في مقالها «سينابون» هذا الشهر في مجلة زهرة الخليج، د. نيرمين نحمدالله تكتب:

بأي اسم تسجل هذا الرقم؟
"أمي".. "ماما".. "الوالدة".. "الحاجة".. "ست الكل"، وربما تسجله بـ"اسم تدليلها" المحبب من باب الحميمية!

هذا الرقم الذي تكون محظوظاً كثيراً لو لا يزال يجد مكانه على شاشة هاتفك!
هذا الاتصال الذي يتكرر في اليوم بضع مرات لينساب الصوت الحنون دائماً.. الشغوف دائماً.. القريب دائماً.. والقلِق دائماً!
الصوت الذي يقف ليتحدى الزمن فيبقى على حاله لا يتغير مهما مرت السنون.
هو ذات الصوت الذي -في الصغر- دلل وغنى وهدهد..
هو ذات الصوت الذي عنّف على إهمال طعام أو تقصير مذاكرة..
هو ذات الصوت الذي ترنم برقية ودعاء قبل النوم.. أو تحية صباح برائحة إفطار بعده..
هو ذات الصوت الذي كان أول من هنأ بنجاح لم تكن لتدركه دونه.. ذات الصوت الذي تردد صداه في ظهرك يدفعك، وفي وجهك يدعمك، وعن يمينك وعن شمالك ومن كل ما حولك، كأنه في كل مرة كان تميمة حظك!

هذا الاتصال الذي لا يترجمه القليل من الأرقام المتراصة ببرود، بل تتشكل في طيف أخاذ، وملامح صارت في عينيك مرادفة لأمان لا تمنحه سواها:
عينان بسعة الكون تريانك دوماً بأجمل ما يمكن أن يراك به بشر..
أنف لا يكاد يتتبع سوى رائحة هناءتك..
شفتان لا تعرفان سوى ضحكة بقربك، وصوت دعاء لك في السر والعلن..
وشعر شابت خصلاته فلو نطقت لتحدثت عن عمر منحته لك من دون شكوى ولو كان لها ألف عمر غيره لما ترددت في المزيد.

فكرت كثيراً في كل العبارات التقليدية التي يمكن أن تقال في يوم الاحتفال بالأم.. كلمات اعتدنا ترديدها بتلقائية منذ كنا صغاراً، لكن الآن وقد مر العمر ليغلب الشعور نمطية اللسان، أجدني أقف مخذولة أمام شاشة هاتفي.. أمام أحد عشر رقماً كفت عن الرنين منذ أيام توقفت عن عدها.. أكاد أستجديها أن تعود بنكهة أمان ومذاق حنان لم أعرفهما كما كان معها، لكن الشعور الأقسى أن هذا الاتصال أبداً لن يصل!.

فإذا كنت لا تزال تتلقى هذا الاتصال فابتسم، لأن رصيدك من الأمان لا يزال جارياً.. وادعُ لصاحبته بالبركة وطول العمر، لأن ما بعدها فقدٌ ليس يشبهه فقد، وحزن ليس يشبهه حزن، وعمرٌ ليس يشبهه عمر!
والحمد لله الذي جعل لنا من يقين لقائنا في الآخرة سلواناً لوداع من فارقناهم في الدنيا.