على الرغم من مرور مئات السنين على ظهور مفهوم «المشربية» لأول مرة، إلا أنها ما زالت تُلهم مصممين معماريين عالميين بأفكار لتصاميم مبتكرة. من بين هؤلاء، المصمم المعماري البريطاني آصف خان، أحد أشهر المتخصصين في فنون التصميم المعماري في العالم، ومصمم بوابات «إكسبو دبي 2020» العملاقة المصنوعة من ألياف الكربون. والذي تحتضنه إمارة دبي في الفترة ما بين الأول من أكتوبر المقبل وحتى 31 مارس 2022، بمشاركة أكثر من 200 جهة، من بينها دول ومنظمات دولية وشركات عالمية كبرى، إضافة إلى ملايين الزوار تحت شعار (تواصل العقول وصُنع المستقبل). «زهرة الخليج» تلقي الضوء على حضور (المشربية) في هذا الحدث العالمي المهم.

 

«المشربية» هي جزء أصيل من فنون العمارة العربية التي ظلت لعصور ممتدة رمزاً للإبداع والفن، وازدانت بها المباني في المنطقة كسمة من سمات الثراء الثقافي في عالمنا العربي، منذ ظهرت للمرة الأولى في العصر العباسي الأول، وانتشرت في مصر والشام والجزيرة العربية.

كانت «المشربية» تصنع في الماضي يدوياً من أرقى أنواع الأخشاب على يد حرفيين مهرة بأشكال مختلفة، وكان الزجاج الملون يدخل في تصميمها أحياناً، ليضفي عليها مزيداً من السحر والجمال، عندما تتسلل من خلالها أشعة الشمس والهواء الرطب، إلى داخل المباني في مزيج يجمع بين الشكل والوظيفة، حيث كانت توفر تهوية طبيعية للمنازل وتسمح بدخول الضوء إلى الأبنية في النهار، وقد ألهمت المشربية العربية الفنانين إلى تطوير مفهومها على مر العصور، فأنتجوا منها أنماطاً مختلفة، لكل منها طابعه الخاص الذي يميز كل عصر وكل مكان في منطقتنا العربية. 

بوابات إكسبو

استوحى آصف خان تصميم بوابات «إكسبو دبي 2020» من «المشربية»، حيث تبدو البوابات الأيقونية العملاقة بشكل مختلف حسب زاوية النظر إليها، وحين يتطلع الزائر إليها من إحدى الزوايا يرى تكويناً هندسياً ثلاثي الأبعاد يمثل الحدث الدولي، الذي يُقام للمرة الأولى في المنطقة العربية، وساعد مفهوم «المشربية» المعماري آصف خان على الاستعانة بالإضاءة والظلال والفضاء، لنقل مفهوم للزوار مفاده أن العالم بعد عبور بوابات إكسبو، مختلف تماماً عما قبله. فستكون البوابات بمثابة نقطة عبور من الماضي إلى مستقبل جديد ملهم يزخر بالتجارب الشيقة.

إبداع وعبقرية

مع العبور من بوابات «إكسبو دبي 2020»، تتحول الأبواب إلى جمل تعبيرية تجسدها عبقرية التصميم وخلفية فلسفية. فقد تخيل آصف خان ما سيكون أول ما تقع عليه أبصار الزوار من مختلف أنحاء العالم، حين يصلون الموقع البالغة مساحته 4.38 كيلومتر مربع، ووضع تصوّره موضع التنفيذ. وتصنَع الأبواب المرتفعة بطول 21 متراً، تجارب تختلف باختلاف وقت الزيارة أثناء اليوم، من خلال الاستعانة بالضوء والظلال. فحين يفتح كل باب في الصباح، سيتيح للقادمين مدخلاً فعلياً إلى عالم آخر فريد ومتنوع؛ ومع خروجهم ستقودهم هذه الأبواب ذاتها إلى العالم التقليدي، لتتجدد داخل كل منهم رغبة في العودة لزيارة إكسبو مرة أخرى. وقد احتاجت صناعة هذه البوابة إلى عملية تقنية فريدة، حيث جرى مد حبال من الكربون الفائق والصمغ في ضفائر دقيقة ليسهل استيعاب هذه الحبال، التي يساوي طولها أكثر من 50 ألف مرة من قطر كوكب الأرض. على الرغم من ذلك، تحتفظ الضفائر بشدة تكفي لقَطْر مركبة دفع رباعي.

جناح كندا

استُلهم تصميم الجناح من عناصر أخرى إلى جانب «المشربية»، بهدف بناء جسور بين كندا والعالم العربي. على سبيل المثال، الشكل الدائري للجناح، والذي يشبه شكل الطبول، يلقي ضوءاً على الآلات الموسيقية التقليدية المشتركة في التراثين الكندي والإماراتي.

ويهدف استخدام الأشكال الهندسية المتداخلة في المحيط الخارجي، لواجهة الجناح بالكامل، إلى بناء رابط ثقافي بين كندا والعالم العربي، لكون المشربية العربية مكوناً من التراث المعماري في المنطقة. أما الشكل الدائري للجناح فهو رمز عالمي للوحدة، إذ يعبر عن محورية العلاقة التي تجمع الإنسانية حولها وتربط البشرية ارتباطاً وثيقاً بمحور هذه العلاقة وهو الأرض، كتجسيد لأهمية التعاون العالمي والتواصل من أجل تحقيق الاستدامة والحفاظ على كوكب الأرض وكل هذا مرتبط بشعار إكسبو (تواصل العقول وصُنع المستقبل).

جناح السويد

يعيد جناح السويد ابتكار «المشربية» العربية التقليدية بمفهوم عصري جديد، عبر إحاطة المساحات الخاصة فوق منطقة العرض بشبكات خشبية توفر الظلال للزوار أثناء فترة النهار، وتعطي طابعاً خاصاً لهذا الجناح في الليل. وقد سعى القائمون على الجناح السويدي من البداية إلى تصميمه بشكل يمزج بين الملامح المعمارية السويدية والإماراتية. ونجحوا في تحقيق هذا الدمج بين الأبنية الخشبية السويدية والتراث العربي الإماراتي من خلال الاستعانة بمفهوم «المشربية» في تصميم الجناح.

تصميمات عصرية

تهدف دولة الإمارات من تنظيم هذا الحدث الدولي الذي يُقام للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا منذ انطلاق نسخته الأولى قبل نحو 170 عاماً، إلى تعزيز جسور التواصل بين شعوب ودول العالم، والتشجيع على المزيد من التعاون بهدف وضع حلول مبتكرة لأبرز التحديات التي تواجهها البشرية وصنع مستقبل أفضل لكل الناس، وستبرز كل دولة مشاركة في هذا الحدث الدولي أفضل ما لديها وما تستطيع أن تقدمه للبشرية، وفي الوقت ذاته تتفاعل مع المشاركين الآخرين لتتعرف إلى أحدث إبداعاتهم وابتكاراتهم. وقد تبارى أشهر المصممين المعماريين في وضع تصميمات عصرية مبتكرة لعدد من أجنحة الدول وأجنحة «إكسبو دبي 2020» الرئيسية، مثل جناح الاستدامة، الذي صممته غريمشو أركيتكتس، وجناح التنقل الذي صممته فوستر وشركاه، وجناح التنقل الذي صممته شركة ايه.جي.آي.

 

إقرأ أيضاً: NET-A-PORTER تطلق منصة لعملائها في الشرق الأوسط