تواصل مؤسسة الشارقة للفنون تقديم معارضها وفعالياتها الفنية ضمن برنامجها لربيع 2021، الذي تستضيف من خلاله أعمالاً رائدة في الفن المعاصر لفنانين مؤثرين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا، من بينها المعرض الفردي "الجثة الأجمل"، للفنان رايان تابت، الذي يستمر حتى 15 يونيو 2021، في الأورقة 1 و2 و3 بساحة المريجة.

ويتمحور معرض تابت حول مشروعه «فُتات»، الذي بدأ العمل عليه عام 2016، ولايزال مستمراً في تطويره، حيث يستند فيه إلى رؤيته الشخصية والسجلات التاريخية، بهدف استكشاف رحلة التّنقيب الأثري التي قادها البارون ماكس فون أوبنهايم في مطلع القرن العشرين بموقع «تَلّ حَلَف» الواقع شمال شرق سوريا، والتي عمل فيها جده الأكبر، فائق بُرخُش، كمترجم وسكرتير لأوبنهايم لمدة ستة أشهر عام 1929، وعبر هذه العلاقة الشخصية والارتباط العائلي يتتبع تابت تاريخ تلك البعثة الآثرية، منتجاً قصصاً عابرة للزمن والأجيال.

ويجمع تابت في عمله الذي أنتجه حديثاً بعنوان «بورتريه فائق بُرخُش»، أجزاء من التاريخ من خلال مقتنيات بُرخُش الشخصية وعمله المعرفي ومراسلاته، بالإضافة إلى الأعمال المنشورة التي تم إنتاجها في وقتٍ لاحق، والتي تتناول رحلته التي قام بها عام 1929، والتي دامت ستة أشهر. وعلى الرغم من أن تابت كان على معرفة بمشاركة جده الأكبر في أعمال التنقيب، فإنه لم يكتشف التقارير الميدانيّة التي وضعها بُرخُش آنذاك إلّا عند زيارته لأرشيف مؤسسة ماكس فون أوبنهايم في مدينة كولونيا عام 2016. 
وتشكّل هذه الوثائق العمود الفقري المفاهيمي لهذا العمل، وتكشف الكثير عن التشابكات الموجودة بين الممارسة المبكرة لعلم الآثار والدراسات الإثنوغرافية والاستغلال الاستعماري، فبالإضافة إلى تقديم تقرير عن تَلّ حَلَف، تستعيدُ كتابات بُرخُش رحلاته إلى المدن والقرى المجاورة مثل جبلة البيضاء، ودير الزور، ورأس العين، وماردين، وأورفة، وكذلك المقابلات التي أجراها مع المسنّين البدو، حيث تقدّم أسئلته نظرة ثاقبة للتاريخ، بما في ذلك الأساطير واستراتيجيات البقاء ومواقع مصادر المياه، ووصف لعالم النّبات والحيوان. ومن خلال هذه المقابلات، تمكن بُرخُش أيضاً من رسم أشجار العائلة ومسارات الهجرة الموسمية للقبائل المحلية، وقد نُشِرَت هذه المعارف في دراسة أوبنهايم الشهيرة المؤلفة من أربعة مجلدات، والتي تحمل اسم «البدو»، وتم استخدامها في ما بعد كسلاحٍ من قبل الحملات العسكرية الغربية اللاحقة.

أما عمله المعنون «الجثّة الأجمل»، فيتألف من مجموعةٍ من الخِيام العسكريّة الفردية الاستعمال التي تتدلّى من السّقف بشكلٍ غير منَظَّم، والتي كان يستخدمها الجنود التابعون لكلّ من ألمانيا وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة في العديد من مواقع الهجوم البريّة التي انتشرت في شمال أفريقيا وبلاد المشرق والخليج العربي طوال القرن العشرين.
ويتضمن العمل، أيضاً، تصميماً بسيطاً مربّع الشّكل ابتكره الجيش الألمان عام 1899، يشبه إلى حد كبير «البِشْت»، وهو لباس بَدَويّ يمكن تحويله إلى مأوى مؤقّت عند سنده بأعمدة خشبيّة. كما نرى في العمل خِياماً أكبر حجماً وأكثر تعقيداً تقسم مساحة المعرض طوليّاً، ومجموعة من الإنشاءات المركَّبة والمصنوعة من نسيجٍ قماشيٍّ متين، تمتدُّ على طول الأرضيّة. إلى جانب ذلك، يقوم الفنان لأول مرّة بدمج الأوتاد والحبال والأجهزة والأدوات المتنوعة الموجودة في الخِيام، ويرتّبها حسب النّوع على طول جدار المعرض لتشكلّ مساراً، أو مجرىً هو بمثابة تمرين لفهرسة وإحصاء ودراسة هذه الأشكال الشَّرِسة والعدوانيّة.

 

فيما تناول عمله «شظايا البازلت» إحدى غارات الحلفاء الليليّة على مدينة برلين في شهر نوفمبر عام 1943، حيث أصيبَ «متحف تَل حَلَف» الذي أسّسه أوبنهايم بقنبلةٍ فسفوريةٍ أدّت إلى تحطّم مجموعة القطع البازلتيّة (السّور-حيثيّة) إلى 27000 قطعة. وفي عام 2001، أطلق متحف «بيرغامون»، وهو القيّم الحالي على تلك القطع، مشروع ترميم وإعادة بناء قُرِّرَ استكماله خلال مدّة عشر سنوات، حيث تمّ ترميم معظم القطع الأثرية بنجاح عبر تجميع 26000 قطعة. تُشكّل الأجزاء المتبقية التي لم يمكن تحديدها أو مطابقتها مع أي قطعة أثريّة معروفة، المادة الأساسيّة لتجهيز تابت الفنّي المؤلّف من 1000 قطعة محفوفة بمادّة الفحم، تُحيطُ بزائري المعرض من ثلاث جهات. وتمّ تغليف كل قطعة من القِطَع الألف بورقة حجم «A3» أو «A4»، قبل تمرير قطعة من الفحم فوق سطحها، حيث تؤدّي هذه العمليّة إلى شَحذ حواف القِطَع المُتعرّجة والمُسَننة وتكوين تشكيلات ذات خطوط سوداء حادّة.

يطرح تابت في هذا المعرض عملاً جديداً تحت عنوان «بدائل رقميّة»، وهو عبارة عن أرشيف رقمي على شبكة الإنترنت، يعرض توثيقات الأعمال الفنية والمواد البحثية والكتابات النقدية التي قام بجمعها منذ عام 2015، انطلاقاً من رغبته في جعل هذه المواد متوفرة ومُتاحة للعامّة، وأيضاً باعتبار العالم الرّقمي المساحة الوحيدة التي يمكنها أن تحوي بسهولة، وفي منصّة واحدة مُتاحة على نطاقٍ واسع، توثيقاته الفنيّة القائمة على الصّورة والنّص والوسائط المستندة إلى الوقت.