تقدم مؤسسة الشارقة للفنون، ضمن برنامجها لصيف 2021، معرضي «المطر سيكون رصاصاً إلى الأبد»، و«عندما أحصي لا أحد إلا أنت»، اللذين تقيّمهما الشيخة حور بنت سلطان القاسمي، رئيسة المؤسسة، ويعرضان في المباني الفنية بساحة المريجة حتتى الأول من أكتوبر المقبل.
ويتضمن المعرضان مجموعة مقتنيات حديثة تعرضها المؤسسة للمرة الأولى، بالإضافة إلى أعمال مختارة من معارض سابقة، أو من بيناليات الشارقة، أو من برامج أخرى في المؤسسة، حيث توسعت هذه المجموعة ونمت، لتصبح من أبرز المقتنيات في منطقة الشرق الأوسط، والتي تجمع بين الحركات الفنية من عشرينات القرن الماضي إلى الوقت الراهن.
ويعاين معرض «عندما أحصي لا أحد إلا أنت» الدور الذي يؤديه الفنانون في المجتمع من خلال إزاحة الستار عن تفاصيل شخصية تعكس أفكارهم الداخلية، وتضعهم في سياق النقاش والتفسير العام، كما يقدم نظرة معمّقة في الأفكار والرؤى والآراء الراديكالية المتصلة بالنزعة الإنسانية التي تنقلها الأعمال المعروضة لثمانية فنانين، هم: فرهاد مشيري، فريدة لاشاي، إيمان عيسى، ماندي الصايغ، ناري وارد، براجكتا بوتنيس، ربيع مروة، ورشيد أرائين. 
ويستمد المعرض عنوانه من عمل الفنانة فريدة لاشاي «عندما أحصي، لا أحد إلا أنت.. لكن متى ما أنظر، ليس هناك إلا ظل»، والذي يعتبر إعادة صياغة لسلسلة «كوارث الحرب» للفنان غويا، حيث تسلط لاشاي الضوء من خلال هذا العمل على القواسم المشتركة بين القمع والوحشية في جميع أنحاء العالم. ومن أعمالها المعروضة أيضاً «الخيول» (1989)، وهي سلسلة من اللوحات أنجزتها بعد وفاة والدتها بواسطة ضربات فرشاة خفيفة الوزن وتصوير تجريدي للحيوانات، لتعكس السلسلة نموذجاً مبهراً لتجارب الفنانة في اللون والشكل.
فيما يُعرض للفنانة براجكتا بوتنيس عملها التركيبي "نِقاشُ المطبخ"، الذي يتكون من أشياء منزلية معروفة مستخرجة من المكان الاعتيادي لها، فخلال بحثها في الحرب الباردة، عثرت بوتنيس على مناظرة أيديولوجية بين نائب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون والزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف، في الافتتاح الكبير للمعرض الوطني الأميركي في موسكو (1959)، الذي نُظّم بهدف ترويج الآلات التي تقلل عدد العمال، وأيضاً لتعزيز العلاقات بين البلدين، وجرى خلال المناظرة نقاش ساخن حول الرأسمالية والشيوعية وسط مطبخ نموذجي أعدّ خصيصاً للمعرض، أصبح يعرف في ما بعد باسم «نِقاشُ المطبخ». وتتساءل الفنانة في هذا العمل التركيبي المتعدد الوسائط عن كيفية تأثر الخارج بالداخل، وتعاين العلاقة بين الفضاءات العامة والخاصة، من خلال اقتراح المطبخ كموقع للحوار، رغم أنه مكان تتصارع فيه أنظمة القيم التقليدية والجديدة بصورة يومية.
وتقدم الأعمال المعروضة أيضاً مقاربات الفنانين لواقعهم السياسي والاجتماعي والشخصي، كما في عمل «لأجل أولويل» للفنان رشيد أرائين، والذي أنجزه إحياءً لذكرى ديفيد أولويل، وهو مواطن بريطاني-نيجيري مات غرقاً في نهر إير عام 1969، بعد تعرضه لمضايقات ممنهجة من أفراد في شرطة مدينة ليدز، وكان هذا العمل بمثابة تحول مسيّس في ممارسة أرائين الذي ابتكر غالباً أعمالاً تجريدية في السابق. عُرض «لأجل أولويل» على امتداد أربعة أسابيع، أزاح فيه الفنان خلال كل أسبوع النقاب عن لوحة واحدة، ففي الأسبوع الأول، قدّم معلومات تتعلق بوفاة أولويل على لوحة بقياس 4 × 4 أقدام، وفي الأسبوع الثاني أضاف صفحتين من صحيفة «بلاك بانثر» إلى اللوحة تصوران العنف العنصري ضد السود، وفي الأسبوع الثالث عرض معلومات عن زيارة رسمية للديكتاتور الفاشي أنطونيو سالازار إلى لندن، أما في الأسبوع الرابع فقد أضاف آخر لوحة تظهر ما يدور حوله المعرض.
