ببديهة متوقدة وإحساس شفاف، شرّعت الفنانة التشكيلية السعودية أفنان طاش سفن إبداعها، لتمخر عباب بحر تاريخ الفن الإسلامي الرائع بكل تفاصيله وطقوسه، وتعيد إنتاجه في أعمال فنية مذهلة تجسد التفاعلات الثقافية والفنية بين الماضي والحاضر، وتضيف من خلاله تعريف جديد  للجمال ومفردات قواميسه في الفضاء الإنساني المعاصر. وفي حوارها مع «زهرة الخليج» تبين مسار تجربتها الفريدة.

• ما مدى تأثر مشروعك الإبداعي بنشأتك؟

- أنا حفيدة لجد عظيم، من أصول تركستانية نادته مكة المكرمة، فهاجر إليها مُلبياً النداء في رحلة حج أستمرت سنتين حتى وصل إلى البيت الأول ولم يعد لموطنه بعد ذلك، وكانت رحلته رافداً مهماً لإلهامي، منذ ولدت في جدة عام 1993، وهي مسرح الحياة الخاص بي، حيث جذبني الفن الإسلامي بكل مفرداته، فأسست بعد تخرجي في مجال الأعمال عام 2014 مشروع (المحراب)، الذي  تكمن فكرته في تصميم وتنفيذ مكان قراءة خاص لمحبي الإطلاع، عن طريق مكتبات شخصية ووحدات مكتبية تكرم موضع الكتاب، وكنت أتعاون مع مصممين لتنفيذ منتجات مختلفة بتصاميم مستوحاة من الفن الإسلامي، وأجد أن مهمتي هي إعادة تعريف صور الجمال.

نداء داخلي

• كيف تستردين ذكرياتك عن عملك الفني الأول؟

- تعتبر (وثيقة حج التركستانيين) هي العمل الفني الأول الذي قمت به دون أي تخطيط أو ترتيب، فقط كان النداء بداخلي قوياً وملحاً، منذ قرأت وتعرفت إلى فكرة شهادات الحج وتاريخها الطويل كفكرة نشأت منذ سنين طويلة، حيث كان كل حاج يحتفظ فيها ويوثقها على يد أحد الفنانين، استذكاراً لجمال وبهاء رحلته التي خاضها، فيرسم خط رحلته إلى مكة المكرمة والمواقف التي مر عليها في طريقه، وغالباً ما تكون الرسوم مذهبة بماء الذهب، الذي يعكس قيمة هذه الرحلة بالنسبة له. و قد كانت هذه الشهادات تختم من إمام الحرم ويوثقها بعض الشهود الذين شهدوا له تلبيته للنداء.

• ما الذي تعنيه بإعادة تعريف صور الجمال؟

- هي الصور التي نشأت في الحضارات الإسلامية، وهو ما أنتجه تطويع المواد المختلفة من ورق وزجاج وخشب ومعدن، بغرض خدمة الإنسان وتسهيل حياته، لكن مع تركيز كبير على إضفاء جمال خاص لكل شيء يتم صنعه، مثل: أواني ماء الورد، بوصلة القبلة، مشكاة المساجد ومحاريبها، وكل هذه الروافد تم تقديمها للإنسان بصور مختلفة من إتقان عالٍ وبإضفاء فنون أخرى مثل الخط، فتجعل منهم برأيي صوراً جمالية تزيد من ألفة الإنسان للجمال وترفع من ذائقته الفنية التي تثري تجربته ونظرته للحياة. ولكل ذلك أجدني في شغف وفضول دائم لتجديد هذه الصور الجمالية، وتقديمها لإنسان اليوم بشكل مختلف، يعكس الاختلافات التي نشأت في حياة الإنسان المعاصر وبنية في الاجتهاد قدر المستطاع لحفظ جوهر جمالها.

• هل تختلف الذائقة الفنية في ذاك الوقت عن الذائقة الحديثة؟

- يتفاعل الإنسان في كل زمان ومكان مع كل ما حوله عن طريق حواسه الخمسة. كما أن الواقع بالمعطيات التي يقدمها لنا، قد يؤثر فينا، ولكن تبقى الطبيعة المحاطة بنا من فلك فاتن وبحور شاسعة، هي القاسم المشترك، إضافة لكل ما تبقى من الإرث الفني البديع الذي تركته لنا الحضارات المختلفة التي تمكنا في زمننا الحالي من القراءة عنها والإطلاع عليها وربما السفر إليها وهي التي تخلق التواصل وتعمل على إثراء الذائقة.

تذهيب ومنمنمات

• من خلال تعاملك مع الفنون الإسلامية، ما أهم الأشياء التي لفتت انتباهك؟

- لا أعتبر نفسي متخصصة في هذا الفن، بل أرى نفسي فيه مريدة لفنونه المختلفة التي تشدني بناءً على اهتماماتي في الرسم والتصوير. وبالتالي، يعد التذهيب والمنمنمات هما أكثر الفنون التي تستهويني فيه، كما أن أكثر ما يدهشني في هذا الفن هو الحضور الذي يتطلبه والإجتهاد الذي ينشده من الوقت لكل خطوة حتى تصل للنتيجة المطلوبة. 

اقرأ أيضاً:  عبد الله الكعبي في ضيافة "الفجيرة للسينما"
 

• ما الخامات التي تستخدمينها في أعمالك؟

- بكل صراحة، أشعر بأني في رحلة طويلة في طريق المشروع، لا أتمنى أن أنهيها ولا أخطط فيها لنتيجة محددة. عندما بدأت عام 2014 كنت أملك تصوراً مختلفاً تماماً عما وصلت إليه اليوم، وربما قد يختلف غداً. لذلك أسعى للاستثمار في حبي اتجاه الجمال وهذا الفن، بالقراءة والاطلاع والتعلم والاستجابة لكل نداء فيه، عن طريق المنتجات والأعمال الفنية التي نقدمها برحابة وانفتاح على الخامات المختلفة.