هل هناك أجمل من أبيات الشعر التي تنظمها أقدامنا على أوزانٍ وقوافي؟ وهل هناك ما هو أجمل من التماهي مع النوتة والطبلة والمجوز والشبابة والآلات الموسيقية والإيقاعية، فتُحلّق الأجساد والأرواح هنا وهناك وهنالك في لحظة واحدة، راسمة لوحات راقصة تروي قصصاً وحكايات وتنسج فولكلورات شعبية وتُشكّل، من خلال الذات، حركة الكون؟ في يوم الرقص العالمي، في 29 من أبريل، تتدلل النوتات، ويختال الراقصون وتتباهى الشعوب ويُعبّر الناس بأسلوبٍ آخر عن شؤون وشجون ناسجين قصائد راقصة. فلنسرح بينهم علّنا نتعرف أكثر، من خلال الرقص، إلى قصص دول وشعوب. الرقص تعبير حقيقي عن النفس والروح والخوف والفرح والحرب والموت والحياة والشجن. إنه قصيدة جميلة وكل حركة منه كلمة فيها. فماذا عن قصائد الشعوب الراقصة؟ ماذا عن القصيدة التي تكتبها دولة الإمارات بحركات الجسد الإيقاعية؟ وماذا عن قصائد الرقص في لبنان والكويت والسعودية وعمان والجزائر والمغرب ومصر؟ وماذا عن الهند التي تتلون الأرض حين يرقص من فيها؟ فلنسرح في فولكلور رقص بعض الشعوب ولنشاهد غناء الأجساد.

«اليولة».. أوبرا الإمارات 

هي «العيالة». إنها فنّ شعبي عربي إماراتي أصيل. إنها رقصة يقف فيها الرجال على الصفين، ممسكين بعضهم بيد واليد الأخرى على الخصر، في حركة تدل على التماسك والتعاون القبلي والقوة والفروسية. وتعزف الموسيقى عبر الآلات النحاسية مثل الطبل والدفّ، مغدقة على الأداء الراقص كثيراً من الحماسة. ويتلى الشعر وتنشد القصائد، هذا في الحضر. أما في البادية فتشارك الفتيات ويحصل ما يشبه المبارزة بالخنجر. ويرتفع الشعر الغزلي. وفي دولة الإمارات أيضاً رقصة «اليولة» التي يرمى فيها السلاح ويُلتقط بحركة احترافية جميلة جداً. ويُقال هذه أوبرا الإمارات. أما الرقصة الشعبية البدوية «التغرودة»، فلها وزن شعري تبرز فيه حروف المدّ، وتأتي هذه الرقصة تعبيراً عن المروءة والشهامة. كثيرة هي الرقصات الشعبية الإماراتية بينها «المناهيل»، التي هي أطول الرقصات الشعبية في الجزيرة العربية، و«الرزفة» التي تستخدم فيها عصي الخيزران الرفيعة، و«أم ديما» أو «الأنديما» التي تؤدى في الأعراس والمناسبات، وغيرها من الرقصات التي تترافق مع أناشيد وطنية ودينية وسيوف وعصي وبنادق وشعر ونثر ومعاني قوة وشهامة وإنشاد وحركات إيقاعية وطبول وأهازيج شعبية وغزل وعادات وتقاليد.. هي رقصات شعبية تراثية فيها حيوية شعب وأصالة بدو وشعور بالانتماء والولاء والتعاضد والأصالة والوجدان. 

