يُحرض الشاب العماني الطموح ،عبد الله المعولي، الناس على مشاركة قصصهم من أجل التشافي، وسط منبر بميكروفون، وأضواء محيطة، وجمهور محب لسماع القصص. ظلت الفكرة تختمر في عقله لسنوات عديدة، وأراد أن يقدم في العالم العربي، ما رآه منتشراً بشكل رائع في العالم الغربي، وله مردود نفسي جميل على المشاركين، ورغم السنوات العديدة التي لم تصبح فكرته فيها واقعاً إلا أنه احتفظ بها، وأصر عليها، حتى أصبحت اليوم مساحةً محببة للكثيرين، في سلطنة عمان. True Story Tent، أو الخيمة الآمنة، الاسم الدافئ الذي أطلقه عليها، ومنح من خلالها الناس أمان مشاركة تجاربهم مع الآخرين.

• ما هي مبادرة True Story Tent، وكيف جاءت فكرتها؟

- المبادرة عبارة عن سلسلة من الفعاليات التي تقام في مواقع مختلفة في الشرق الأوسط، حيث يمكن للأشخاص أن يشاركوا قصصهم من خلالها، أو يستمعوا لقصص الآخرين. كما أنها أصبحت «بودكاست» أشارك العالم عن طريقه بعض القصص التي طرحها أصحابها في الفعاليات.. بدأ الأمر برمته بسبب «البودكاست»، فقد أمضيت السنوات الخمس الماضية وأنا أستمع لبرامجه، وأحد البرامج الذي استمعت له أثناء وجودي في المملكة المتحدة، هو The Moth، وفيه يتبادل الأشخاص  القصص على خشبة مسرح، ثم يروى برنامج «البودكاست» هذه القصص. وكنت خلال استماعي له أتمنى لو أمكنني يوماً حضور فعالية كهذه، وكنت أتخيل شكل الفعالية لو أقيمت في دولة عربية، وأتساءل عن نوع القصص التي يمكن أن يشاركها أفرادها أمام جمهور عام، خاصة أن لدينا انتشاراً لثقافة «العيب»، التي تمنع التحدث في أشياء كثيرة خوفاً من ردود فعل الناس، والسؤال هو: هل الناس مستعدون للتغلب على هذا الأمر والانفتاح فعلياً في مكان عام؟ وإن كان الأمر ممكناً، فما القصص التي سيختارون مشاركتها الآخرين؟

 

• وكيف كانت البداية على أرض الوقع في عمان؟

بعد عودتي لعمان لمواصلة العمل، ظلت الفكرة في ذهني لبضع سنوات، قبل أن أقرر عام 2018 عمل شيءٍ حيالها. أخبرت أصدقائي بما أريد القيام به، وسألتهم عن مدى استعدادهم لمشاركة قصصهم، فكانت استجابتهم إيجابية، مما جعل True Story Tent تولد. في البداية كانت الفعاليات تحظى بحضور الأصدقاء فقط، ثم سارت الأمور بشكل جيد، واستضفنا فعاليات أكثر بمساعدتهم. وفي يناير 2019، أصدرت «بودكاست» بنفس الاسم، من خلاله أشارك بعضاً من القصص التي تحكى في الفعاليات، وأجري مقابلة مع رواة القصص، بهدف الحصول على رؤية أوضح، وتفاصيل أعمق.

منصة للأشخاص

• لماذا اخترت موضوع القصة الخاصة بالذات تيمة للمبادرة؟

- أردت أنا شخصياً أن أستمع لهذا النوع من القصص، في مثل هذه الأجواء، ولكن بعدما تلقيت التعليقات الإيجابية من الأشخاص الذين حضروا الفعاليات، خاصة أولئك الذين شاركوا قصصهم، أدركت أن لهذا الشيء آثاراً أكبر مما اعتقدت. عرفت أن المستمع من خلال قصص الآخرين يكتسب بعض البصيرة ويتعلم الدروس. ما لم أتخيله هو التأثير الذي تتركه مشاركة القصة على راويها، فمثلاً لدينا مشارك، قال إنه لم يجلس مطلقاً مع نفسه وهو يفكر بعمق في كل تفاصيل التجربة التي مر بها في الماضي، ولكنه أثناء عملية التحضير لمشاركة قصته أمام الجمهور، تمكن من فعل ذلك.

