في بداية مسيرته، حاول كثيرون إحباط عزيمة الممثل الفرنسي جان-بول بلموندو، عبر القول بأنه لن ينجح أبداً في مجال التمثيل بمظهر كهذا، غير أن هذا الحكم لم يَحُلْ دون تحول الممثل، الذي توفي الإثنين عن 88 عاماً، إلى أحد عمالقة السينما الفرنسية.

نصف قرن من العطاء
في رصيده حوالي ثمانين فيلماً، قدمها في مسيرة امتدت خلال أكثر من نصف قرن، وتعددت أدواره على الشاشة، من مساهماته في أعمال الموجة الجديدة، إلى تأديته دور الشرطي أو الشرير في الأفلام الموجهة إلى عامة الجمهور.

جوائز
نال بلموندو جائزة سعفة ذهبية شرفية في مهرجان كان السينمائي سنة 2011، والأسد الذهبي في مهرجان البندقية سنة 2016، ثم حصل على جائزة "سيزار" شرفية عن مجمل مسيرته سنة 2017، على وقع تصفيق حار من الحاضرين في الحفلة.

عائلة فنية
ولد جان-بول بلموندو في 9 أبريل 1933، في كنف عائلة من الفنانين في نويي-سور-سين قرب باريس. وكان والده نحاتاً معروفاً. أما الابن، فكان يهوى إطلاق النكات، ويحلم بخوض غمار التمثيل.
التحق بمعهد الكونسرفتوار في خمسينات القرن العشرين، وشكّل مجموعة من الأصدقاء "مدى الحياة" مع جان روشفور، وكلود ريش، وبرونو كريمير، وجان-بيار مارييل.

بداية النجاح
وبعد أدوار صغيرة في المسرح والسينما، التقى بجان-لوك غودار، في لقاء حسم مصيره. وكشف بلموندو في 2001: "هو الذي جعلني أحبّ السينما.. قبل (أبو دو سوفل)، قيل لي كثيراً إنني لم أكن جيداً لدرجة جعلتني أشكك في قدراتي".
وسطع نجمه بفضل هذا الدور الرئيس الأول له سنة 1960، إلى جانب جين سيبيرغ. وسرعان ما بات من أبرز نجوم السينما، التي كان في السابق يتردد في خوضها. وأصبح كما آلان دولون عملاقاً في السينما. زير نساء مشاكس،
وتوالت الأدوار والنجاحات، وبات من أبرز وجوه التيّار السينمائي المعروف بالموجة الجديدة ("موديراتو كانتابيليه" و"بييرو لو فو"). ثمّ صبّ تركيزه على أفلام الكوميديا والمغامرات، متشاركاً البطولة مع أجمل نجمات السينما، من كاترين دونوف إلى صوفيا لورين، مروراً بكلوديا كاردينالي، وفرنسواز دورلياك. وربطته علاقات غرامية ببعضهنّ، مثل: أورسولا أندريس، ولورا أنتونيلي.
وانتقل في فترة لاحقة إلى الأدوار التي تتطلّب أداء بدنياً، فقد كان يهوى الملاكمة في شبابه، مؤدّياً مشاهد خطرة وعراك بالأيدي من دون أيّ ممثّل رديف له.
ولعب دور الشرطي القوي، وزير النساء المشاكس والشرير، في: "بورسالينو"، و"لو مانيفيك"، و"فليك أو فوايو"، و"لو بروفيسيينونل"، و"لاس ديزاس".

 

مشكلات صحية
وخلال أكثر من عشرين سنة، تخطّى 48 فيلماً من أفلامه مليون مشاهدة إلى أن عُرض "سوليتير" سنة 1987، وشكّل أوّل فشل تجاري كبير له. فقد كان ذاك "فيلماً بوليسياً زائداً على اللزوم. وقد سئمت الأمر، وكذلك الجمهور"، على ما قال.
لكنّه تألّق مجدّداً بدوره في "إيتينيرير دان انفان غاتيه" لكلود لولوش (1988)، الذي شكّل أحد أهم أدواره، ونال عنه "سيزار" أفضل ممثل، وهي جائزة امتنع عن تسلمها.
وقد عاد بلموندو بعدها إلى شغفه الأول (المسرح)، إذ أدى بطولة مسرحيتَيْ: "كين"، و"سيرانو"، وأصبح مالكاً لمسرح "تياتر دي فارييتيه".
لكنّ جلطة دماغية تعرّض لها سنة 2001، أثناء تصوير أحد الأعمال، تسببت بمشكلات صحية كبيرة له، وأبعدته عن الاستوديوهات بصورة شبه كاملة، باستثناء إطلالة يتيمة له في فيلم "أنوم إي سون شيان" (2008) لفرانسيس أوسيتر.

حياته الخاصة
احتلت أخبار حياته الخاصة عناوين المجلات الفنية، فبعد طلاقه من ناتي، عادت مغامراته العاطفية إلى الواجهة، إثر علاقته مع عارضة أزياء بلجيكية سابقة تصغره بعقود عدة، قبل أن ينفصلا سنة 2012.
وللممثل المعروف بمغامراته العاطفية الكثيرة أربعة أولاد: باتريسيا (متوفاة)، وفلورانس وبول وستيلا، أصغر أولاده المولودة سنة 2003، حينما كان بلموندو في سن السبعين.