وكان هذا التحدي الأكبر بالنسبة لي، أن أقوم بتركيب عمل في مكان جاهز – فهذه قمة التحدي، والحمد لله تمكنا من إنجاز هذا الأمر بنجاح كبير.

• قمتَ بإبداع العديد من الأعمال الفنية بأشكال وأحجام مختلفة في السابق، ما الفكرة التي دفعتك لابتكار هذا النوع من الشكل الفني بالحديد؟

- بالنسبة لي كفنان ومصمم ورسام ونحات ومصور، عندي دائماً تحديات، فأنا لا أحب الأرض الواحدة، بل أحب أن أكتشف الأراضي المختلفة وخصوصاً في عالم الإبداع، أحاول التنقل دائماً من اكتشاف إلى اكتشاف، من مادة إلى مادة أخرى، من قلم إلى أداة حفر إلى تكنولوجيا، وغيرها. فأرغب دائماً في أن أعيش الابتكار في كل جوانبه، فالإبداع مثل الشمس التي تشرق كل يوم على الأرض، والأرض فيها دائماً شيء جديد، وهذا هو الإبداع بالنسبة لي.