 «العرضة السعودية» الأشهر في المملكة 

 «العرضة النجدية»، أو لنقل «العرضة السعودية»، هي واحدة من أشهر أنواع الرقص في المملكة، خصوصاً في المناسبات الرسمية والوطنية وفي الأعياد والأفراح وعند استقبال كبار الشخصيات. أدرجت هذه الرقصة قبل ستة أعوام ضمن قائمة التراث العالمي، وهي نوع من الأهازيج خلال الحروب، يرتدي مؤدوها زياً تقليدياً خاصاً، وتستخدم الطبول والسيوف ويُرفع خلالها علم المملكة عالياً. ويقال إن القبائل كانت تؤديها أيام زمان من أجل بث الخوف في نفوس الأعداء. وهناك رقصة «المجرور» ويُقصد بالاسم الإطالة بالكلام، أي جرّه، ويرتدي أعضاء هذه الفرقة الثوب الأبيض الواسع وحزاماً تحته ذخيرة. وتؤدى الأناشيد والأغنيات وتُقرع الطبول. أجواءٌ حماسية فيها كثير من نخوة الرجال والأصالة. وهناك رقصة «السامري» التي تُصاحبها أبيات من الشعر النبطي. ومن ينال حظوة المشاركة في المناسبات والاحتفالات في المملكة العربية السعودية لا بُدّ أن يشهد مشهديات فولكلورية راقصة بينها رقصة «الزامل»، التي يحمل الراقصون فيها الخناجر على الخصر، أو رقصة «الهجيني»، نسبة إلى الهجن، وهذا اللون الراقص شائع في نجد والشمال. أما في المنطقة الجنوبية، فنرى رقصة «الدمة» وهي شعبية حماسية ذات إيقاعات ومؤثرات تعيد بمشهديتها الراقصة الحاضر إلى الماضي، إلى زمن الحرب، إلى أكثر من 500 عام إلى الوراء، إلى حين كانت هذه الرقصة تترافق مع شعر الخشيلي والصنيدلي والذيبي والمسهري. وفي جازان تشتهر رقصات السيف والعزاوي والطارق والزيفة. وفي منطقة الحجاز تشتهر رقصة المزمار التي ترمز إلى الشجاعة والعنفوان والحماسة.

الكويت.. الخماري والسامري

طالما تميّز أهالي الكويت بالهوى الثقافي والحب للفن والموسيقى. وحين نتحدث عن أبرز أنواع الرقص الفولكلوري في الكويت تتوالى أسماء الرقصات وبينها «الخماري» التي تؤديها امرأة واحدة تقوم بخطوات إلى الأمام وإلى الوراء. وهناك رقصة «السامري» التراثية الشعبية التي يعزف فيها الطبل والدف. أما رقصة «الفريسة» فتقدم في الأعياد الوطنية والدينية. وهناك «العرضة البرية» التي هي رقصة الحرب والسلام. المخزون التراثي الفني الكويتي عظيم فيه الوطن والشهامة والمروءة والحب والغزل والنغمات والشعر وليالي السمر والذوق وغنى التراث.

سلطنة عمان.. ثلاثة أشكال

هناك ثلاثة أشكال للرقص العماني التقليدي، الرقصة المنفردة المسماة «العزي». وهناك الرقصة التقليدية التي يقدمها الرجال وتؤدى أمام الحصون وتسمى «العيالة». وثالثة هذه الرقصات «الوهابية» التي تعبّر عن الشجاعة والمروءة ويتبارز فيها الرجال بالسيف.. هكذا هو الرقص الفولكلوري العماني مليء بالقيم والتقاليد والشهامة.

الدبكة اللبنانية.. صلابة وأحاسيس

ننتقل إلى لبنان، إلى البلد الذي طالما لُقب بسويسرا الشرق، وإذا كانت هناك، في سويسرا الغرب، كل أنواع الموسيقى الشعبية راقصة، فإن نوع الرقص الشعبي في  لبنان هو رقص «الدبكة اللبنانية». رقصة تراثية جميلة فيها قوة وأصالة. ونادراً ما تجدون لبنانياً أو لبنانية، مسناً أو مسنة، شاباً أو شابة، لا يتقنون الدبكة، خصوصاً في الجبال العالية والبقاع اللبناني والجنوب. ونادراً ما كان مهرجان بعلبك الدولي يجري بلا مشاركة فرق الدبكة، من كركلا وفهد العبدلله وهياكل بعلبك، التي «يضرب» أفرادها بأقدامهم بقوة على الأرض على وقعِ موسيقى آلاتها الطبلة والمجوز والناي والمنجيرة والدف. واللبناني، حين يفرح وحين يحزن وحين يتحمس، يقفز عن كرسيه ويمسك بأيدي سواه ويشارك في هذه الرقصة الجماعية على أنغام «الدلعونا» و«الهوارة» و«الميجانا» في «الدبكة اللبنانية» التي فيها من الصلابة ومن الأحاسيس ما ليس في سواها. 