• هل ترى أن وجود «البودكاست» مع الفعاليات الواقعية، يقوي من مستواها، وانتشارها؟

- الفعاليات تم تأسيسها للأشخاص الذين يعيشون في المنطقة التي تقام فيها، وبإمكانهم الحضور شخصياً، أما «البودكاست»، فهو لأي شخص في العالم. أرى أنهما كيانان منفصلان، لكل منهما جمهوره الخاص. فالشخص لا يحتاج إلى الاستماع للمواد الصوتية حتى يستطيع الاستمتاع بالفعالية، ولا يحتاج إلى حضور الفعالية للاستمتاع بـ«البودكاست»، ولكن جعل الوسيلتين تعملان جنباً إلى جنب، يساعدنا في مهمتنا الرئيسية المتمثلة في إنشاء منصة للأشخاص في العالم العربي للتعبير عن قصصهم التي يودون مشاركتها الآخرين.

• ما أبرز القصص التي ترى أنها كانت فريدة وجديدة في طرحها وتمت استضافتها حتى الآن؟

- كل قصة مطروحة، تؤثر في كل مستمع بشكل مختلف في حياته، ما قد أجده وثيق الصلة بحياتي في الوقت الحالي، قد لا يجده شخصٌ آخر مثيراً للاهتمام، وما قد يبدو غير مناسب لي اليوم، قد يصبح ذا صلة في المستقبل عندما أواجه تجربة مماثلة. لذلك من الصعب الإشارة إلى قصة أو قصتين وقول إن هذه كانت الأكثر تأثيراً من غيرها.

يأتي الناس لتبادل القصص من كل نوع، قصص مضحكة، وأخرى عاطفية، وأخرى حزينة، وغيرها، ولكنها غالباً تحمل رسالة أساسية يحاولون إيصالها.

تفاعل إنساني

• هل ترى أن مثل هذه المبادرات تسهم في تنمية الفرد الذاتية أو إزاحة هم على صدره؟

ـ نعم بكل تأكيد، إذ إن الوعي الذاتي مهم جداً للنمو الشخصي للفرد، كما أن التفكير في التجارب السابقة يعد جزءاً كبيراً من تطوير وعي الذات، إضافة إلى أننا كائنات اجتماعية، تتوق إلى تفاعل إنساني واقعي. وبما أننا نعيش في عالمٍ يصبح رقمياً بشكل متزايد، فقد أوجدنا في المبادرة مساحة واقعية، تتم فيها دعوة الأشخاص إلى الانفتاح على تجارب بعضهم البعض، وهذا مما تدعو الحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى.

• إلى أي مستوى تود أن توصل المبادرة؟ وما مخططاتك المستقبلية لها؟

- هدفنا مع True Story Tent كان دائماً هو توفير أماكن آمنة للناس من جميع أنحاء الشرق الأوسط لمشاركة قصصهم بكل أريحية. قمنا بتنظيم فعاليات في عمان وفعالية في الإمارات، وغيرها في السعودية، ونطمح إلى توسيع هذا النطاق ليشمل المزيد من البلدان العربية، وبشكلٍ متكرر.

• حدثنا عن مواقف شعرت من خلالها بالإحباط، وأخرى شجعتك على مواصلة تنظيم الفعاليات؟

- العدد الذي استقبلته المبادرة في البدايات كان أكبر من المتوقع، ووجود شغف حقيقي لمثل هذه المبادرات في مجتمعنا، أسهم في تشجيعي للاستمرار. ولكن تنظيم الفعاليات يحتاج إلى دعم، ونحن محظوظون وممتنون لشركة Talabat على دعمها لنا في عدد من الفعاليات، إلا أن وجودهم وحده ليس كافياً للحفاظ على نمونا. يحبطنا في بعض الأحيان، حين نتواصل مع بعض الجهات من أجل الدعم، ولا يرون قيمة لما نقوم به، رغم أننا نرى هذه القيمة الكبيرة له. ولكن التعليقات التي تصل إلينا من المتابعين، والذين يستطيعون رؤية ما تعنيه لهم الفعالية، تدعمنا، وتحرضنا على مواصلة التقدم رغم نقص الدعم.

مخرج مـنفذ

يعمل عبد الله المعولي حالياً مخرجاً منفذاً في تلفزيون سلطنة عمان، وهو حاصل على بكالوريوس في الوسائط المتعددة من جامعة Bristol ببريطانيا. كما أنه درس الماجستير في الإخراج السينمائي والوثائقي بجامعة Limkokwing في ماليزيا.