حينما تسمح لك الحياة بأن تبقى وحيداً - لبعض الوقت - بين جدران بيتك أو غرفتك، هل تنتهج سلوكاً مختلفاً، بل وغريباً أحياناً عما لو كان في البيت بقية العائلة؟ 
 الإجابة الصادقة على هذا السؤال ستجعلك تتوقف، وتدرك أن ثمة وجهين لكل إنسان، وجه ظاهر يراه الآخرون، والآخر يختبئ تحت أطنان من العادات ومفاهيم الصواب والخطأ ونظرة الآخرين، وهو وجه لا يراه حتى أقرب الأحبة إليك.
 الوجه الآخر يظهر ذلك السلوك المختلف، وتلك العادات التي لا نمارسها إلا حينما نتحرر من عيون المراقبين، ونختبئ داخل جدران مغلقة.. سلوكيات تجعلنا نشعر بالتحرر، ونكسر فيها أغلال الآخر، ولا نخضع إلا لفرديتنا وشعورنا بالحرية والسعادة.. إنها تدفق من الشعور يجعل كبت تلك السلوكيات ينعكس على حالة الرضا النفسي للإنسان عن ذاته، فيُحدث له انتكاسات تؤثر فيه.. لذلك لابد أن تعترف أمام نفسك بتلك السلوكيات، وأن تتخلص من سطوة المراقبة الذاتية وتمارسها بحرية، فهي في عمومها ستكون سلوكيات لا تتماس مع الآخر، بل تتماس مع رغباتك الفردية. 
 الوجه الآخر الذي نعيش به هو وجه يتفاعل مع المشاعر السلبية تجاه الآخرين، خاصة الأحبة، فكثيراً ما تراودك في حالة غضب مشاعر سلبية تجاه أحد الأحبة.. لك أن تتخيل لو اطلع كل إنسان على ما يدور في ذهنك، وسمع همهمات عقلك وغضبك ناحيتهم.. أترك لك التخيل لتدرك مدى صعوبة الموقف. لكن سرعان ما نستعيد وجوهنا الحقيقية، ويغيب هذا الوجه الآخر في ركن الذاكرة المظلم بلا أثر، لكن يبقى له قليل من الصدى يختفي بعد وقت ما.
 هل يمكن أن يتسق الوجه الظاهر مع الوجه الآخر؟ 
 من وجهة نظري أن هذا ضد طبيعة الوجه الآخر - مع الأخذ بعين الاعتبار أننا نتحدث عن الأناس الأسوياء، لا المنافقين الذين يرتدون الأقنعة طبقاً للحالة والظروف والأهداف، فهذا موضوع آخر – فالوجه الآخر هو ثقب ننفذ منه إلى براح متسع، نُلقي فيه بقايا مشاعرنا السلبية، ونمارس فيه بعضاً من سلوكياتنا وحريتنا الفردية المطلقة.. وهو لا يتسق مع الوجه الظاهر، فإن حاولت أن تجعله يتسق معه؛ فَقَدَ قوته وتميزه، وذاب في الوجه الظاهر.
 لا تقاوموا وجهكم الآخر، وتعايشوا معه، كونوا متصالحين مع ذواتكم، واقبلوا هذا الوجه؛ فهو مَعْبَرٌ تمضون عَبْرَه ناحية الراحة النفسية، والتخلص من حمل الكبت النفسي، الذي قد نمارسه على أنفسنا!