الأردن وفلسطين إيقاع سريع 

و«الدبكة اللبنانية» ليست نفسها دبكة فلسطين والأردن وسوريا. الدبكة أنواع، ففي الأردن يدبكون «الكرادية» أو دبكة الطيارة، التي تتميز بإيقاع سريع جداً في حلقة مفتوحة يتحرك فيها «الدبيكة» من اليسار إلى اليمين. وهناك «الدبكة التسعاوية» على أنغام الشبابة والمجوز. و«الدبكة الشعراوية» على أنغام اليرغول، وهناك الدبكة «الشمالية» و«الجوفية» و«العسكرية» و«الدرازي» و«الغوارنة» ودبكة «واحد ونص» و«أبو علنده» و«العقباوية» و«الرمثاوية» و«الفرادية».. تتعدد الأسماء وتتغير ويبقى خبط القدمين في الأرض دلالة إلى صلابة أهل الأردن. وفي فلسطين تبرز دبكة «الدلعونا»، التي تؤدى في العرس الفلسطيني. وهناك أيضاً «الدبكة الشعراوية» و«الدرازي» و«الشمالية» و«البدوية» و«السبعوية»، و«دبكة العسكر». وهناك دبكة «الشيلة» و«الكرجة»، ومن أجمل المقاطع التي يدبك عليها الفلسطينيون «يا أرض بلادي يا بعد روحي.. ع ترابك باقي وما أرحل من هونا».

إقرأ أيضاً:  قصر الإمارات.. "خدمة الضيافة" لإفطار فاخر داخل منازلكم
 

 مصر.. من التنورة إلى النوبة

لا يمكن أن تترافق الكلمتان: «مصر» و«الرقص»، إلا وتكرج أمام السامعين (والقارئين) أسماء سامية جمال وتحية كاريوكا وبديعة مصابني (صاحبة أول مدرسة للرقص الشرقي في مصر)، وزينات علوي ونجوى فؤاد ودينا وفيفي عبده ولوسي، فقبلة الرقص الشرقي هي مصر.. وقبل هذا النوع من الرقص، طالما تقرّب المصريون القدامى من آلهتهم بالغناء والرقص في وقتٍ كان اليونانيون يفعلون ذلك من خلال التضرع والبكاء.  نعود للرقص الشرقي، حيث يحكى عن تحدره من «الغوازي»، اي الغجر والنوّر، الذين قدموا لمصر من الهند وبلاد فارس. ومن «العوالم» أي من الراقصات المحترفات. وتطور هذا النوع من الرقص، ومرّ في مراحل، واستمرت مصر الأولى في الرقص الشرقي دائماً.  وفي مصر هناك رقصات أخرى شعبية بينها «رقصة التنورة» وتتحدر من أصول صوفية، يرسم فيها الراقصون بأجسادهم هالات تمثل الكواكب السابحة في القضاء. ويُقال إن الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي هو أول من قدم رقصة روحية اشتقت منها «التنورة». ومن التراث الفولكلوري المصري «الرقص النوبي» و«الرقص الصعيدي» بالعصا و«الرقص القاهري» و«رقص أهل سيناء» ورقص «سيوه» ورقص «السواحلية».

المغرب.. الرقص بالشعر

الفولكلور الفني المغربي متميز ويعكس ثقافات وأعراق. ورقصة «أحواش» التي تعني باللغة الأمازيغية «الغناء» هي الأشهر هناك. وهي تؤدى جماعياً من راقصين وراقصات يرتدون زياً واحداً. وتُستهل هذه الرقصة بالشعر والزغاريد ويهز فيها الراقصون أكتافهم ورؤوسهم ويتمايلون يميناً ويساراً. وتبرز في المغرب أيضاً رقصة «أحيدوس» و«الكدرة» و«الركادة» و«كناوة» و«عيساوة» و«الطقطوقة الجبلية» والرقص الشعبي «فوق القعدة».. كم هو جميل الفولكلور المغربي الراقص الذي يظهر فيه المشاركون باللباس التقليدي، بحركات جسدية تعبيرية، وهم يقرعون «البندير» و«الدربوكة» ويمسكون في بعضها بالبنادق والعصي. وتعكس كثير منها النصر والقوة والمقاومة والإيقاعات ذات الدلالات والأصالة. وهناك عدد من الرقصات الشعبية من التراث المغربي أدرجت في قائمة التراث الثقافي الإنساني لدى الأمم المتحدة. 

الهند.. البساطة والجمال

حين تدور الراقصات كالفراشات بألوان قوس قزح نكون في الهند. فالفولكلور الهندي الراقص مستوحى من القرى في عدد من المناطق الهندية عاكساً العادات والتقاليد والنسيج الاجتماعي. الرقصات الهندية بسيطة لكن جميلة، حيوية. ومن أشهر الرقصات الشعبية الهندية «جاور» التي تقدم في حفلات الزواج. وهناك رقصة «تشهاو» وتستخدم فيها الأقنعة والسيوف والدروع. أما في شمال الهند فتبرز رقصة «دومهال» التي يعمد فيها الراقصون على غرس راية في الأرض والرقص حولها. ومن الرقصات المختلفة الشعبية الرائعة في الهند رقصة «باداياني» التي تستخدم فيها الأقنعة.