أما معرض «المطر سيكون رصاصاً إلى الأبد» فيقدم أعمالاً سبق أن عرضتها المؤسسة لإيتيل عدنان وسيمون فتال ولالا روخ، إلى جانب مجموعة مختارة من منحوتات وأعمال ورقية تم اقتناؤها حديثاً للفنان شوقي شوكيني.
يأخذ هذا المعرض عنوانه من عمل للفنانة سيمون فتال أنجزته عام 2006، وهو عبارة عن سلسلة مكونة من قطع حجرية من الحمم البركانية تحمل نقوشاً عربية، وتشير إلى المجازر المرتكبة بحق الفلسطينيين منذ النكبة، وقد استمدت فتال فكرة عملها من قصيدة «Jebu» لصديقتها المقرّبة الفنانة إيتيل عدنان، التي تعبّر فيها عن الصدمات الشخصية والوطنية الناشئة عن الحرب، المجاعة، الأوبئة، والإبادات الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والديكتاتورية والنفي السياسي، وغير ذلك الكثير.
كما يتضمن المعرض عملين نحتيين لفتال، هما «ذات الهمة» و«عبدالوهاب» (2006)، والتي استندت في إنجازهما إلى قصة بطلين أسطوريين من ملحمة تحمل الاسم نفسه، حيث تجسد هذه الشخصيات الصامدة صورة لمن عليهم النضال وتحمّل الحروب، كما تدل على انهماك الفنانة بشكل كبير بالظروف الاجتماعية والسياسية في الشرق الأوسط.
فيما تكشف أعمال إيتيل عدنان عن إمكاناتها الاستثنائية في التلوين تارة، وممارستها الفنية العاطفية تارة أخرى، كما في عملها «جبل تامالبايس» (2015)، المكون من سلسلة من البُسط المُحاكة بنسيج وألوان مستلهمة من السجاد الفارسي، حيث بدأ تعلق الفنانة بجبل تامالبايس في شمال كاليفورنيا أواخر الخمسينات، وأصبح الجبل صديقها المقرّب وهاجسها طوال العقدين اللاحقين، واستمر في الظهور بصورة بارزة في أعمالها حتى يومنا هذا.
أما لالا روخ، فتتداخل ممارستها الفنية مع التزاماتها على امتداد خمسين عاماً بالتعليم والنشاط الحقوقي والموسيقى الكلاسيكية لجنوب آسيا، ويتضح من خلال عملها المعروض بعنوان «رسومات رملية: 1-4» (2000)، تفاعلها مع البحر والآفاق، بالإضافة إلى انهماكها الفلسفي المصاحب للزمن واللامتناهي.
يتضمن المعرض أيضاً مجموعة متنوعة من أعمال الفنان شوقي شوكيني، بما في ذلك منحوتاته الخشبية ولوحاته المستوحاة من إقامته الطويلة في اليابان، حيث تدمج منحوتاته الخشبية خطوطاً بين التجريد والتصوير، مستحضرة الأماكن والأحداث والشخصيات.

حول مقتنيات مؤسسة الشارقة للفنون
تضم مقتنيات مؤسسة الشارقة للفنون مجموعة متنامية من الأشكال الفنية والثقافة البصرية، وتشكل مجموعة متنوعة من أكثر من 1,300 عمل منذ عشرينات القرن الماضي إلى الوقت الحاضر. ونمت المقتنيات من خلال الاقتناء والتكليفات التي شهدها بينالي الشارقة على مدار عقدين من الزمان، إلى جانب معارض المؤسسة وبرامج التكليف المستمرة طوال العام، وتعكس تاريخ إمارة الشارقة كطريق تجاري إقليمي رئيسي، وتجسد حلقة الوصل التي تربط الثقافات المختلفة من خلال الفن الحديث والمعاصر. وإلى جانب تسليط الضوء على اتساع مقتنيات المؤسسة ومداها، تؤسس هذه المعارض الدور الذي تلعبه المؤسسة من خلال معارضها ومقتنياتها وبرامجها في تحويل محور تاريخ الفن باتجاه سرديات احتوائية تمتد على أجيال متعددة وثقافات متنوعة.