الأسرة هي بناء اجتماعي يبنى على المحبة ويؤسس على المودة، وتترجم سعادتها بإنجاب الأبناء ورسم خريطة حياتهم بلوحة مثالية من قبل الوالدين، ويعتقد الآباء والأمهات أنهم يستطيعون بناء جدار نقوشه زاهية الألوان خالية من الندوب، ثم يفاجأ الأب والأم بحدوث مشاكل بين الأبناء، لم يتخيلوا يوماً أنها ستحدث خلف جدران منزلهم، وعادة ما يظن كل منهما أنهما قاما بالمسؤولية الملقاة كما يجب، وهذا هو الخطأ الفادح، فمن المحال أن تحل السكينة دون مشاكل تتخلل الحياة اليومية، ولكن من الممكن تخفيف حدتها، إلى أبعد ما يكون وهنا يأتي السؤال المهم وهو: كيف يكون ذلك؟

تجيب عن السؤال، المستشارة التربوية نعيمة قاسم، موضحة أسباب وتداعيات الشجار بين الإخوة في المنزل والحل، قائلة: «قبل أن يحاسب الوالدين الأبناء على ما يحدث بينهم من شجار عليهما الإجابة عن بعض الأسئلة، وهي أولاً: كيف أعامل إخوتي وأخواتي حين أزورهم أو يزورونني؟ وكيف تعامل زوجتي إخوتها في المقابل؟ ما نوعية الحديث الذي أذكرهم به أمام أبنائي؟ هل يوجد بيني وبين إخوتي خلاف وقضايا حول الميراث أو القيام بواجبات تجاه والدي ووالدتي؟ لا ننسى أننا القدوة أمامهم، ولا يمكن بناء جسور محبة وهدوء وقبول للآخر، وبيني وبين إخوتي شجار على ميراث أو أمر ما».

جينات متوارثة

وتلفت المستشارة التربوية النظر، إلى أن الأخوة لا تعوض وهي من أسمى العلاقات وتمكينها مسؤولية الوالدين، وتشرح: «ماذا نتوقع من أبنائنا إذا استمر حديثنا حول قصص قتل الأخ لأخيه أو الغدر به، ستكون هذه الأمور أمامهم سهلة ميسرة، ويعتبرون أن هذا الأمر جينات متوارثة وحدوثها أمر طبيعي، كما أننا لو أجرينا دراسة على الأمهات في معاملة الأبناء، فإن الدراسة ستبوء بالفشل بالتأكيد، فلن يجد أحد أماً تعترف بخطأ تربية أبنائها وأنها تعدل بينهم، وهي في الواقع تخالف هذا الشيء، وتقوم بإخفاء ما يحبه الكبير لتعطيه إياه سراً، أو تمنح حباً مفرطاً للصغير أو تلبس الصغير ملابس الكبير وتشتري الجديد للكبير، أو أنها تمنح العطف والحنان لابنتها بشكل ظاهر، وتقول (رحمكم) وهي تظن أن ذلك يؤلف القلوب، بينما تلك التفرقة تزيدها تحجراً».

ليست مصطلحاً

التربية ليست مصطلحاً أو لفظاً، بحسب المستشارة التربوية، وإنما تطبيق يحتاج الحكمة والموازنة والمواءمة ودراسة النفسيات والميول وإشباعها، تضيف: «أكبر الأخطاء التي يقع فيها الآباء وتشب نيرانها بين الأبناء، هي السماع من طرف واحد والمعاقبة دون الجلوس في جلسة مصارحة ومكاشفة وتصويب الخطأ بصورة غير مباشرة، فحين يشي أحد الأبناء بأن أخاه يدخن مثلاً ويقوم الأب بالعقاب اللاذع، ماذا تتوقع أن تكون ردة فعل المُعاقب؟ أن يحب أخيه مثلاً؟ بالطبع لن يحصل ذلك بل يصبح يترصد الفرص لإيقاع الأذى بأخيه».

عدم المقارنة

تنصح المستشارة التربوية الدكتورة نعيمة قاسم، الوالدين بالتفكير بتروي وهدوء وتحليل منطقي لما يحدث بين الأبناء من خلافات ووضع الحلول الملائمة وفق الحاجة، وألا يهمل موضوع العدالة في المعاملة والمساواة وعدم المقارنة بينهم، فالقدرات والاستيعاب تختلف من شخص لآخر، وضرورة عدم النعت بالفشل والحذر من دفعهم إلى ما لا يفيد الندم.

العدل أساس المحبة

وتضيف: «علينا أن نتذكر وصية رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (اعدلوا بين أبنائكم ولو في القبل)، فالعدل بين الأبناء على رأس الهرم وفي مقدمة الأولويات، ليدوم الاستقرار العائلي ويحقق نتائج مرضية للجميع، فحين تفكر بشراء جهاز لوحي مثلاً لأحد الأبناء فاشترِ للجميع، أو أجل ذلك حتى تصبح مقتدراً، ولا تضع مبررات لتصرفك، لأنك في النهاية ستجد ما لا تحمد عقباه، وتذكر دائماً أن الميزان بيديك، لذلك لا تدخروا جهداً في دعم علاقات أطفالكم مع إخوتهم، فعندما تجمع العلاقة بين الصداقة والمحبة والتلاحم والمساندة، عندها لا يُخشى عليهم مواصلة رحلة الحياة، تذكروا وذكروهم دائماً أن الخلافات هي وسيلتنا لتعلم التعايش، وهي دروس نستفيد منها ولا تفرق بيننا خلافات سطحية تطفو على سطح الماء وتتبخر».

اقرأ أيضاً:  (بالصور) حكاية سجن مشدد تحول إلى فندق فاخر